كتابات خاصة

“11 فبراير”.. وتستمر الثورة!

متولي محمود

الذكرى الأجمل، والتجربة الأكثر نضجا ونقاء، في حياتنا. التاريخ الناصع، الذي لن يبارح ذاكرة اليمنيين، والعالم أجمع، لعدة أجيال قادمة.
الذكرى الأجمل، والتجربة الأكثر نضجا ونقاء، في حياتنا. التاريخ الناصع، الذي لن يبارح ذاكرة اليمنيين، والعالم أجمع، لعدة أجيال قادمة.
ربما كانت الحسنة الوحيدة في حياتنا العقيمة، يوم نزعنا الخوف وكسرنا قوانين الرتابة، نهتف صفا واحدا للوطن. الوطن الذي اختطفه الحاكم كأرث تاريخي له ولعائلته، وراحوا يعبثون به، حتى تذيل كل قوائم السوء العالمية.

إن 11 فبراير يحمل تاريخ ولادتنا الحقيقي، يوم شاهدنا الحياة بشكل مختلف وبأرواح أخرى، لا تشمل تلك التي عشناها من ذي قبل. أروحٌ تتسامى، تنشد المستقبل للجميع، في كنف الوطن.

خرج الشباب الحر، خلعوا رداءات الأحزاب المثقلة بالرق، وراحوا ينشدون المجد على طريقتهم الخاصة. كسروا الحاجز الذي صنعه “صالح” للمعارضة، والذي كان يلقي لهم من خلفه بالفُتات، بحيث لا يرون سوى نهاية ذلك الحاجز. حطموا تلك السواتر، بأروحٍ فتيّة، لقلع رأس الأفعى، والتأسيس لدولة “محترمة” تواكبُ الأمم.

أقصى ما كان يطمح إليه الحوثيون، قبل 11 فبراير، هو جولات جديدة من الحروب العبثية مع صالح في إطار جغرافي ضيق، تلك الحروب التي دفع فاتورتها باهظا، الشعب اليمني. يتقاتلون على اللاشيء، بأموالنا، لنجني الشقاء والبؤس.

لم يجد الحوثيون بدا من الالتحاق بركب فبراير، لتمرير مخطط، بعيد المدى، لم يكونوا يحلمون به، بيُسر وبأقل كلفة. انضموا لثورة الشباب، وعيونُهم ترمقُ السلطة بخبث، تستحضرُ أحلام اليقضة الإمامية، التي لم تخفُت يوما.

كانوا يعتصمون مع شباب الثورة (سلميا) في ساحة التغيير، ينشدون الدولة المدنية، بينما مليشياتهم تتوغل، بشره، في المحافظات الشمالية.

كانوا يحضرون جلسات الحوار الوطني، يصيغون الدساتير، بينما يحاصرون أطفال دماج ويمنعون عنهم الطعام والشراب، ويطوقون معسكرات الدولة.

 لم يُسدِ أحد خدمة للحوثيين كما فعل فبراير، بالمقابل لم يكره فبراير أحد بهذا الشكل مما فعل الحوثيون. فراحوا يتخلصون من كل ما يمت له بصلة، من قريب أو من بعيد. سرقوه، ومن ثم تنكروا له. تسلقوا به عتبات المجد، ومن ثم طفحت فيهم النزعة المناطقية، وتذكروا أن فبراير لم يكن سوى طفرة بُرغلية لا أكثر. قوضوا الدولة، أو ما تبقى منها، كوّشوا على كل شيء، ثم راحوا ينتقمون من فبراير، وكل من حفظوا ملامحهم في ساحات التغيير. عجزوا عن زحزحة أركان صالح باستخدام القوة والتمرد، لكن شباب فبراير بسهولة فعلوا ذلك، فوجودهم بات خطرا يهدد دولتهم الوليدة.

حبكوا الدسائس، زرعوا الضغائن والأحقاد داخل الصف الثوري، وكيانات الشباب في الساحات. أوقعوا بين الأحزاب، وقيادات الجيش التي انضمت للساحات، وصنعت عامل التوازن الذي أجبر السفاح على التسليم وعدم المواجهة، وإن مؤقتا. راح الجميع يوزعون التهم فيما بينهم، فاستفرد بهم حلف الشيطان كلا على حدة. هيكلوا الجيش الذي أعلن ولاءه للثورة، على مرآنا، أو بمباركتنا إن جاز التعبير. شرّقوا بكتائبه وغرّبوا، في حين أبقوا على ألوية الحرس العائلي لمهمتها القادمة، دون أن نحرك ساكنا.

تسلق الحوثيون على ثورة الشباب حتى بلغوا مرادهم وراحوا ينكلون بهم. تحالفوا مع رأس الأفعى وأخذوا سلاح الحرس العائلي ومعسكراته، ومن ثم تخلصوا منه حيث لم يعد ذا قيمة.

كل يوم يمر يزداد فيه اليمنيون يقينا بأن ثورة فبراير كانت ضرورة حتمية. فالبلد الغني بالموارد الاقتصادية يتضور أبناؤه جوعا، فيما حفنة من المنتفعين يشيدون قصورهم في الخارج ويتاجرون بأحلام البسطاء، فيما يتصدر الوطن القوائم السوداء والدول الأكثر فشلا في العالم.

لقد ذهب الطاغية بكل قوته وغطرسته لأن لكل ظالم نهاية، ونهاية مهينة. سيذهب الطغاة الجدد صاغرين وبذات الطريقة التي ذهب فيها سيدهم. إنها عدالة السماء، ولعنة البسطاء الذين طحنتهم الحرب العبثية، وأحضرت لهم الموت من كل فج عميق.

رغم كل هذا العبث والدمار والدماء التي تراق في كل شبر، يطل علينا فبراير نقيا صادقا، لم يظلم أحدا، ولم تكن أحلامه على حساب أحد. بل إنه أنصف الجميع ولم تتعدى أحلامه دولة نظام وقانون لجميع اليمنيين.

إن التضحيات التي بذلها ثوار فبراير ستشعل ألف ثورة، وها هم المقاومون نواة الجيش الوطني يصبون دماءهم لتعميد ثورة فبراير ودحر المستبدين الجدد، وإعادة اليمن إلى جميع أبنائه، لا لحضن السلالة والطائفة والتمايز العرقي، والعودة به إلى عصور الكهنوت والعبودية.

المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.

*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى