منوعات

وسائل التواصل الاجتماعي .. “فيكِ الخصام وأنتِ الخصم والحكم”!

يمن مونيتور/ قسم الأخبار:

تستخدم الشركات الناشئة تقنيات الربط والتشفير في تصميم تطبيقات التواصل الاجتماعي، في محاولة منها لأن تكون أكثر صحية وأمانا وديمقراطية. لكن هل تستطيع منافسة التطبيقات المسيطرة لعمالقة التكنولوجيا؟

قد يكون الإقلاع عن استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي أو الحد من استخدامها قرارا كبيرا في العام الجديد. إذ تشير دراسات إلى أن لذلك فوائد صحة بدنية وعقلية، وكثيرون ممن فعلوا ذلك بشكل دائم أو مؤقت، يتحدثون عن زيادة الإنتاجية والتركيز لديهم بل وحتى السعادة.

لكن التخلص مما يسمى بالسموم الرقمية ليس بهذه السهولة. إذ يستخدم الكثيرون منا تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي لأنها طريقة ملائمة للبقاء على تواصل مع الأصدقاء والعائلة ومواكبة الأخبار والمناقشات عبر الإنترنت.

بيد أنّ المشكلة تكمن في أن خوارزميات جميع المنصات الرئيسية، والمصممة لزيادة الوقت الذي يقضيه المستخدمون في تطبيقاتها، تستهدف جرنا إلى دوامة من الصور ومقاطع الفيديو التجارية والمسلية.

الحل بالنسبة للطبيبة الهولندية، إلسلين كوبيرز (33 عاما) كان في التحول إلى تطبيق غير تجاري وأقل شعبية. “إنه يمنحني تجربة مريحة وأكثر صدقية”، تقول لـ DW. فتطبيق “بي ريل BeReal” الذي تستخدمه كوبيرز، يسمح للمستخدم بنشر لقطة واحدة من حياته اليومية كل يوم.

كما يرسل إشعارات يومية في ساعات عشوائية غير محددة، ويمنح المستخدمين دقيقتين لالتقاط ونشر صورة لأنفسهم. و”دقيقتان ليست وقتا كافيا لعرض صورة مصطنعة ذات مظهر جيد”.  تقول كوبيرز وتضيف بأن “التطبيق لا يسمح حتى باستخدام الفلاتر. لذا فإن ما تنشره هو عرض حقيقي لما تفعله في تلك اللحظة”.

على صفحتها الرئيسية (التسلسل الزمني) في التطبيق تشاهد كوبيرز صور أشخاص وهم يلعبون أو يتنزهون أو يأكلون طعامهم. بعض الصور مائلة وبعض الناس يظهر نصف وجوههم فقط. وتقول إنها تجد ذلك “أكثر إثارة من إنستغرام، المليء بالصور المعدلة المحسنة”.

وقد ازداد عدد مستخدمي تطبيق بي ريل BeReal في صيف عام 2022 بشكل كبير جدا، بحيث احتل المرتبة 10 من بين أكثر التطبيقات الاجتماعية التي تم تحميلها، مما يسلط الضوء على جاذبية كبيرة لتجربة وسائط اجتماعية مختلفة وأقل إشكالية.

وقد انتشر في السنوات الأخيرة عدد لا يحصى من الشركات الناشئة، بدرجات متفاوتة من النجاح، أو فرص المنافسة مع عمالقة التكنولوجيا.

الجدل الذي يحيط بمعظم المنصات الاجتماعية الكلاسيكية مثل تيك توك أوفيسبوك أو يوتيوب، سببه الطريقة التي تعمل بها الخوارزميات أو نموذج العمل التجاري.

فالوقت الذي يقضيه المستخدم العادي على تطبيقات وسائل التواصل مجزأ ويباع للمعلنين من قبل شركات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تقوم الأنظمة الأساسية بتحليل بيانات مستخدميها لتحسين التطبيقات وبيعها أحيانا إلى طرف ثالث.

نموذج العمل هذا هو ما يقود بشكل أساسي إلى مشاكل وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة:التأثير الضار على الصحة الجسدية والعقلية وإمكانية الإدمان وقضايا خصوصية البيانات وانتشار المعلومات الخاطئة وتشكيل ما يسمى “بغرف الصدى” حيث يتلقى المستخدمون ويعرض لهم بشكل أساسي الأفكار والمستخدمون الذين يتناغمون مع وجهات نظرهم الخاصة.

وتشير ورقة بحثية، نشرها في ديسمبر/ كانون الأول 2022 كريستيان مونتاغ، أستاذ علم النفس في جامعة أولم في جنوب غرب ألمانيا، إلى روابط النماذج الوظيفية للتكنولوجيا الكبيرة. ويقول مونتاغ لـ DW “طالما يدفع المستخدمون بياناتهم الشخصية مقابل استخدام خدمات وسائل التواصل الاجتماعي، أعتقد أن هذه المشاكل لن يتم حلها”.

كيف تريد التطبيقات الجديدة حل المشاكل

تحاول منصات التواصل الاجتماعي البديلة تجنب هذه المشاكل من خلال تصميم هياكل شبكة لامركزية، فبدلا من الخوارزميات يتحكم المستخدمون أو مجموعات المستخدمين في تدفق المحتوى عبر المنصة الاجتماعية.

وتطبيق ماستودون Mastodon هو واحد من تلك المنصات الاجتماعية، فبدلا من خادم رئيسي واحد، تدير مجموعة من الخوادم المترابطة الحسابات وما ينشره المستخدمون، مع وجود قواعد وبروتوكولات خاصة بكل خادم.

يسمح هذا التكوين وطريقة الربط هذه المعروفة باسم فيديفيرز Fediverse، للمستخدمين من خادم واحد بالتفاعل مع المستخدمين والمجموعات من الخوادم الأخرى.

ومقارنة بمنصة مثل تويتر تتمتع المجموعات على ماستودون بحرية أكبر في وضع إرشاداتها الخاصة. لكن محتواها يعرض للجمهور عبر مستخدميها الذين هم في الغالب أعضاء في مجموعات متعددة، مما يمنعهم من التحول إلى دوائر مغلقة في مثل ما يسمى بـ”غرف الصدى” الموجودة حاليا في المنصات الكبيرة المعروفة.

ومثل العديد من التطبيقات الأخرى المشابهة يحاول تطبيق ماستودون أيضا تفويض أو إعطاء قرار حذف المشاركات الضارة أو المسيئة لتصويت المستخدمين. وتترك بعض التطبيقات القرار لهيئات أو لجان مختارة عشوائيا.

وبعد استحواذ إيلون ماسك على منصة تويترتصدر ماستودون عناوين الصحف كأحد التطبيقات التي بدأ المستخدمون الاشتراك فيها بعد تركهم تويتر.

كما قامت بعض التطبيقات البديلة الأخرى مثل  ستيم Steem أو مايند Mind  بدمج تقنية سلسلة الكتل “بلوك تشين blockchain” في وظائف تحقيق الدخل الخاصة بها. فمن أجل مكافأة منشور ما يمكن للمستخدم استخدام الرموز المشفرة التي يمكن تتبعها، وبالتالي غالبا ما تكون أكثر شفافية من المعاملات العادية.

ويعني هذا أن جميع المعاملات تحدث داخل النظام الأساسي، وكيفية رعاية المنشور ومن قبل من مسألة واضحة.

وأثار بعض الخبراء شكوكا حول ما إذا كانت التطبيقات المستندة إلى طريقة الربط “فيديفيرز” يمكن أن تكون مستدامة. إذ يمكن أن تجعل الطبيعة اللامركزية لهذه المنصات، من الصعب الإشراف على المحتوى ومعالجة المشاركات غير الملائمة أو الضارة. ومع عدم وجود سلطة مركزية تشرف على “فيديفيرز”  يمكن أن تتحول إلى بيئة أقل أمانا وترحيبا بالنسبة للمستخدمين.

ومع ذلك، فإن كريستيان مونتاغ، أستاذ علم النفس في جامعة أولم، متفائل بشأن مستقبل هذه التجارب ويقول لـ DW إنه يعتقد  “أن يكون المستقبل لـ Fediverse” ، مشيرا إلى حقيقة أن المنافسة مع المنصات الرئيسية الحالية لن تكون سهلة. ويضيف أن التطبيقات الجديدة لديها أنظمة معقدة فيما يتعل بسهولة الاستخدام، في حين أن المنصات العملاقة الحالية قد تشكلت من خلال سنوات من الاختبار وهيأكثر ملاءمة ولديها تجربة في جذب المستخدمين.

التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي كمنفعة عامة

فيما تسعى الشركات الناشئة جاهدة لخلق بدائل أفضل، تدفع بعض المجموعات والمبادرات لمحاسبة شركات التكنولوجيا العملاقة. ومركز التكنولوجيا البشرية The Center for Human Technology (CHT) هو واحد منها، والذي كان يقوم بحملة من أجل سياسات أكثر صرامة للسيطرة على شركات وسائل التواصل الاجتماعي.

ويشير مونتاغ إلى أنتنظيم وضبط عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي والتخفيف من الأضرار التي يسببونها، مسألة مهمة كابتكارات السوق. وإلى جانب التخفيف من الأضرار التي تسببها شركات التكنولوجيا العملاقة، فإن إدخال اللوائح التنظيمية يمكن أن يجعل المنافسة ممكنة بالنسبة للشركات الناشئة الجديدة.

 

ويقول مونتاغ: إننا بحاجة إلى بروتوكولات تمكن المستخدمين من التواصل عبر الأنظمة الأساسية، مثل الطريقة التي يكون بها شخصان على الهاتف مع بعضهما البعض من مزودين مختلفين.

ويدور حاليا “نقاش بين الباحثين حول ما إذا كان أفضل وصف لمواقع التواصل الاجتماعي هو أنها منفعة عامة. في مثل هذه الحال علينا تصور دفع رسوم اشتراك للمنصات اللامركزية التي تحترم خصوصيتنا” يقول مونتاغ، .

ويؤكد مونتاغ أن فصل وسائل التواصل الاجتماعي عن نموذج الأعمال التجارية الذي يعتمد على بيانات المستخدمين ووقتهم، هو الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها التوصل إلى منصات تواصل اجتماعي “صحية أكثر!”.

 

منير غيدي/ ع.ج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى