كتابات خاصة

أحنُّ إلى صنعاء!

في اتصالٍ هاتفي سألتها عن صنعاء فأجابت باقتضاب، إنها منفى!

هل يصبح الوطن الذي ننتمي إليه منفى؟!، أيعقل أن تقولي إنك تعيشين في منفى وأنت داخل صنعاء، عاصمة الروح وربة العرفان؟ نعم قد يصبح الوطن الذي ننتمي إليه منفى، عندما يغدو غريبًا بالنسبة لنا وإن كنا نعيش فيه منذ القدم، إنني أعرف هذه الشوارع منذ أول يوم خرجت إليها عندما كانت أمي تمسك بيدي خشية أن أسقط على الأرض؛ لأني كنت وقتها لا أجيد المشي لصغر سني، أعرفها حتى أني أكاد أحفظ عدد الأحجار التي بنيت بها هذه الزقاق.

كانت هذه الشوارع مألوفة لي أنا وأترابي من الأطفال، عندما كنا نلعب فيها سوية نعلي أصواتنا ولا نخاف من أن يتم إغلاق أفواهنا، كان زمن ما بعد صلاة العصر هو الوقت الذي ننتظره بفارغ الصبر لأننا سنخرج فيه إلى الشارع نلعب، نفرغ الطاقة التي داخلنا.

كبرنا ونحن نعيش حياة جميلة  لا نعرف فيها للخوف طريقًا، وتأتين لي اليوم لتخبريني كيف أننا نعيش في منفى ونحن داخل أوطاننا؟!.

ياعزيزتي هذا الوطن الذي تتحدثين عنه قد سُلب منا، سُلب منا عندما صدَّق الجهلاءُ من الناس أن هذه الجماعة ستأتينا بالرفاهية، هذه صنعاء التي كانت ملاذًا للخائفين اليوم تضيق ذرعًا بمن يخوِّفون الناس وينشرون الرعب في أوساطهم، لم يعد فيها ما يجعلك تشعرين  أنها وطنك سوى هذه المباني والأحجار، ولكنها هي الأخرى قد اكتست بالموت من أقصاها إلى أقصاها، إن عدد الصور والملصقات التي تخص الموتى قد أصبح ينافس عدد الأحجار حتى أنك لا  تستطيعين تميز المباني من بعضها.

كم كان من المستحيل أن أفكر ولو مجرد تفكير أن أقول إن صنعاء منفى، فقد كانت لي الوطن الذي أستحق أن أعيش فيه طوال عمري، إنها معشوقتي منذ الصغر، واليوم أراها منفى؛ لأني لا أشتم فيها للحرية رائحة كما كنت، صنعاء ما عادت كما كانت على الإطلاق حتى شوارعها باتت تشعرني بالكآبة، أخشى أن أخرج للسوق لأقضي بعض الوقت مع صديقاتي، لآخذ بعض ما أحتاجه،  تتمسك أمي بتلابيبي حتى تكاد تعض عليَّ بالنواجذ؛ لأنها تخشى أن تفقدني وأن أصبح بين المخفيين قسرًا وتعيش هي حياة جارتها الفاقدة لابنتها فلا هي لقت ابنتها ولا هي تجرأت على البحث أكثر.

اليوم في صنعاء أصبح الآباء يخافون  على أطفالهم  من العلم فما عاد العلم كما كان في السابق، فأغلب الأطفال عندما  يذهبون  لنيل العلم  يعودون محملين بالأفكار الشيطانية التي تخرجهم عن سواء السبيل، ناهيك عن الغلاء الفاحش الذي يحدث هنا والانعدام في المشتقات هذا الانعدام المعد له مسبقًا  فقط لمزيد من اختلاس الشعب الذي أصبح اليوم يقوم كالذي يتخبطه الشيطان من المس.

كم أشتاق إلى صنعاء، أشتاق إليها وأنا فيها، قد تعدين هذا نوعًا من الجنون ولكنها الحقيقة بكل ما أوتيت من وضوح، إنني أشتاق أن أرى صنعاء خالية من هذا العنف الذي تعيشه الآن، أشتاق إليها جميلة ببراءة الأطفال وهمة الشباب ورجاحة عقل الرجال وحكمة الشيوخ والمسنين، أحنُّ إلى صنعاء خالية من المليشيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى