كتابات خاصة

عن اتفاق السعودية وإيران وعلاقة اليمن

اتفقت السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين المنقطعة منذ 2016م، هذا أهم حدث خلال العام الجديد وربما طوال العقد الماضي؛ وإذا ما استمر وفق ما تحدث به الطرفين فمتوقع أن ينعكس ذلك ليس فقط على البلدين، بل على المنطقة والإقليم، بشكل إيجابي.

الاتفاق هو حاجة سعودية-إيرانية مشتركة، قد تكون أكثر حاجة إليه لكنه مهم للغاية في هذه الفترة المتوترة من العالم، وهذا الوقت الحساس اقتصادياً لكلا البلدين الجارين الذين يفصل بينهما مياه الخليج العربي، هناك ستة أمور دفعت لهذا الاتفاق: الأول، المخاوف من تصعيد الصراع خاصة بعد الهجمات على أبقيق (2019) والتواجد السعودي الأكبر في آسيا الوسطى منطقة النفوذ الإيراني التقليدي. الثاني، الحرب الروسية في أوكرانيا ومخاوف الاستقطاب الدولي في حرب باردة؛ والمخاوف من عمل عسكرية محتمل ضد إيران لا تريد المملكة أن تكون طرفاً فيه. الثالث، الاقتصاد كمحفز رئيسي، تملك السعودية رؤية اقتصاد طموحة للغاية في 2030 والعلاقة مع الاقتصاد الإيراني يساعدها. الاقتصاد في إيران سيء للغاية بسبب العقوبات وهناك حاجة للسعودية ودورها كقادة للعالم الإسلامي لدعوة الدول للتجارة مع إيران ضمن رؤية وضعها الخميني للاقتصاد الإسلامي.

الرابع: يبدو أن السعودية وإيران وجدتا أن صراعهما المُكلف في سياستهما الخارجية لن يحقق الكثير من الانتصار. فمن الواضح أن هناك “استدارة” سعودية في قراءة الملفات السياسة الخارجية: تعاون أوثق مع تركيا، وانفتاح غير معهود مع العراق، وعلاقة وثيقة مع باكستان بعد أن كانت تراجعت. قدمت الرياض رؤية أكثر استقلالية لسياستها مع روسيا والصين خلافاً لمطالبات الولايات المتحدة، بعكس الصورة النمطية في إيران أن توقيع اتفاق مع واشنطن يعني اتفاقاً مع الرياض. وهو ما لم يحدث في الاتفاق النووي الإيراني.

الخامس: صورة قاتمة لحرب إيران بالوكالة، تدعم إيران جماعات من غير الدول في مواجهتها وبناء نفوذها، يقلل ذلك التكاليف الكبيرة على إيران إذا انخرطت بشكل مباشر. وبالإضافة إلى التكلفة الرخيصة نسبيًا (مقارنة بالصواريخ وأنظمة الأسلحة الرئيسية)، فإن شبكة الجهات الفاعلة غير الحكومية الإيرانية تسمح لها أيضًا بالدخول في صراعات خارج حدودها. كما أن الإنكار الذي يوفره استخدام القوات بالوكالة يقلل أيضًا من التكلفة السياسية لإيران. لكن على المدى الطويل، إذا استمرت التدخلات الإيرانية على نفس المنوال، فمن الطبيعي أن تصطدم في وقت ما في المستقبل بجدار يتعارض ومصالحها. لذلك من مصلحة إيران ألا تعتمد بشكل كبير على شبكة نفوذها إذا كانت تخطط للبقاء قوة إقليمية لفترة أطول، وأن العلاقات مع الدول ضرورية للاستدامة.

السادس: يمكن للسعودية وإيران التحكم بأسواق الطاقة، تملكان مجتمعتين قرابة 35% من احتياطات النفط في العالم. وفي ظل الحرب الحالية فهما بحاجة للتقارب حتى لا يتم العمل على نقاط الخلاف للحصول على مخزوناتهما.

 

اليمن،

كان اليمن جزءاً كبيراً من الحوارات الدبلوماسية في بكين، كما أنه كان كذلك في الحوارات الأمنية والاستخبارتية طوال عامين بين مسقط وبغداد. يتحدث معظم الدبلوماسيين الإيرانيين عن موضوع الملف كأن هناك تفاهماً: يوقف هجمات الحوثيين على المملكة. ويبدو أن السعودية حصلت على ضمانات مناسبة ومطمئنة لها لترتيب العلاقات، وترتيب مجمل قضايا المنطقة اليمنية والسورية واللبنانية.

خلال المشاورات بين الطرفين منذ 2021، لم يكن يخلوا اجتماع من الملف اليمني كأساس رئيسي مطروح يدعو إيران لوقف تزويد الحوثيين بالأسلحة المتفوقة والتي تهدد أمن اليمن والجوار، في وقت تطالب إيران بعودة السفارات أولاً. وعلى الرغم من أنه لا توجد أداة قياس للتراجع الإيراني في اليمن إلا أن وقف تسليح الحوثيين يجعل الجماعة قريبة من السلام ويُقلم أظافرها مؤقتاً عن استهداف الجوار وتهديد الملاحة.

وقال علي شمخاني رئيس الوفد الإيراني إن المحادثات كانت شفافة لدرجة كبيرة، وهذا يدفع للتأكيد أن هناك حديث حول معظم الملفات المتعلقة بأسواق النفط واليمن وسوريا وربما لبنان.

في وقت قريب: سيكون التساؤل ماذا سيكون الوضع مع الحوثيين هل سيتوقف الإيرانيين من إرسال الأسلحة الإيرانية للحوثيين، والمطلوب أن نرى إيران تتراجع وتبني الثقة وتوقف التدخلات وزعزعتها لاستقرار المنطقة.

لا يروق الاتفاق للبعض في المنطقة لأنها تستفيد من حالة هذا الخلاف بين الإيرانيين والسعوديين، مثل إسرائيل والإمارات: إسرائيل لأن التطبيع مع الخليج يقوم على أساس التوازن مع إيران، وأبوظبي لأن تحركاتها في اليمن يحركه مزاعم مخاوف المنطقة من إيران، ولأن عودة الاقتصاد بين الرياض وطهران يهدد صورتها الاقتصادية ويجعل السعودية شريكاً كبيراً موثوقاً به لإيران أكثر من أبوظبي.

الاتفاق ذاته يفتح الطريق أمام مفاوضات دبلوماسية بين الدولتين في المستقبل القريب؛ وإذا ما مضت الأمور في المدى المنظور فإن شكلاً من الأمن الإقليمي يمكن تحقيقه!

يمكن الاطلاع على المزيد من التفاصيل من خلال ورقتين سابقتين للكاتب:

مشاورات السعودية وإيران.. البحث عن نظام أمني إقليمي متوازن

هل ستكون اليمن منطقة احتواء الصراع السعودي-الإيراني؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى