صحافةفنون

(صحيفة) المرأة اليمنية في الدراما: أفكار خجولة واشتغالات «مرتعشة»

أحمد الأغبري/ من (القدس العربي)

ما زال حضور المرأة اليمنية في الدراما المحلية (عمرها أكثر من أربعة عقود) خجولًا على صعيد التعاطي الموضوعي مع قضاياها؛ إذ إن ما تتناوله ما زال محصورا في أفكار هامشية، وهو بقدر ما يؤكد غياب الجرأة في التعاطي الموضوعي في قضاياها الملحة يؤكد أيضا مدى تدني وعي القائمين على الإنتاج بأهمية تقديم الواقع، بما فيه معاناة النساء، التي تكرّست خلال الحرب، ونحن هنا لا ندعو المنتجين للتعاطي مع القضايا المسكوت عنها كتابوهات كما قد يبدو لهم؛ بل للتعاطي مع القضايا التي يعايشها المجتمع بشكل يومي وواضح سواء في الريف أو المدينة؛ وهي المعاناة التي تتكرس في محدودية حضور المرأة في العمل الدرامي كتابة وغيابها ربما تصويرا وصوتا وإضاءة وإخراجا وإدارة إنتاج…الخ مقابل حضور مقبول نسبيًا كممثلة.

طرحت منصة (نسوان فويس) «المرأة اليمنية في الدراما…الواقع والتحديات» عنوانا لنقاش، الخميس الفائت، عبر تطبيق زوم، الذي شارك فيه عدد من الأسماء قدموا مداخلاتهم في هذا السياق؛ وهي مداخلات في معظمها لم تلامس الأبعاد الجوهرية لإشكالية المرأة اليمنية في علاقتها بالعمل الإبداعي والفني التمثيلي تحديدًا (حضورها كقضية ومشاركة في العمل) والذي يعاني من إشكالات عديدة تعوق تقدمه، وتحصر حضوره في هوامش محدودة؛ وخاصة الدراما التلفزيونية؛ وإن كان ثمة مداخلات اقتربت من قعر المشكلة كمداخلتي الأكاديمية بلقيس علوان والفنانة أمل إسماعيل.

تعاني الفنون في اليمن، وتحديدا التمثيل من مشاكل لا حصر لها، وأهمها افتقادها لبنية تحتية ملائمة أبرزها العمل المؤسسي الذي يتعامل مع عناصر العمل التمثيلي بوعي يُنشد التجديد والتطوير والاشتغال الاحترافي (التنافسي) مع العناصر الفنية من كاتب وسينارست ومصور وإضاءة وصوت وملابس وإخراج وإنتاج. وبموازاة ذلك فكرة وقضية وسيناريو ورؤية إنتاجية، وقبل ذلك تدريب وتأهيل، وهي كلها تتطلب اشتغال مدروس على الأداء التمثيلي الخاص بالشاشة الصغيرة، بما يعزز من حضور هذا الفن في اشتغاله على الواقع، وتطلعه للمنافسة عربيًا. وفي هذه النقطة قد ينبري أحدهم ليقول: ترتكز تلك المهمة بدرجة رئيسية على الكاتب. وهنا نوضح أن الرؤية الإنتاجية تفرض نفسها في اختيار القضية، وطريقة الاشتغال وأسلوب المعالجة، وهو ما يفرض نفسه على رؤية المخرج التي تمارس بعض سطوتها أيضًا على النص، وبالتالي يتم إفراغ النص الذي تمت الموافقة عليه من مفاعيل قوته أحيانًا. إذ أن نصوصا كثيرة لا يتم قبولها كونها تتعامل مع قضايا موجعة وتصطدم بثقافة المجتمع؛ وخاصة ما يتعلق بقضايا النساء، ما يكرّس من الحضور الخجول لقضايا المرأة في الاشتغالات الموضوعية للدراما اليمنية؛ وهو ما أشارت إليه بلقيس علوان؛ إذ إن معاناة المرأة اليمنية تزداد تعقيدا يومًا بعد آخر، وتتعدد عناوينها، حتى تكاد تتجاوز ما كان عليه واقع معاناتها في القرن الماضي بكثير، وهذا أمر طبيعي مع تطور ما يحيط بالمجتمع وزيادة تعقيدات الحياة، إضافة إلى ما أنتجته الحرب من معاناة نجد فيها المرأة اليمنية في مقدمة مَن يدفعن ثمن هذه المعاناة؛ باعتبارها الأم والزوجة والإبنة والأخت؛ فارتفعت مؤشرات النساء المعيلات للأسر؛ والزواج المبكر، والزواج بالإكراه، والحمل المبكر، والعنف الأسري والزوجي وغيرها من أشكال العنف، والتسرب من التعليم، والطلاق، والوفاة المبكرة نتيجة قصور الخدمات الصحية، والعجز عن الوصول إليها في ذات الوقت، وما يتعرضن له من إجحاف في توزيع الإرث والحصول على الوظيفة والترقي الوظيفي، وغيرها من القضايا التي تتجلى بوضوح في ملفات الشرطة وسجلات المحاكم، التي يمكن من خلالها التعرف إلى أي مدى صارت معاناة النساء في اليمن، وفي المقابل ما زالت المرأة هناك على الرغم من كل ذلك تسطر قصص نجاح بإصرار وتحدي منقطع النظير. هذا الواقع بشقيه يكاد يكون غائبًا في اشتغالات الدراما، التي ما زالت تقدم المرأة (زوجة وأخت وابنة وأم) في مساحات محدودة وبأساليب مرتعشة تمتنع معها من الاقتراب من المناطق الحيوية من قضاياهن، أو كما قالت إحدى المشاركات إن المنتجين يتجنبون قبول نصوص تتعامل مع قضايا النساء ذات العلاقة براهن المعاناة خوفًا من الاصطدام بتقاليد المجتمع؛ ولهذا يستمرون في تكريس حضور المرأة في مساحات ليست محورية في سياق السيناريو، أو كما قالت الممثلة أمل إسماعيل؛ فالأعمال الدرامية اليمنية هي أعمال مناسباتية رمضانية، ومثل هذه الأعمال يحكمها تقليد أو رؤية ألفها المنتجون؛ وهي أن تكون هذه الأعمال كوميدية تُسلي الجمهور؛ وبالتالي يتردد المنتج في قبول أعمال تتناول قضايا إشكالية؛ وخاصة ذات العلاقة بالمرأة، وتؤكد أمل اسماعيل أن حضور المرأة اليمنية في الدراما يكاد يكون معدومًا كقضية محورية للمسلسل، كما تعتقد أن الدراما اليمنية لم تقدم حتى الآن، مسلسلًا يتمركز في بطولته وقضيته على امرأة أو قضية نسائية محورية، بما فيها قصص النجاح؛ «فجميع المسلسلات الرمضانية تتعامل مع قضايا المرأة على استحياء» تقول.

في سياق مناقشتنا لهذه الإشكالية أو لنقل محاولة الاقتراب من أهم أسبابها؛ متجاوزين مرحلة الحرب الراهنة إلى ما قبلها، فربما سنركز على رؤية المنتج، التي تنحصر في أعمال رمضانية يرى أنه من الضروري أن تكون مسلية وبسيطة، وبسيطة تعني بالنسبة لهم أن تكون خفيفة الوزن لا تثير أي ردود فعل إشكالية، ويستدعون في ذلك تجارب مختلفة تسببت فيها ثقافة المجتمع في إيقاف عرض بعض الأعمال كتكرار عرض مسلسل «حكايات دحباش» وإيقاف عرض مسلسل «الطاهش» بعد الانتهاء من إنتاجه، وغيرهما؛ وهي محاذير تكرّست خلال الحرب التي زادت معها الخطوط الحُمر. كما يرتبط الأمر بمدى وعي المنتج بمعاناة ومشاكل النساء وقصص نجاحهن؛ وهو وعي متدني لا يتيح له تمكين هذه المعاناة بوجوهها المختلفة من الظهور على الشاشة ولو بأساليب ذكية؛ فالاصطفاف مع قضايا النساء يتطلب وعيا ليس بالهين؛ لأنه يتجاوز إرثا ثقيلا من التقاليد البالية؛ وبالتالي من الطبيعي أن يبقى حضور النساء في الدراما اليمنية محدودًا، مع عدم انكار بعض التقدم البسيط، الذي كان قد تحقق في تجربة التلفزيون الحكومي، والذي قدم أعمالا تُحسب له على صعيد قضايا النساء مقارنة بمرحلته، ومن هذه الأعمال مثلا، مسلسل «المهر» عام 1989 ومسلسل «حكاية سعدية» عام 1994م، وغيرها من الأعمال التي يمكن القول إنها تجاوزت بكثير ما قدّمه القطاع الخاص خلال العقدين الأخيرين؛ ربما لأن رؤية المنتج تجاه النساء في الفترة الأخيرة ما زالت دون تمكينه من الاصطفاف معهن في مواجهة معاناتهن؛ فوعيه يجعله يتردد في مواجهة ما يعتبره تقاليد المجتمع، وربما خوفًا (مبالغ فيه) من أي رد فعل قاصر عن استيعاب ما وصلت إليه معاناة النساء في المجتمع اليمني؛ إذ اعتاد المجتمع على إبقاء النساء في الظل، وربما لا يعرف القائم بالإنتاج أن الدراما تتحمل جزءا من مسؤولية تكريس هذا الوعي المجتمعي القاصر في علاقته بالنساء. وهذا الوعي للأسف يسيطر على رؤية المنتج؛ الذي هو في الغالب يريد عملا يحقق عائدا إعلانيا مناسباتيًا مجزيا؛ وبالتالي تكرّست فكرة الأعمال الخفيفة المسلية؛ وإن كانت ارتقت مؤخرا لتناوش بعض الأفكار التراجيدية؛ لكنها لم تتجاوز الدائرة نفسها في علاقتها بالنساء.

كما أن حضور النساء في إدارة العمل الدرامي إخراجا وإنتاجا وتصويرا وغيرها من العناصر ما زال محدودا أيضًا، على الرغم من الحضور المبكر للمرأة اليمنية كممثلة في المسرح والتلفزيون منذ ثمانينيات القرن الماضي أمثال زهرة طالب وغيرها؛ إلا أن ذلك لم يمكنها من تعزيز حضورها خارج الخشبة والشاشة الصغيرة، مقابل الحضور الذكوري الطاغي.

على صعيد حضورها كممثلة فهي تعاني أيضًا من نفس الإشكالات التي يعاني منها الممثل عموما؛ الذي يقتصر عمله، في هذا المجال، على مسلسلات رمضان، ومن ثم يدخل في حالة بيات طوال العام، مشتغلا في أعمال أخرى إن توفرت له؛ ما يجعله ينتظر الأعمال الرمضانية، ليس باعتبارها تتيح له فرصة مواصلة تطوير موهبته؛ وإنما لكونها تتيح له الحصول على عائد يساعده معيشيًا في وضع اقتصادي سيء يعيشه اليمنيون. وكما تؤكد الفنانة أمل إسماعيل؛ فان الأجور التي يتقاضونها في هذه الأعمال زهيدة للغاية؛ ولا تقابل، ولو النزر اليسير، مما يبذلونه من جهود في قراءة النص، وتجسيد الشخصية، وقضاء أيام بل أسابيع بعيدا عن عائلاتهم في التصوير…الخ؛ وهو ما يزيد من تعقيد الوضع في ظل محدودية مصادر التدريب الاحترافي الذي يفترض أن يلقاه الممثل طوال السنة؛ وهو أمر تتجاهله الوزارة المعنية ومؤسسات الإنتاج أيضًا؛ ولهذا يأتي الأداء التمثيلي قاصرا في تآلفه مع الكاميرا.

إلى ذلك تعتبر المحاضرة الجامعية، بلقيس علوان، أن الحرب ضاعفت من معاناة الدراما، وخاصة في اشتغالها على المرأة؛ فزادت من المحاذير في الداخل؛ ما دفع شركات الإنتاج للتصوير في الخارج، «وحتى في الخارج يجد العاملون أنفسهم مكبلين بمحاذير من نوع خاص باعتبار أن القائمين على العمل سيعودون للداخل؛ وبالتالي لا يجدون مفرا من الالتزام بمحاذير من نوع آخر» تقول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى