مجتمع

نساء يفتتن الأحجار في اليمن

تؤمن ريم أن هذا العمل لا يتناسب وقدراتها، لكنها مضطرة إلى ذلك. تضيف: “أعاني من آلام في الظهر واليدين والرقبة. وأحياناً، لا أستطيع النوم بسبب الألم”. تشير إلى أن غالبية النساء في القرية كن يعملن في هذا المجال لمساعدة أزواجهن لبناء منازلهم، لكنهن اليوم يعملن من أجل توفير المال لتلبية احتياجات الأسرة.

يمن مونيتور/العربي الجديد

أجبرت الظروف المعيشيّة الصعبة نساء في إحدى القرى النائية في محافظة تعز على العمل في مهن مرهقة جسدياً، منها تشذيب (توقيص) الأحجار الصماء لبيعها أو استخدامها. ولا يستطعن التوقف بسبب الحاجة
لا تتولّى المرأة في اليمن القيام بالأعمال اليدوية البسيطة لكسب الرزق فقط. في بعض المناطق، تمارس أعمالاً شاقة لا يقوم بها سوى الرجال. في قرية بني مقبل بعزلة ميراب التابعة لمديرية مقبنة محافظة تعز (جنوب غرب)، تتولى بعض النساء القيام بمهام صعبة إلى جانب الرجال، منهن ربة البيت سبأ قاسم (33 عاماً)، التي تتولى تشذيب (توقيص) الأحجار الصماء لبيعها أو استخدامها في تنفيذ أعمال خاصة في المنزل. تقول: “هذه الأيام نقوم ببناء خزان، وأتولى تكسير الصخور مستخدمة المطرقة. وفي الوقت نفسه، أعمل على إعداد الخلطة (الرمل والإسمنت) لإتمام عملية بناء الخزان”، مشيرة إلى أنها تقوم بأعمال المنزل خلال الصباح. أما تشذيب الأحجار، فتقوم بها وقت العصر وحتى المغرب.
وتتولّى سبأ تفتيت الصخور الكبيرة وتحويلها إلى أحجار صغيرة أو كما يسميها اليمنيون “كرّي” لبيعها للمقاولين، لتستخدم في عمليات صب الخرسانة المسلحة. “كل أسبوعين أو أكثر أقوم بتفتيت الصخور الكبيرة وأبيع الزفة (الحمولة الواحدة) بمبلغ 15 ألف ريال يمني (نحو 30 دولاراً)”، مشيرة إلى أنها لم تكن تعمل في هذا المجال قبل الحرب. “الحرب أجبرتني على ممارسة مهنة التوقيص لتوفير لقمة العيش”.
ريم محمد (27 عاماً) أم لطفلين تركهما والدهما وسافر إلى مدينة المكلا (شرق اليمن)، من دون أن تعرف عنه أية أخبار منذ سنتين مضت، لتضطر إلى العمل في هذا المجال. تسكن حالياً في منزل والدها في قرية بني مقبل ميراب، وما تكسبه من عملية تشذيب الأحجار لا يلبي احتياجاتها. تقول لـ “العربي الجديد”: “بدأت أعمال توقيص الأحجار منذ بداية الحرب وبعدما ارتفعت أسعار المواد الغذائية. أصحو فجر كل يوم، وأقوم بالأعمال المنزلية حتى الساعة الواحدة ظهراً، ثم أذهب إلى المرتفعات بجوار منزلنا وأجمع الأحجار متوسطة الحجم لونها أزرق، وأجلس بجوار المنزل وأعمل على توقيصها”.
تؤمن ريم أن هذا العمل لا يتناسب وقدراتها، لكنها مضطرة إلى ذلك. تضيف: “أعاني من آلام في الظهر واليدين والرقبة. وأحياناً، لا أستطيع النوم بسبب الألم”. تشير إلى أن غالبية النساء في القرية كن يعملن في هذا المجال لمساعدة أزواجهن لبناء منازلهم، لكنهن اليوم يعملن من أجل توفير المال لتلبية احتياجات الأسرة.
مريم (30 عاماً) هي الأخرى تعمل في هذا المجال. تجمع الأحجار أولاً ثم تعمل على تكسيرها لتبيعها للمقاولين. وتبيع “المائة سطل، ما يعادل زفة كرّي” بمبلغ 10 آلاف ريال يمني (20 دولاراً) مع التوصيل إلى المكان المطلوب”. وتشير إلى أنّ الكثير من نساء القرية أميات ويمارسن هذا العمل لأنهن لا يملكن أية حرفة أخرى.
تتحمّل النساء في ريف تعز مسؤوليات صعبة تفوق قدراتهن بحسب المدرّسة أسماء علي ناجي. تقول إن النساء يمارسن الكثير من الأعمال الشاقة، مثل تشذيب الأحجار والتحطيب ونقل المياه من أماكن بعيدة على رؤوسهن. وتشير إلى أن النساء يصلن إلى عمر الأربعين وهن يعانين من أمراض كثيرة على رأسها مشاكل في العمود الفقري والظهر.
إلى ذلك، تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة وفاء المطري، إن المرأة اليمنية كانت قبل الحرب تناضل من أجل الحصول على حقوقها المختلفة، “وقد نجحت في الحصول على بعض الحقوق، لكن الحرب جاءت لتعيد المرأة عشرات الخطوات إلى الوراء”. تضيف المطري أن النساء في هذه القرية، على غرار الكثير من القرى، قد حرمن من أبسط حقوقهن كالتعليم والرعاية الصحية والتدريب والتأهيل، إلّا أن الحرب دفعتهن لممارسة أعمال لا يقوى عليها سوى الرجال. تضيف لـ “العربي الجديد”: “يقمن بتكسير وتشذيب الأحجار الصلبة على الرغم من صعوبة العمل. لكنهن مجبرات، فإما العمل أو الموت جوعاً”.
تضيف المطري أن القرية مليئة بالأحجار الصماء زرقاء اللون التي يفضلها الأهالي لبناء منازلهم في تلك المناطق والتي تستخدم كبديل للطوب المصنّع، “لكن لا تتوفر في القرية معامل لقص وتشذيب وتفتيت هذه الأحجار، ولهذا يجد الأهالي النساء والرجال في ذلك فرصة للعمل”.
وكبقية النساء في المناطق النائية، لا تحصل نساء قرية بني مقبل على الاهتمام من قبل المنظمات الدولية والمحلية، بهدف مساعدتهن على مواجهة متطلبات الحياة، لا سيما اللواتي يفتقدن المعيل. تضيف: “على هذه المنظمات أن تنظر إلى نساء هذه المناطق والعمل على دمجهن في التنمية المجتمعية بما يساعد على تحسين وضعهن المعيشي والاقتصادي. هذا الأمر يفيد أطفالهن أيضاً”، لافتة إلى أن المنظمات في إمكانها مساعدة النساء على تنفيذ “مشاريع صغيرة لا تبذلن فيها جهدا بدنيا كبيرا ويمكن من خلاله أن يدر عليهن أموالاً مناسبة وكافية، مثل توزيع مكنات الخياطة لإنتاج الملابس، أو إعطائهن الماشية التي توفر الحليب، أو مواد أولية لصناعة البخور أو تربية النحل وغيرها من المشاريع”.
من جهته، يدعو عبد الناصر سيف، من أعيان منطقة مقبنة، الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، للعمل على تأهيل وتطوير قدرات النساء الريفيات ليسهمن في تحسين أوضاعهن المعيشية. ويقول سيف لـ “العربي الجديد” إن النساء في هذه القرى يتحملن صعوبات كثيرة ويمارسن أعمالاً شاقة. إضافة إلى هذا الجهد الذي يبذل، “يُحرمن حقوقاً كثيرة”.
وتصدّرت نساء محافظة تعز جنوب البلاد، قائمة الضحايا بحسب تكتل المبادرات النسائية في مدينة تعز اليمنية، وقد قتلت 221 امرأة وجرحت 1121 أخرى، في حين حرمت 44.484 فتاة من التعليم في المحافظة، كما حرمت 41 امرأة حق الأمومة بسبب فقدانهن أجنتهنّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى