كتابات خاصة

وردةٌ في الخريف!

ينظرون إليّ نظراتٍ كلها رحمة وشفقة، يا إلهي كم أكره هذه النظرات التي تطلقونها نحوي إنها رصاصات تخترق قلبي وتصيبني بنوع من الإحباط، فبالله عليكم دعوني وشأني.

أفترش الرصيف لست أبحث عن شيء ولم أكن  لأرغب بالبقاء هنا لولا الحاجة التي تدعوني لذلك، لعن الله الفقر  الذي أودى بي لهذه المهلكة، وقاتل الله الموت الذي أخذ أبي عني وجعلني أتجرع اليتم والحرمان.

يأتيني بنصف فنجان من الشاي وهو يتلفت يمنة ويسارًا يريد لفت انتباه الزبائن حوله ليروا كيف أنه كريم ورحيم يهتم باليتامى وينظر لحال المحتاجين!، ثم يسألني هل تطلبين شيئا آخر؟،

وفي نفسي أخبره: أنا لم أطلب منك شيئا منذ البداية ولست بحاجة لشرب الشاي،  واقعي كله مرير ونصف هذا الكوب من الشاي غير كافٍ لتحليته، حتى كلُّ الشاي الذي صنعته منذ افتتاحك هذا المقهى لا يمكنه تحلية فمٍ ذاق مرارة الحياة، ثم أجيبه لا شكرًا ما تقصر.

ينظر إلي نظرات يكاد يلتهمني بها، أو لم تدرِ كم من السنين تحمل أيها الرجل أنا ابنة الثانية عشرة سنة، لم أر الحياة بعد، ما الذي يدور بخيالك تجاهي؟.

أنصرف من أمام ذلك المقهى لأبحث عن مكان آخر أبيع فيه ما تبقى من صندوق العلكة الذي تركت مدرستي لأجل أن أبيعه وأعود بماله لأمي التي تنتظرني بكل قلق.

أبحث عن مكان آخر لا أجد فيه  تلك النظرات المزيفة أجوب الأرصفة بحثًا عن مشترٍ، لم يبق سوى القليل، تأتي إليَّ فتاة كبيرة رأيتها كذلك؛ لأنها حاولت أن تحتضنني لكي تلتقط صورة معي  فوصل طولي إلى خصرها فقط، سألتها أين ستذهبين بهذه الصورة؟

أجابت سأضعها في حالتي بالواتس.

لماذا ياترى هذا المجتمع يعجب بالتشهير ونشر الأوجاع، لماذا يتظاهر الناس بالحب والرحمة فقط ليزيدوا من وجع الآخرين؟! بادرتها بابتسامة سخرية ثم سألتها أتشترين مني؟، لكنها تجاهلت سؤالي وانصرفت.

هاهو الآخر قادمٌ إلي ترى ما الذي سيفعله معي هل سيلتقط صورة هو الآخر أم ما الذي جعله يأتي نحوي بكل اهتمام،  يخرج هاتفه من جيبه فرحًا كالذي عثر على وجبة دسمة، سألني

-ما اسمك ؟

وردة

-وردة؟

نعم ما العجيب في الأمر؟

-لا شيء ولكن أريد أن أسألك كم عمرك؟

12عامًا

-طيب لماذا أنت تبيعين هذه العلكة؟

لكي تشتريها

ضحك وهو لا يدري أنني أسخر من سؤاله ذاك، ثم سألني عن أهلي وعن وضعنا المادي، قال إنه سيقوم بتسجيلي في إحدى المنظمات، تلك المنظمات التي تسعد كثيرًا إذا رأت وجعًا  وتحزن إن شاهدت غير ذلك، انصرف بعدما التقط لي صورة وأنا مدركة تمامًا أن لا خير سيأتيني منه فهذا المشهد يتكرر معي بشكل شبه يومي ولم أرَ شيئا سوى الفراغ.

ااه  ما أوجع أن تعيش بقلب بريء داخل مجتمع تهمه مصلحته قبل كل شيء ولا يرى سوى  الذي يحب أن يراه فقط، أنا وردة لكني أعيش في خريف مستمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى