فكر وثقافة

الروائي اليمني سمير عبد الفتاح: المصغرات تُعطي القارئ الفرصة ليكون كاتبا

يمن مونيتور/القدس العربي

صدر للروائي سمير عبد الفتاح، ست روايات وعدد من المجاميع القصصية والنصوص المسرحية، وفاز بعددٍ من الجوائز، وتبرز تجربته كحالة إبداعية يمنية خاصة، وتحديدا على صعيد الاشتغال الرؤيوي الفكري على قضاياه وشخوصه وأبنيته وعوالمه السردية، والتعامل معها بدقة متناهية. ويُعد كتابه السردي الجديد الصادر مؤخرا، عن دار جدار للثقافة والنشر في الإسكندرية، بعنوان «روايات لا تطير» تجربة جديدة تعكس دأبه على التطوير. وهي التجربة التي قدم، من خلالها، نمطا كتابيا سرديا جديدا، ممثلا في ما سماها (المصغرات)؛ التي يمكن، من خلالها، تقديم أكثر من أربعين رواية في كتاب.

يقول سمير عبد الفتاح، إن ذلك يختصر زمن قراءة أربعين رواية، ومن جهة أخرى التفاعل والتشارك بين القارئ والكاتب في إيجاد رؤية مشتركة للمصغرة الواحدة، وكذلك تداخل مجموع القراءات – لعدد من القراء – لتشكل كل مصغرة روايات متعددة؛ «وبهذا يكون لدينا كم أكبر من الروايات التي يمكننا التفاعل معها»؛ معتبرا المصغرات عبارة عن روايات بجناح واحد، وعلى القارئ تمكينها من جناحها الآخر لتتمكن من الطيران، لكن هذه المرة ليس كقارئ وإنما كراوٍ؛ وبالتالي يقول سمير إن المصغرات تمنح القارئ فرصة أن يكون كاتبا. في هذا الحوار تناقش معه صحيفة «القدس العربي» بعضا مما يتعلق بتجربته ونمطه السردي الجديد.

■ لماذا «مصغرات روائية»، ما الجدوى المرجوة من هذا النمط من الكتابة؟

□ المصغرات هي محاولة لتأطير نمط سردي جديد يتماهى مع عالمنا المعاصر، الذي يجمع بين الاتساع والضيق؛ الاتساع في ما وصل إليه الإنسان في كل المجالات، إلى درجة أننا لا نستطيع الإلمام حتى بالعناوين، التي تظهر في كل يوم في المجالات المرتبطة بحياتنا، سواء أكانت تقنية أو بحثية أو تفسيرية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو… ويقابل هذا (الضيق) الذي نحشر أنفسنا فيه؛ فنحن ننزوي كأفراد، ونكتفي بالتقنيات الحديثة كأداة اتصال مع المحيط ومع أنفسنا كذلك. ويضاف إلى هذا محدودية الزمن الصغير الذي نمتلكه في اليوم الواحد، وكذلك في زمن عمرنا المتاح لنا، بما يجعلنا غير قادرين فعليا على القيام بكل ما نريد فعله. لذا نحن في حاجة إلى أنماط أدبية تستطيع مواكبة هذا، والمصغرات بشكل ما تبدو حلا مقبولا إلى حدٍ ما، فمن جهة يمكن في كتاب واحد ـ من القطع الصغير ـ وضع أكثر من أربعين رواية، وهذا يختصر زمن قراءة أربعين رواية، ومن جهة أخرى التفاعل والتشارك بين القارئ والكاتب – بشكل خاص – في إيجاد رؤية مشركة للمصغرة الواحدة، وكذلك تداخل مجموع القراءات – لعدد متعدد للقراء – لتشكل كل مصغرة روايات متعددة حسب خلفية وثقافة وتفضيلات كل قارئ، وهذا التفاعل يخلق جسرا من التواصل حتى بشروط الانزواء، وعدم التواصل المباشر. وبهذا يكون لدينا كم أكبر من الروايات التي يمكننا التفاعل معها، ونتواصل ونساهم بشكل أكبر في ما نقرؤه.

النوعية

■ كيف أمسكت بهذا المشروع كجنس أدبي جديد؟

□ كما قلتُ سابقا إشكالية الزمن المتاح لنا ككُتاب لكتابة كل ما نريد، وكقراء لقراءة الكثير مما نريد، من جانب آخر أحيانا لا نجد أنفسنا في بعض الروايات أو الكتابات، أو أننا نشعر أن هناك خللا ما، أو أن مسار الرواية لم يكن مرضيا لنا، أو أن نهاية الرواية مبهمة أو غير ملائمة أو حتى سيئة، وأحيانا نتخلى عن قراءة رواية أو كتاب بعد بضع صفحات ونشعر بالأسى على الوقت الذي أهدرناه في قرأتها، لهذا كانت فكرة مزج كل هذا معا، الكاتب والقارئ وتفاعلهما معا في صنع الرواية التي ترضي القارئ وتعبر عنه، والزمن المحدود مع كميات أكبر من الروايات.

■ لكن هل تعتقد أن كثرة الروايات هي الحل، ألا تكفي رواية أو بضع روايات جيدة ليشعر القارئ بالرضا؟

□ الإشكالية هنا لا تتعلق بالنوعية فقط، الإنسان كائن ملول بطبيعته، ويبحث عن التنوع والمغايرة، فإذا كان يعيش في سهل فيه كل وسائل الحياة المريحة سيتوق إلى الجبال الوعرة، وهكذا، أيضا هناك الروايات الخالدة، التي تعتبر علامات في عالم الرواية وهي موجودة منذ قرون، ولا تزال مقروءة، وتطبع في كل اللغات، ويمكن الاكتفاء بها، ومع هذا هناك الكثير ممن يقومون بكتابة الروايات، وهناك روايات جديدة تنشر كل يوم، من بينها روايات تضاف إلى سجل الروايات الخالدة، لهذا نحن في حاجة إلى الجديد دائما. وكذلك أصبحنا في حاجة إلى تجديد في الأشكال، التي نكتب ضمن إطارها، لهذا تجربة المصغرات هي محاولة اختراق في هذا الجانب.

■ لنعد للسؤال: كيف توصلت للكتابة بهذا النمط وماذا أعطيته وأعطاك؟

□ لم تظهر (المصغرات) بين ليلة وأخرى، كانت نتاج ركام من محاولاتي في عالم الكتابة ومحاولة إيجاد جديد في هذا المجال، سواء في كتابة القصة أو الرواية أو النص المسرحي، وكذلك من ملاحظاتي كقارئ، والمصغرات تجربة جديدة، ويمكن اعتبارها تحديا كبيرا، خصوصا أن هذه التجربة غير مسبوقة ـ حسب درجة اطلاعي سواء عربيا أو عالميا ـ وهي تمثل اختراقا وإضافة للأجناس الأدبية؛ وبالتالي تقبلها من قبل الآخرين ـ قراء ونقادا ـ سيكون حدثا جديدا على الساحة الأدبية. كذلك من جهتي أنا اشتغل على هذه المصغرات منذ سنوات، ومنحتني فرصة أكثر للتعمق في عالم الكتابة.

■علام اعتمدت في ضرورة أن تخرجها إلى النور.. أقصد ما الذي عزز قناعاتك بضرورة إخراجها وتقديمها للقارئ العربي؟

□ أولا أنا لا أكتب لاحتفظ بما أكتب لنفسي، وبالتالي أنا في حاجة إلى القارئ -ككل الكُتاب – ليحكم على كتاباتي سواء بالسلب أو الإيجاب، وقد أصدرت في مجال الرواية ست روايات، أيضا (المصغرات) تجربة جديدة يمكن أن تأخذنا في مدار آخر، سواء بالنسبة لي ككاتب، أو بالنسبة للقارئ الذي قد يجد فيها شكلا يعبر عنه بشكل أفضل، ويستطيع أن يكون مساهما بفعالية في ما يقرأ. وتأجيل الإعلان عن المصغرات كان مرتبطا بإيجاد ناشر يستوعب هذه الفكرة.

الكاتب

■ ماذا يميز (المصغرات) عن السرد القصصي القصير؟

□ الاختلاف الأساسي يكمن في أن الكاتب في حالة السرد القصصي هو المهيمن بشكل كامل على عملية الكتابة، لكن في المصغرات يشترك الكاتب والقارئ في وضع النص بصيغته الكاملة.

■ وماذا يعطي هذا النمط الكتابي الجديد القارئ؟

□ بكلمات قليلة يمكن القول إن المصغرات تعطي القارئ الفرصة ليكون كاتبا.

■ ألا يثير هذا التباسا… فمن هنا سيكون الكاتب ومن هو القارئ؟

□ هذا الالتباس هو جوهر المصغرات، التفاعل والتمازج بين القارئ والكاتب، بحيث إن القارئ بعد أن ينتهي من استكمال الرواية يمكن أن يعرضها على الكاتب ليتحول الكاتب إلى قارئ، وكما قلتُ سابقا المصغرات هي فرصة للقارئ ليشكل النص حسب رؤيته وثقافته وتفضيلاته.

■ إذن فهذا النمط قادر على تحويل القارئ إلى كاتب، كيف؟

□ نعم.. في هذا الكتاب (روايات لا تطير) توجد إشارات وتعليمات لكيفية كتابة الروايات، بحيث يستطيع القارئ عبرها التحول إلى كاتب ليستطيع استكمال الرواية، كذلك كل مصغرة مكونة من (متن) في البداية يحدد الشكل الذي ستكون عليه الرواية من حيث اللغة والأسلوب وضمير الراوي، وكذلك (هامش) بفكرة الرواية والأحداث والمسارات التي تسير عليها، وعلى القارئ في ضوء كل هذا تخيل الرواية بشكلها الكامل ويشارك في صياغتها، فيكمل الرواية وفق تصوراته هو ضمن الإطار المحدد له.

■ هل فكرت بواقع القارئ في عالمنا العربي، وهو يتعاطى مع النمط القرائي التقليدي بقصور؛ وبالتالي كيف يمكنه التعامل مع هذا النمط الجديد…أنا هنا أطرح أسئلة مَن قد يتساءل؟

□ بداية أحب التأكيد على أننا إذا ظللنا نتعلل بالقصور وقلة الوعي فسنظل في مكاننا طوال الدهر، يجب أن نخترق هذا، وأن ننظر إلى كل ما يمكنه تغير هذه الصورة، يجب أن نحفز القارئ، ونجعله يخرج من دائرة القصور، وعدم قدرته على تقبل الجديد، يجب أن نعطيه الجديد، ونأخذ بيده ليتفاعل ويخرج من قوقعة (عدم القدرة) التي يتحصن بها. وباعتقادي أن القارئ العربي لا يقل عن أي قارئ فقط يحتاج إلى أن نثق به أكثر.

■ ألم يكن تحديا بالنسبة لك؟ أقصد الكتابة الروائية والمسرحية والقصصية وفي الوقت ذاته تقديم نمط سردي جديد للقارئ العربي في مرحلة يتراجع فيها القارئ العربي لحساب منصات التواصل الاجتماعي، أم كما سبق وأكدت أن هذا النمط مناسب لهذا العصر ويعد ضروريا؟

□ الكتابة في هذا العصر وفي الظروف التي نعيشها فيها في اليمن هي ملاذ، الكتابة هي من الأشياء التي تعيننا على احتمال ما نعاني منه، نحن عندما نكتب ننفصل عن محيطنا، ونعيش ضمن محيط نتمكن من التحكم به، ونسيره وفق ما نريد، وفي هذا عزاء كبير تجاه ما يحدث لنا.

والمصغرات كنمط سردي جديد متلائم مع هذا؛ مع حاجتنا لواقع جديد مختلف نستطيع المشاركة في صياغته، كذلك (المصغرات) لائقة تماما لمنصات التواصل الاجتماعي حجمها الصغير يمكنها من التفاعل جيدا مع شروط النشر في تلك المنصات، وأنا قد نشرت أجزاء من تجربة (المصغرات) في صفحتي في الفيسبوك كاختبار لها.

■ لِمَ اخترت عنوان أول اصدار في هذا الجنس «روايات لا تطير»؟

□ الروايات المكتملة دائما تطير، فالكاتب يضع لها جناحين، والناشر يطيرها ورقيا أو إلكترونيا، لكن المصغرات لا تمتلك سوى جناح واحد، والجناح الثاني على القارئ أن يمنحها إياه؛ لكي تستطيع الطيران، فهذه الروايات في حاجة إلى القارئ لكي تستطيع الطيران.

■ كيف فكرت بإشكالية إيجاد ناشر مستعد يشاركك هذا الطموح؟

□ التجربة جديدة بالكامل، ونحن دائما نتوخى الحذر من الجديد، الذي لم نختبره من قبل، وفي الوقت نفسه نحن نتوق للجديد بحكم طبيعتنا الملولة، لذا كان قرار النشر في حاجة إلى ناشر منفتح بشكل كبير على تقديم الجديد، ومستعد للمغامرة في هذه التجربة، كذلك فكرة أن كاتبا يأتي من (آخر الأرض) ليقدم جنسا أدبيا جديدا كانت تضاعف صعوبة العثور على ناشر، لذا حاولت تسريب جزء من المصغرات ـ كاختبار لها ـ ضمن كتاب مجموعة نصوص (ثمة أشياء أخرى) بانتظار إيجاد ناشر للمصغرات بشكل النهائي.

■ وكيف جاء اختيارك للناشر؟

□ اختيار الناشر كان من قبل الشاعر العُماني عبد الله الريامي، الذي أخبرني عن دار جدار للثقافة والنشر، وأنها تقوم بنشر الجديد والمختلف من الأعمال، وعرض عليّ تقديم كتاب للنشر فيها، فأرسلتُ له كتاب (المصغرات) وتم قبوله ونشر في بداية فبراير/شباط هذا العام.

■ علام يعتمد استمرارك في الكتابة في هذا النمط؟

□ في البداية أنا كنت أخطط لنشر كتاب يضم مئة وواحد مصغرة، لكن الكتاب كان سيكون ثقيلا جدا، وسيأخذ وقتا أطول في عملية الكتابة، فقررتُ تجزئه الكتاب لينشر بعد ذلك تواليا، واستمراريتي في تجربة كتابة المصغرات يعتمد على شعوري بأنها فضاء مختلف أستطيع وضع كل الكتابات التي لن أتمكن من كتابتها بالطريقة العادية، كذلك تجربة المصغرات لا تشغلني عن الكتابة وفق الانماط السائدة، فمثلا لديّ رواية تحت اسم «رواية قاهرة» أقوم حاليا بالتشذيب النهائي تمهيدا لعرضها على الناشرين.

القرار

■ كيف تتوقع أن يكون عليه هذا النمط مستقبلا؟

□ اختراع المركبات الفضائية التي تسير بين الكوكب في السماء بدأت بأجنحة من الريش، الإنسان كلما فكر وعمل وبحث عن الجديد وترك الركون والتقوقع، ينجز الكثير، لذا ربما إذا وجدت (المصغرات) ترحيبا مناسبا، ستكون هي شكل للكتابة عبر الرسائل النصية في الهواتف والمنصات الاجتماعية ويحدث تفاعل بين القراء حول مصغرة واحدة ورؤية كل منهم لها.

■ أقصد هل تشارك الناشر طموحه بتحقق مختلف لهذا النمط مستقبلا؟

□ لولا فسحة الأمل لما كتبنا في اليمن حرفا واحدا.. الأمل هو عزاؤنا الوحيد.. ومجرد التفكير بمحاولة إيجاد شكل جديد يعتبر طموحا كبيرا جدا، والتجربة الآن بين يديّ القراء والنقاد.

■ ما رسالتك للقارئ والكاتب لهذا النمط السردي الجديد؟

□ هذا شكل جديد، ومن حقك أن تحكم عليه بنفسك، ولا تنتظر الآخرين ليتولوا مسؤولية اتخاذ قرار القبول أو الرفض لتتبعهم بعد ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى