كتابات خاصة

وقفة هادئة مع منتقدي الشيخ عبدالمجيد الزنداني

عبدالله القيسي

تابعت بعض المنشورات التي انتقدت أو هاجمت الشيخ عبدالمجيد الزنداني رحمه الله لعلي أجد ما يستحق ذلك الهجوم الكبير فلم أجد شيئا، هي ذات المقولات المكررة التي تنبع من خلفية أيديولوجية، فالتيارات جميعاً لها تعصبها وانغلاقها وسطحيتها..، كلمات عامة لا تمسك منها بشيء، اتهامات مطلقة بلا أي سند، تضخيم في بعض القضايا التي لا تستحق أن تواجه بتلك الصورة، وبعض ما صادفته كان لشباب لا يعرفون من شخصية الشيخ سوى ما قرأوه في وسائل التواصل الاجتماعي في العشر السنوات الأخيرة، يرمون بالكلمات التي سمعوها دون وعي بها، كلمات جاءت في سياق الهجوم الإقليمي والدولي على الإسلاميين مرة وعلى الإسلام ذاته مرة أخرى، مقولات واتهامات لها أهدافها في إطار تفكيك المنطقة وإضعافها، وهذا لا يعني أن الإسلاميين بلا أخطاء، أو أن الشيخ بلا أخطاء، فقد كتبت كثيرا في نقد خطابهم، ولكن ليس بتلك الصورة الزائفة التي تتبناها تلك الجهات، والتي تشيطنهم فقط لأنهم يمارسون السياسية، وقد كنت أخذت على نفسي عهداً ألا أكتب إلا ما أراه حقاً، دون تحيز لغرض دنيوي، ودون خوف من تيارات ومؤسسات وأحزاب، ودون تهيب أو تزلف للجماهير، ودون الوقوع في دائرة الاستغفال التي تصنعها دوائر الهيمنة المحلية أو الإقليمية أو الدولية.. قد أخطئ وقد أصيب، ولكن بصدق الباحث عن الحقيقة، دون أن تتلوث يدي بدم، أو يتلوث لساني بموقف يؤيد سافك دم.

وقبل أن أتحدث عن تلك النقاط المثارة حول الشيخ رحمه الله دعوني أكشف زاوية مهمة في شخصية الشيخ ربما أغفلوها في زحمة الهجوم والهجوم المضاد.. فلو أنك سألت اليمنيين من هو أشد عدو لليمن دولة وإنساناً، من هو التيار أو الجماعة التي سفكت دماء اليمنيين وانقلبت على إرادتهم، سيجيبك العقلاء جميعهم إنها جماعة الحوثي، ولو أنك سألت جماعة الحوثي من هو أشد عدو لكم، لأجابوك بلسان الحال والمقال حزب الإصلاح، ولعلكم تذكرون خطابهم الأول أنه ليس لهم عداوة مع أحد عدا الإصلاح، قبل أن ينفردوا بالبقية تباعاً، والسؤال المطروح لماذا يعتبرون حزب الإصلاح هو العدو الأول، ولماذا طاردوا كل أفراده ومنتميه، ولماذا تسامحوا مع غيره ولم يتسامحوا معه، والإجابة البسيطة الواضحة هو أن هذا الحزب قد سحب مناطق الزيدية التي تغلغلت فيها أفكار الإمامة من تحت أيديهم، بتغيير أفكارها بما هو أقرب للنظام الجمهوري، وكلما طال العهد من ثورة سبتمبر قلّت مناطق نفوذهم، ولذا اعتبروا هذا الحزب خطراً على عمقهم الاجتماعي أكثر من غيره.. دعوكم من ذلك الكلام المثالي الذي قد يرمي به البعض بلا واقعية، فما كان بالإمكان غير ذلك الخطاب يستطيع أن يغير تلك المناطق، وحتى إن بقي هناك إشكالات في ذلك الخطاب، فهي ليست خاصة بهم وإنما هي مشكلات الخطاب السني كله، ولذا كان على الجيل التالي أن يكمل المهمة، وستكون تلك المهمة أسهل بعد أن تخففت تلك المناطق من تعصب الإمامة.. كان هذا الحزب الذي اشتغل منذ ثورة 62 في تلك المناطق قد استطاع إلى حد كبير تغيير قناعتها باتجاه النظام الجمهوري، ولا يغرنكم الكلام الشعبوي الذي يطلق على الشمال والهضبة من أنها لازالت إمامية، فهو كلام لا يصمد أمام التحليل، ولولا أن يطول المقال لفصلت فيه.. ذلك الحزب كان على رأسه الشيخ عبدالمجيد الزنداني وهذا ما جعلهم يطلقون حملاتهم الخفية والظاهرة عليه، وما الفتوى المفترى عليه في أحد صحفهم إلى واحدة من الأدلة الواضحة على ذلك، وقد حكم له القضاء فيها وألزم الصحيفة بالاعتذار ثم عوقبت بإغلاقها لمدة زمنية معينة.. ولعلكم تذكرون ليلة سقوط صنعاء ما هو أول شيء هاجمته المليشيا، لقد هاجمت الجامعة التي أسسها الشيخ لما لها من دور كبير في تسنين المنطقة، وفي إضعاف فكرهم، وضربها أسعد أطرافاً إقليمية ودولية كانت تتمنى إغلاقها، وربما كانت هناك إشارة خضراء لذلك!!

أضف إلى ذلك أن الشيخ رحمه الله قد اشتغل في إذاعة الجمهورية منذ بداية الثورة، وكل برامج الإذاعة حينها كانت تشتغل على فكرة واحدة هي تعميق النظام الجمهوري، ومحاربة النظام الإمامي فكراً وثقافة، ثم لم يتوقف دوره هنا وإنما انتقل إلى مجال أخطر وهو المنهج التعليمي، فقد كان أحد صانعي منهج التربية الإسلامية، ولو لم يكن الشيخ رحمه الله ضمن واضعي المنهج لكنا رأينا منهجاً يشبه ما ترونه اليوم من تعديل كامل يصب في صالح الإمامة، لذا اختار زعيم جماعة الحوثية وزارة التربية والتعليم ليعيد صياغة المنهج كما يريدون، كنا ندرس في مناهجنا التوحيد صافياً، دون شوائب الشرك الذي تسرب عند بعض الجماعات، وليس التوحيد الخالص سوى الحرية الخالصة، وهذا نقطة أخرى تصب في ميزان الشيخ ودوره الجمهوري.

أما المسائل التي نختلف معه فيها مثل خطابه عن الخمس، فهي مشكلات عامة عند الخطاب السني أو عند جزء منه، وقد رددت حينها بثلاثة مقالات على ما طرحه الشيخ رحمه الله، لكن ليس بالصورة التي هاجمه البعض لأهداف أخرى، وإنما بما تستحق تلك القضية من نقاش وتفكيك، وهذا ينصرف على كل الآراء التي قد نختلف مع الشيخ فيها، فهي قضايا معرفية تناقش وتنتقد، وليست قضايا أخلاقية فيها سفك للدماء كي نتعامل معها بدرجة صارمة شديدة.

من القضايا التي كان تنتقد على الشيخ أيضاً مسألة علاج الإيدز، وهذه أيضا مما نختلف معه فيها ولكن ليس بتلك الصورة المبالغ فيها، فيتم تحميلها عبارات لا تقال إلا في حالة المجرم الذي يتزعم مليشيا تقتل وتسفك في دماء الناس.

وأما قضايا الاعجاز العلمي فمهما كان الخلاف فيها فإنها قضية معرفية خالصة بإمكانك أن تختلف مع أي إنسان، ولكن ليس عليك إكراهه بتغيير رأيه، وإنما بالنقاش والجدل بالتي هي أحسن حتى نصل للحقيقة، وتحويل القضايا المعرفية إلى قضايا أخلاقية واحدة من مشكلاتنا الكبيرة، والتي يصر على اختلاطها جميع التيارات يميناً ويساراً، ثم يكتوي منها الجميع.

قضية أخرى أثيرت على الشيخ رحمه الله وهي قضية شركة الأسماك، وهذه القضية منذ سمعتها قبل سنوات كثيرة كان يدور بذهني سؤال واحد، إن كانت كما تقولون فلماذا لا ترفعون عليه قضية باسترداد أموالكم، خاصة والسلطة ليست راضية عليه تماما، فلماذا لم يتقدم أحد بمقاضاته!! أم أن المسألة مختلفة والمقصود هو رميها فوق الشيخ فقط.

أخيراً برغم تلك المقالات المتعصبة هنا وهناك، إلا أننا وجدنا مقالات عاقلة ممن شخصيات نعرف اختلافها الفكري والمعرفي مع الشيخ، ولكنها ترى أن ذلك الاختلاف مهما اتسع فإنه لم يصل لما وصلت له الجماعة المسلحة التي انقلبت على كل ثوابت الاجتماع السياسي، هذه الشخصيات العاقلة تتوزع على التيارات كلها، فقد رأينا من قبل عند وفاة شخصيات يسارية من يمتدحها من الإسلاميين رغم الاختلاف الفكري التام معهم، هذا الكتلة هي التي ينبغي أن تتسع، لا أولئك الزائفون الذين ليست لهم من أولوية وطنية بقدر ما يهمهم تحقيق أهداف ضيقة لهم.

ورحم الله الشيخ رحمة واسعة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى