كتابات خاصة

لماذا عدنا لهويتنا الصغيرة ؟!

أحمد ناصر حميدان

علمتني الرياضيات ان أستعمل عقلي اكثر من عواطفي, وكل شيء تراه عيني , وتسمعه أذني, يخضع للتفكير المنطقي, ربط الاحداث بما يختزنه العقل من نظريات وقواعد علمية ونظم وقوانين الحياة , اضع امامي كل الفرضيات الممكنة, ومقارنتها بالواقع, واختار ما يلبي تطلعاتي وطموحاتي.

كلنا بشر قد نخطئ وقد نصيب, والعبرة في نسبة الصواب من هامش الخطأ, والحقيقة موجودة عند الجميع, الغير موجود هو الاتفاق على اختلاف الحقائق, كلا يمسك بجزء من الحقيقة مبتورة, فتفقد قيمتها, خاصة عندما يتخندق البعض بالجزء الذي لديه, تخندق بعند وجهل وعصبية, تعيده الى هويته البدائية, وهي هويات ترفض حق الآخر, وحقائق الآخر, لتطور الحالة كراهية وعنصرية .

هذا ما يفسر اليوم تشظي المشروع الذي اجتمعنا يوما عليه , واسميناه مشروع تقدمي, قومي عربي, او غيرها من الأسماء التي ناضل من أجلها البعض, مثقلا بالأفكار, متعصبا بقوة, وانهارت بانهيار القوة التي كانت تدفع بها, ليكتشف البعض أنه كان مغرر به و مغرور ومثقل بالوهم .

ما نحتاج اليوم هو أن نخوض في السؤال, لماذا عدنا للهويات الصغيرة ؟, وكل يوم تصغير تطلعاتنا وطموحاتنا, لجغرافيا صغيره نحتمي بها من قوى السيطرة والتمكين, وهي قوى تتسلق تطلع وطموح الحالمين, حتى تصل للسلطة ثم تبدأ تلغي وتهمش وتقصي أصحاب الحق ,لتحكمهم بالحديد والنار, تحت مبررات حماية المرحلة الوطنية, وحماية المشروع , الذي تتضح صورته يوما بعد يوم انه اصغر حجما مما يروج له, دافعا الجميع للحماية بهوياتهم الصغيرة .

هذا ما دفع حضرموت لتعود لهويتها الأولى, ودفع عدن لتحتمي بعدنيتها, وسيدفع بكل ما استطاع حماية نفسه من طيش وتهور قوى السيطرة والتمكين, وهي قوى وجدت لغرض تنفيذ سياسة فرق تسد الاستعمارية, هي منظومة سياسية وثقافية رثة , قد تجد فيها قوى تقدمية فيها متعلمين وفيها من يرفع شعار الحرية والاستقلال ,هي بالأخير قوى تعرضت لصدمات شديدة وقهر افقدها كثير من قيم وأخلاقيات التحلي بمشروع الأمة, وكانت صيدا سهل للإستخدام من قبل القوى الطامعة, التي إعادة تفعيلها من خلال دغدغت مشاعرها وشراء ذممها , والكل يعرف دور الاستخبارات في ممارسة الضغط النفسي والعضوي لتهيئة الفرد للاستخدام .

لهذا البلد تعيش حالة تفكك , بأدوات مرتهنة , وشعب منهك, يبحث عن قشة لينجو مما هو فيه, شعب فقد القدرة على تغيير واقعة , منقسم على ذاته, مستسلم لقوى السيطرة والتمكين, مش فاضي للتفكير العميق بمصالحه, يسمع شعارات يرددها, بذاءات يرددها , اتهامات يرددها, بل يصدقها, ويقاد لمصيره المحتوم, سيصحو حينما يجد نفسه ضحية .

كثيرا ممن صحو اليوم, لم يصحو إلا ضحية, بعد ان يفقد مصالحه , يفقد دوره في العملية, أي يفقد نصيبه من فتات الصدقات التي يمن بها لهم الطامعين.

أم الصابرين فهم كثر, هم أصحاب الحق اليوم في تغيير تلك المنظومة الرثة, التي تدعي أنها تقودنا للحرية والاستقلال , هم الجياع والمقهورين والمظلومين, هم المقصين والمهمشين, وهم فاقدي الحقوق, هم الذين تعلن تلك القوى اليوم اجتثاثهم , وتحرض وتحشد ضدهم , وهي أعجز من أن توجههم بالحجة.

اليوم تعيش تلك القوى على حساب حياة الناس, صحتهم امنهم قوتهم ومعيشتهم, ينعمون بالمال والثراء الفاحش والتخمة, بينما يموت الناس جوعا ومجاعة, ويراد منهم ان يصفقوا بحرارة لسلطة لا خير فيها ولا أمل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى