أخبار محليةاخترنا لكمالأخبار الرئيسيةتقارير

الإنجاب في ريف تعز.. أحلام تتعثر

يمن مونيتور/ تعز/ من آدم الحريبي

 كل حلم سلوى (27عاما) كان “أن تنجب ابنةً إلى جانب أخويها التوأم، تداعبها وتربيها كما تفعل نساء القرية النائية جنوبي مديرية الصلو الواقعة في إطار الجزء الجنوبي الشرقي لمحافظة تعز.

خلال الشهر الثالث من الحمل، عندما بدأ النزيف تحديدًا، كان على عاتق سلوى صعود الجبل مسافة ساعتين مشيًا، للوصول إلى المركز الصحي في القرية المجاورة ومن ثم مواصلة السير إلى مركز القرية التي تليها، بحثًا عن أمل يحفظ حلمها بالإنجاب، إلا أن المراكز الصحية هي الأخرى وقفت عاجزة أمام الحفاظ على جنين سلوى.

تبدد حلم سلوى بالإجهاض في المنزل (للمرة الثانية)، ولم تنتهي معاناتها عند هذا الحد، مضاعفات الاجهاض من الالتهابات والنزيف الحاد فرضت عليها البحث 4 ساعات عن سيارة والسفر مسافة ساعتين إلى مستشفى خارج المديرية ومن ثم العودة، ولاتزال تحتفظ بتفاصيل ألم وخيبة 25 ساعة من رحلة البحث عن صحة جنين كادت خلالها أن تفقد حياتها.

لا تختلف كثيرًا معاناة سلوى عما تواجهه المرأة الريفية في  اليمن عمومًا، ففي الوقت الذي تتحمل الريفية معظم مسؤوليات الحقل والمنزل، تواجه بمفردها أعباء الحمل والولادة، في ظل محدودية خدمات  الصحة الإنجابية وتفاقم الوضع المعيشي للأسر، حيث تقدر تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان وجود 12.6 مليون من النساء في اليمن بحاجة إلى خدمات الحماية والصحة الإنجابية المنقذة للحياة، وأن كل ساعتين تموت امرأة أثناء الحمل والولادة، في حين يعمل النظام الصحي بنصف طاقته، وثلث المرافق الصحية العاملة فقط قادرة على توفير خدمات الصحة الإنجابية.

مناطق نائية

يقول عوض عثمان عاقل قرية (الخَلِلْ) أن “معاناة المرأة الحامل في القرية يصعب وصفها وتأتي بالدرجة الأولى من عدم وجود مركز صحي في القرية أو طريق يربطها بالمديرية وبُعد ووعورة الطرق إلى المراكز الصحية في القرى المجاورة، الأمر الذي يجعل من إسعاف المرأة (فوق النعش) في حالات الولادة المتعسرة أمر في غاية الصعوبة وغالبًا ما تواجه القدر بمفردها”.

ويلفت عثمان في حديثه إلى أن “بعض النساء تلد بشكل متعسر بينما تتشارك جميعهن مشكلة ضعف في التغذية بفعل انعدام التغذية والرعاية الصحية التي توفرها المراكز الصحية والظروف المعيشية المتدهورة التي تعيشها غالبية الأسر”، مشيرًا إلى أنه “يصعب على الحامل في الأشهر الأخيرة طلوع الجبل للوصول إلى أقرب مركز صحي”.

42.4% من السكان يعيشون على بعد أكثر من ساعة من أقرب مستشفى عام يعمل بالكامل أو جزئيًا بحسب تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان، في الوقت الذي يشكل سكان الريف ما نسبته 75% من إجمالي السكان في اليمن. وتقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) حاجة 1.1 مليون امرأة حامل ومرضعة إلى علاج لسوء التغذية الحاد والوخيم.

اختلالات صحية

كفاح الراجحي أخصائية نساء وولادة تعتقد  بضرورة وجود مستشفى متكامل  في المديرية بأخصائيين نساء وولادة وغرف عمليات إسعافيه لتفادي زيادة عدد وفيات الأمهات والاطفال اثناء تحويلها الى المدينة .

وتوضح الراجحي إن “البعد الجغرافي ومحدودية خدمات الصحة الإنجابية من كوادر وأجهزة ومستشفى مع التزايد السكاني في المديرية يجعل وجود  المستشفى ضرورة قصوى من أجل سلامة المرأة والجنين، حيث أن معظم الحالات التي يتم اسعافها قد لا تتحمل مسافة الطريق”، لافتة ” إن الاختلالات التي تحدث في جوانب تشخيص حالة الجنين وإحالة الحامل الى المستشفى في الوقت المناسب، وما يترتب عليها، يأتي من كون الذي يجري التشخيص قابلات وهو ليس من تخصصهن”.

وتشير الأخصائية الراجحي إلى أن  القابلات في معظم أرياف تعز يقمن  بعمل كل ما يرتبط بالحمل وهذا خطأ فادح لأن مهام القابلات ضمن تخصصهن ينحصر في حدود ضيقة، أعلاها التوليد، مؤكدة على أهمية التدريب المستمر للقابلات لتطوير المهارات اللازمة وتحديد الأعمال التي يقمن بها في إطار التخصص.

مضاعفات نفسية

تقول شيماء العز، أخصائية نفسية أن “المرأة الريفية تواجه اختلالات صحية يرافقها تحديات نفسية تشمل القلق والتوتر والشعور بالعزلة والانطواء الاجتماعي، والافتقار إلى الدعم الاجتماعي الذي تفرضه طبيعة العزلة في القرية والريف عمومًا”، مشيرة إلى أن “صعوبة حصول المرأة الريفية على الخدمات الصحية والمعلومات الصحيحة والكافية حول الحمل والولادة، يزيد من مخاطر المضاعفات الصحية والتأثيرات السلبية على الصحة النفسية”.

دعم نفسي 

وتؤكد الأخصائية العز على “ضرورة وجود آلية للدعم النفسي للمرأة الريفية خلال مراحل والولادة وما بعدها، من خلال إيجاد أخصائيين نفسيين من المتخرجين من أقسام علم النفس أو الإرشاد النفسي ذوي الخبرة، ورفع الوعي المجتمعي بالاضطرابات النفسية وهو تحد صعب تواجهها المجتمعات الريفية”، حد وصفها.

 

محدودية الخدمات الصحية

تقول ذكرى طارش مسؤولة التثقيف الصحي بإدارة مديرية الصلو أن “أهم المشكلات التي تواجهها المرأة خلال الحمل والولادة هي سوء التغذية وارتفاع ضغط الدم والتسمم الحملي والاسقاطات والنزيف المتكرر والالتهابات النسائية وفقر الدم والولادة المبكرة ونزول السائل الأمينوسي، وتمزق الأغشية والولادة المبكرة للأطفال ناقصي الوزن، بالإضافة إلى النزيف قبل الولادة وبعد الولادة وتمزقات واحتباس المشيمة أو تقدمها الذي يتطلب تدخل جراحي غير متوفر ضمن خدمات الصحة الانجابية في المديرية.

وتشير طارش وهي قابلة توليدية، أن “ما يضاعف معاناة المرأة الريفية المرتبطة بالحمل والولادة قلة المتخصصين حيث يترتب على ذلك صعوبة في التشخيص وعدم اتخاذ القرار بالإحالة والإسعاف في الوقت المناسب، إلى جانب بُعد المسافات، وعدم توفر طرق معبدة وعدم وجود وسائل النقل للوصول إلى المستشفيات”.

التثقيف والتوعية  

وعن التثقيف الصحي بالصحة الإنجابية تقول طارش، “نقوم بنزول ميداني ضمن حملات صحية للتحصين والتغذية، ورفع الوعي بأهمية زيارة المراكز الصحية دوريًا لمتابعة الحمل وأهمية التغذية السليمة والرضاعة الطبيعية واتباع وسائل تنظيم الأسرة بالإضافة إلى ضرورة المباعدة بين الولادات لحماية الأمهات”، مشيرة إلى أن “إحدى أولويات التثقيف الصحي، تصحيح المفاهيم الخاطئة في المجتمع تجاه ما تواجهه المرأة الحامل وما تحتاج إليه، خلال فترة الحمل وأثناء الولادة”.

وتذكر طارش بأن “خدمات الصحة الانجابية بالمديرية استطاعت الحد من وفيات الأمهات خلال فترة الحمل والولادة، من خلال المتابعة الدورية من العاملات في الصحة الإنجابية سواء داخل المراكز الصحية أو عبر النزول الميداني وتقديم الخدمات الصحية للحوامل والمرضعات، بما يشكل تحصين الأمهات ومتابعة سير الحمل والتخطيط لولادة آمنة بالنظافة الشخصية الاستعداد النفسي والأسري”.

مضاعفات اجتماعية

ويعتبر ياسر الصلوي أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، تتفاقم المخاطر الصحية التي تواجهها المرأة الريفية الحامل بفعل عوامل الطبيعة الجغرافية الجبلية للمديرية ومحدودية خدمات المراكز الصحية في الكادر والأجهزة  على قلة تلك المراكز، يتسبب بمضاعفات اجتماعية كغياب الاستقرار الأسري وعدم قدرة النساء على القيام بأدوارها الاجتماعية في إطار الأسرة، إلى جانب أن وفاة المرأة ضمن مخاطر الصحة الإنجابية  يعني فقد أحد أعمدة الأسرة ويترتب عليه تفكك أسري، الأمر الذي يهدد تماسك الأسرة في إطار المجتمع، ويهدد التماسك الاجتماعي عمومًا.

مضاعفات الحرب

تراجعت الخدمات الصحية في مديرية الصلو ــ على محدوديتها منذ سنوات ما قبل الحرب- بفعل تراجع دور مؤسسات الدولة عقب بداية الحرب الجارية في المديرية، يؤكد الصلوي.

ويستطرد الصلوي: “كارثية الأوضاع التي خلفتها الحرب وتداعيتها على المديرية وعلى القطاع الصحي خصوصًا، من تضرر المرافق الصحية ومغادرة جزء كبير من الكادر الصحي، إلى جانب انقطاع الطريق الاسفلتي الرئيسي الذي يربط المديرية بمديرية خدير، واعتماد المواطن على طرق بديلة طويلة ووعرة، الأمر الذي زاد من تكلفة السفر إلى خارج المديرية، بحثًا عن الخدمات الصحية، وزاد من تدهور الحالة المعيشية للأسر، حيث شهد المديرية موجات نزوح إلى داخل وخارج المديرية”.

في هذا الصدد تذكر منظمة اليونيسف أن معدل وفيات الأمهات ارتفع بشكل حاد منذ تصاعد النزاع، من خمس وفيات للأمهات في اليوم عام 2013 إلى 12 وفاة بين الأمهات يوميًا عام 2018، ويتضمن التقرير الذي يدرس تأثير النزاع على النساء والأطفال، أن امرأة تموت من بين كل 260 أثناء الحمل أو الولادة، وتحدث ثلاث ولادات فقط من بين كل عشر في المرافق الصحية، كما يموت طفل واحد من بين 37 مولودًا في الشهر الأول من الحياة، بالإضافة إلى أن واحدة فقط أنجبت من بين كل 15 فتاة مراهقة تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا.

ويشدد أستاذ علم الاجتماع، “على السلطة المحلية إدراك حجم وطبيعة المخاطر الصحية التي تواجهها النساء وخاصة الحوامل، في مديرية الصلو التي تعيش أوضاعًا صعبة على نحو أكبر من المديريات المجاورة، وأن يعملوا بشكل جاد وعاجل على عودة خدمات الصحة عمومًا وضمان الحق في الصحة الانجابية باعتبارها خدمات أساسية وضرورية لنشأة الأسرة الريفية نشأة سليمة”.

* تم إنتاج هذه المادة ضمن مخرجات برنامج التغطية الإعلامية الجيدة لقضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى