أخبار محليةاخترنا لكمالأخبار الرئيسيةتراجم وتحليلاتتقارير

بكين وفرص الطرف الضامن للسلام اليمني (تحليل خاص)

يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ تحليل خاص:

اختتم مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، يوم السبت، زيارة إلى الصين ناقش خلالها جهود السلام في اليمن، يأتي ذلك فيما يناقش محللون إمكانية تدخل بكين كوسيط في حرب اليمن بعد نجاحها في الوساطة بين السعودية وإيران.

وقال المبعوث هانس غروندبرغ، في ختام زيارته لبكين: نأمل في أن يساهم الحوار وعلاقات الجوار الطيبة في المنطقة في خلق بيئة أكثر ملاءمة لآفاق تحقيق السلام في اليمن.

يبدو أن الأمم المتحدة تبحث عن دور صيني مساند لها في اليمن بما في ذلك، بناء قرار جديد في مجلس الأمن الدولي يخص اليمن؛ وإبقاء حالة التوافق بين دول مجلس الأمن دائمة العضوية فيما يخص هذا الملف؛ وأن لا يتأثر ذلك بالحالة الانقسام الدولي الحالي بفعل الحرب الأوكرانية. وقد يطلب “غروندبرغ” من الصينيين الضغط على الروس لإبقاء هذا التوافق دائماً.

ويدفع هذا الحضور الصيني في المنطقة إلى التساؤل عن إمكانية تدخل صيني كضامن لاتفاق يمني ترعاه الأمم المتحدة. خاصة مع نجاح الصين في إنهاء الأزمة الدبلوماسية بين إيران والسعودية باتفاق العاشر من مارس/آذار الماضي بينهما. فمن الواضح أن بكين تضع ثقلًا كبيرًا وراء نجاح هذه المبادرة، حيث إنها تعزز علاقاتها المتنامية بسرعة مع طهران والرياض بينما تروج لنفسها كقوة تدعم السلام والاستقرار؛ ففي عالم يُنظر فيه إلى بكين بشكل متزايد على أنها مصدر اضطراب، قدمت لحظة التوقيع على ذلك الاتفاق أن الصين أصبحت تناور في منطقة جغرافية كان الغرب فيها، حتى الآن، هو التأثير الخارجي المهيمن تقليديًا.

يجيب هذا التقرير عن التساؤل: هل تستطيع الصين أن تدخل في اليمن كوسيط وضامن لاتفاق ترعاه الأمم المتحدة ضمن استراتيجية النفوذ إلى منطقة غرب آسيا بشكل أكبر مما كان في السابق.

الاستفادة الصينية

واستفادت الصين تدريجياً من سياسة الدول الغربية والإقليمية عندما يتعلق الأمر ببناء حوار في المنطقة، وهو أن تكون ضامناً لهذا الحوار والاتفاق الذي يتم كنتيجة لهذه المفاوضات. وهو أمر فشلت معظم دول المنطقة في أن تكون طرفاً ثالثاً، بما في ذلك الدول الغربية التي تقدم وساطتها بناءً على مجموعة من الشروط تتعلق بالسياسة والقوة وحتى حقوق الإنسان. تقدم بكين جهودها كطرف ثالث ضامن دون شروط؛ وحافظت بكين على سياسة مماثلة تجاه غرب آسيا مثل الهند، أي عدم التدخل في السياسة بين الأقاليم.

في الواقع، كانت الصين منتقدة للتدخل الأمريكي، ليس فقط من وجهة نظر تكتيكية مثل الحرب في العراق، بل من وجهة نظر استراتيجية أيضًا، حيث تختلف مع مخططات واشنطن للضغط على القادة الإقليميين وجذبهم حتى يتماشى مع التفكير الاستراتيجي الأمريكي. واليوم، تسوّق بكين مساعدتها في المنطقة دون شروط، مع وعود بتعاون اقتصادي واسع دون مطالب أخلاقية أو قائمة على القيم تحل محل المساعدة الاقتصادية أو العسكرية. وهذا عرض جذاب للكثيرين في المنطقة.

لكن الانخراط في جهود وساطة دبلوماسية يضع بكين في موقف معقد على الصعيدين السياسي والعسكري؛ وهو ربما ما سيؤثر حين يقرر صانع القرار الصيني التدخل كوسيط ضامن في حرب اليمن.

واشنطن-بكين وتحقيق اختراق في اليمن

ولا تزال المحادثات جارية بين جماعة الحوثي المسلحة، والقوة الإقليمية التي تدعم التحالف المناهض للحوثيين في الحرب. حيث عقب أسابيع من اتفاق سعودي/إيراني في بكين ظهر وفد سعودي برئاسة السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر في العاصمة اليمنية صنعاء -للمرة الأولى منذ 2014- للقاء قادة الحوثيين وبحث اتفاق تمديد الهدنة مع اتفاق حول طريق للمباحثات السياسية بين الأطراف اليمنية ينهي الحرب.

وفي 1 مايو/أيار 2023، أعلنت الولايات المتحدة أنها أرسلت مبعوثها الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ إلى الخليج العربي “لدفع الجهود الجارية لتأمين اتفاق جديد وإطلاق عملية سلام شاملة”.

لكن دور الولايات المتحدة في توجيه المفاوضات أقل بكثير من دور المنافس العالمي الأكبر لواشنطن: الصين. كان الاختراق الأخير في اليمن مدعومًا بالتقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية، الذي سهلته بكين، حتى أن معظم المعلقين السياسيين السعوديين يرون أنه لولا الاتفاق الذي رعته الصين لم جرى تحقيق تقدم في الملف اليمني.

ويرى مهاد درار الأكاديمي في جامعة كولورادو -وهو متخصص دراسة الاستراتيجية الأمريكية والصينية عبر شرق إفريقيا والشرق الأوسط-: أن الاختراق الدبلوماسي الذي توسطت فيه بكين له آثار على المنطقة؛ إذ تملك الصين القدرة على تقليل الخصومات وتعزيز الاستقرار في اليمن، إلى جانب الدول الأخرى المعرضة للعنف الطائفي، بما في ذلك لبنان والعراق.

أمكانية وساطة الصين

ويضيف: لكنه أدى أيضًا إلى تكهنات بشأن بروز الصين كلاعب إقليمي رئيسي في الشرق الأوسط. لا يقتصر التطور على تحدي الهيمنة الراسخة للولايات المتحدة في الخليج فحسب، بل يثير أيضًا تساؤلات حول أجندة بكين الاستراتيجية ودوافعها.

وتسببت الحرب في اليمن في تكوين مجموعة من الفصائل المتعارضة، يسيطر الحوثيون على معظم محافظات الشمال والغرب، وعديد من الجماعات الموالية للحكومة على بعض المحافظات جنوبي اليمن بدعم من دولة الإمارات.

فكيف تقوم الصين برعاية وساطة في اليمن وسط هذه المجموعات المتعددة؟ يقول درار: ليس لبكين علاقات دبلوماسية أو اقتصادية أو سياسية رسمية مع أي من الميليشيات العديدة التي تحكم حاليًا أجزاء من البلاد. لكن قبل عام 2014 ، كانت للصين علاقة تجارية واقتصادية جيدة مع اليمن. وفقًا للبنك الدولي، كانت الصين في عام 2013 ثاني أكبر شريك تجاري لليمن بعد المملكة العربية السعودية.

ويضيف: منذ عام 2014، استمرت التجارة بين الصين واليمن، وإن كان ذلك بطريقة غير رسمية في الغالب. تشير البيانات الواردة من مرصد يتتبع التجارة الدولية إلى أن الصين استوردت ما قيمته 411 مليون دولار من المنتجات، معظمها من النفط الخام وأيضًا من النحاس، من اليمن في عام 2021. وما يبقى غير واضح هو الفصائل التي حصلت على إيرادات من خلال التجارة.

في غضون ذلك، حافظت الصين على علاقات دبلوماسية واقتصادية رسمية مع إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – وكل منها يدعم الميليشيات المتورطة في حرب اليمن. في الواقع، تكثف الصين علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع القوى الإقليمية الثلاث.

في السنوات الأخيرة، قام الزعيم الصيني شي جين بينغ بزيارة كل من الإمارات والسعودية للتأكيد على دور بكين المتنامي كشريك في المنطقة. كما استضاف شي مؤخرًا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال زيارة إلى الصين.

دور صيني متوقع

ويرى مركز أبعاد للدراسات والبحوث في دراسة نشرت في مارس/آذار الماضي أن من الممكن أن نشهد “دور صيني متعلق باتفاق “سلام في اليمن” إذا ما نجحت الاتفاقية بين الإيرانيين والسعوديين”.

وقال إن “الاتفاق السعودي/الإيراني تأكيد على مرحلة جديدة من الدور الصيني في المنطقة، يضاهي الدور الأمريكي والأوروبي وربما يفوقه”.

وتابع مركز الدراسات اليمني: يثير ذلك مخاوف الولايات المتحدة التي تملك مبعوثاً دولياً إلى اليمن منذ سنوات، وسارع “تمويثي ليندركينغ” لزيارة المنطقة والحديث عن رؤية حديثة لتحقيق توافق في اليمن. لكن القبول بدور دبلوماسي أمريكي في عهد إدارة بايدن كان محل شك بالنسبة للفاعلين المحليين والإقليميين، حيث يعتبر الحوثيون الولايات المتحدة خصماً داعماً للسعودية والتحالف، فيما تراه الحكومة اليمنية والرياض سيئاً بسبب مواقف إدارة بايدن تجاه المملكة والتراخي تجاه الحوثيين.

ولا يعرف ما حدث وراء الكواليس بين السعوديين والإيرانيين بشأن اليمن، لكن التقارير والتسريبات الغربية تشير إلى “تعهد من إيران بوقف تشجيع الحوثيين على الهجمات الصاروخية عبر الحدود على المملكة العربية السعودية ووقف تسليح الحوثيين، وإنهاء عمليات إرسال الأسلحة المتفوقة إلى الجماعة والتي تهدد دول الخليج العربي، والملاحة الدولية”.

ويقول مركز أبعاد للدراسات والبحوث أن “فشل إيران في تنفيذ جانبها من الاتفاق سيدفع المنطقة إلى شفا حرب طويلة الأمد”.

ووُصِف الاتفاق السعودي الإيراني بأنه “انتصار كبير” للصين، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه يأتي على حساب أي طرف آخر. والتمكن من الوصول إلى اتفاق يعيد سلطة الدولة اليمنية ويعيد مؤسسات الدولة إلى العمل وتجفيف الجماعات المسلحة وتحولها لكيانات سياسية وفي مقدمتها الحوثيين هو اتفاق يرعى مصالح الجميع بمن فيهم الأمريكيين والأوروبيين؛ ولا يعني ذلك دوراً صينياً بديلاً للوجود الأمني الأمريكي/الأوروبي في المنطقة، لكن يمكن توقع المزيد من الدبلوماسية الصينية في المنطقة وزيادة علاقتها السياسية والاقتصادية لتنفيذ رؤيتها المتعلقة بالاقتصاد والسياسة. وهي حاجة فرضتها السياسة الأمريكية والأوروبية في المنطقة. لذلك يجب رؤيته باعتباره نوع السلوك الدولي المسؤول الذي تقول واشنطن دائمًا إنها تريد رؤيته من الحكومة الصينية.

أما إن كان هذا الاتفاق-حتى برعاية صينية- سينهي الحرب في اليمن! فإن ذلك يرتبط بنوعية الاتفاق الذي يمكن رعايته وضمانه؛ إذ أن وضع اتفاق سريع يلبي رغبة السعوديين والإيرانيين بتحسين علاقتهم فقط قد يترك البلاد، في قبضة حرب أهلية، فالجميع بمن في ذلك المسؤولين الغربيين يميلون للخلط بين انسحابها من حرب اليمن، والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى