آراء ومواقففكر وثقافة

فراغات الوحشة.. إضافة شعرية مميزة

عبدالودود سيف

“فراغات الوحشة” كتاب شعري للشاعر فخر العزب صادر عن “مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر” في القاهرة عام 2023م، والمطبوع في نحو 300 ص “بالتحديد 298 ص” وباستثناء “إضاءة” في مقدمته، بقلم “فتحي أبو النصر” عرف بها بشكل موجز بالشاعر، فالكتاب يخلو من أية عناوين للنصوص، أو تفريعاتها، فيبدو أنه منساب كنص واحد مجمل.

وكتعبير عن تحيتي للشاعر، وترحيب به من قلبي، سأعرض لما يشكل في نظري، نصاً أول في جملة نصوصه الممتدة كسياق واحد؛ يدخل في تأليف محتواه المشمول بعنوان “فراغات الوحشة”.

“فراغات الوحشة” تمتد إذن بامتداد محتوى كتاب “فخر” الشعري، وتجربته. كأن “فراغات الوحشة” هنا معنى ومبنى في آن واحد.

فتحت إضاءة فتحي أبو النصر على إيجازها باباً للتعريف بهيكلية ووجدانيات “فراغات الوحشة” فـ”فخر” كما يقول “أبو النصر” ولد بين جيلين من الفقد والخسائر السياسية والاجتماعية والثقافية” ص 5.

وبوسعنا اعتبار إشارة “فتحي” إلى “فخر” بأنه من رموز شبابنا الذين خاضوا سلمية أو عنفوان ثورة 2011م، وكان أحد أبرز “قادتها”،.. لكن النتائج التي انتهت إليها هذه التجربة – الثورية – الشبابية، وكيف جرى توظيف آلاتها الثورية لاحقاً، من قبل ذوي الخبرة المنتفعين بإفساد المد الجماهيري، وتوظيفه لأغراضهم.

هنا نستطيع أن نمسك بخيوط تجربة “فراغات الوحشة” بأبعادها المعنوية. بل قد يكون بوسعنا قراءة النسق الشكلي الممتد لمحتوى الديوان، بأنه الحد الأعلى لما وصلت إليه “وحشة” الشاعر في قرفه ولا مبالاته في الاعتناء ببناء نصوصه.

تبدأ “وحشة” الشاعر ومجانية قرفه من نقطة ابتداء ديوانه الذي يعكسه هذا الإهداء :

“إلى ال لا أحد

وحده من بقي معي في مواجهة الوحشة”. “الديوان ص 7”.

سأحصر قراءتي للديوان؛ في نص واحد فقط، يشكل من وجهة نظري أنموذجاً للديوان في أبرز خصوصياته، وقد جسَّد الشاعر “خصوصيته” تجربته في بعد واحد محدد، وهو التغاضي عن أية تقسيمات أو عناوين؛ بحيث يبدو الديوان كأنه نص واحد، ولكن متلون بألوان معانيه، وفقا لمقتضيات السياق..

“نموذجية” النص الذي سأتناوله من أولويته في سياق البناء.

يتألف النص من أربعة مقاطع؛ متتالية.. وبمجرد اختتامها يتغير الخطاب البنائي فقط، ليتلوه نص تالي، بلا إشارة محددة إلى تجدده سوى بتغيير بنيته الخطابية بهذه الصورة:

دعوني أبوح لكن ما يجيش بصدري من القول

والهلوسات

وما تغتلي داخلي من حمم

وهنا أود أن أشير إلى أن التشكيل السابق الذي اعتبرته بمثابة نص افتتاح، وأسعى إلى قراءته لا يشير في مقاطعه الثلاثة الأولى إلى أي ضمير خطاب محدد، سوى في مقطعه الرابع – الأخير – الذي يظهر فيه ضمير المتكلم مقرونا بضمير المخاطب هكذا :

قلت لكم بالأمس

بأني برمٌ

لا زلت أعاني داء الفقر

وداء الفقد

أعاني من داء الحرمان..

وعبر مقاطعه الأربعة يقوم على مرتكزين:

الأول هو الإستناد على ما يمكن اعتباره “قافية” تتكرر هكذا :

بسم الرحمن

إله الإنس المخلوقين من الصلصال

إله الجان

إله الحب

النابت ملء جمال الوردة

في مشتل قلب الإنسان

إله الفرح

الظاهر في هيئة بسماتٍ

تشرق

فتضيء الأكوان

إله اللهفة واللوعة والدمعة

وإله الأحزان

وتتكرر هذه القافية في المقاطع الأربعة، وتتشكل فيها ببساطة تبدو مفرطة، بل إن جزءاً من شعرية نص الإفتتاح تقترن تلقائيا ببساطة هذه القافية.

المرتكز الثاني هو اختتام كل مقطع من هذه المقاطع بإشارة واضحة تؤكد على استغلال كل مقطع.

وينفرد المقطع الرابع بإبراز ضمير المخاطب “قلت لكم…”عن سواه.

كما يعكس المقطع المذكور ختامية مميزة على هذا النحو :

… أمشي فوق طريق

مجهول العنوان

وما زلت

أتوه

أتوه

أتوه

أ

ت

و

ه

وفي تصوري أن هذا النص بلغ إلى أوجه في قوله:.

قلت لكم بالأمس

بأني كالعامة خاف

حاف في طرقي

عريان

..أفتقد الحب

..صفقتم لي

قلتم هذا الشعر الأبلغ

من يأتي في وزن البؤساء

وقافية التعساء

ويعبر ألسنة الهذيان

وأزعم أن هذا النسق الجميل يفتقد خصوصيته بما أبداه الديوان في نصه الثاني – خصوصا – من مبالغة في قنص القافية الميمية: حمم، عدم، نعم… إلخ وبوسع القارئ متابعة هذه الظاهرة ليفهم ما أعنيه.

مودتي البالغة للشاعر، وأهلا وسهلا بديوانه، وأتمنى أتلقاه في تجربة أكثر تميزاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى