كتابات خاصة

التوافق على وطن قبل التوافق على حكومة

ما أحوجنا اليوم للتوافق على وطن، والتوافق يأتي من خلال التواصل الندي، التواصل يقربنا من بعض شيئا فشيئا، بالتواصل بغير التلويح بالقوة، يرأب الصدع  ويرمم الشروخ الوطنية والاجتماعية، ويضيق من الهوة بين الشركاء، وهذا بحد ذاته وعي يكتسب من تجارب مريرة ونزاعات وحروب أضعفت البنية، وكان الجميع ضحية، والوطن رهينة لعقلية شمولية ترى الآخر عدو، وتعتبره بذرة خبيثة يجب اجتثاثها، يبقى السؤال المهم متى سنتحرر من تلك العقلية الشمولية؟ التي حصرت اختياراتنا كأدوات عمل لأجندات ترفض التواصل والاتصال بالآخر، والتمترس خلف ايدلوجيا والهويات الاثنية، التي تغيب من اختياراتنا الاخر ومصالح وطن وأمة.

ولا حل أمامنا ولا مخرج بغير التواصل والحوار، والتنازل لأجل مصالح عامة وطنية وانسانية، أكبر بكثير من المصالح الفئوية الصغيرة، تواصل يضبط إيقاع الحياة والعلاقات والمصالح بعقد اجتماعي متوافق علية، يضع الأولويات ويرسم الثوابت بما يخدم التعايش والعيش الكريم، ويحفظ للوطن كرامته وسيادته والمواطن حقه بالحياة كسائر الأمم المحترمة.

ما أحوجنا اليوم للتواصل في زمن العنف والتطرف والعصبية والاصولية، ما أحوجنا نعيد للذاكرة الجمعية تجارب مريرة، كان العقل الشمولي مصدرها، جربنا النظام الشمولي والسلالي والأسري، وسلطة الزعيم قائد المسيرة، جربنا صناعة الاشبال وشحن الافكار، والعنف الثوري الذي حول الوطن لحلبة صراع، جربنا ولازلنا نجرب الطائفية والمناطقية، جربنا ولازالت تجاربنا تزهق الدماء وتهدر الارواح وتنتهك كرامة الإنسان، وتزيد من حجم التراكمات والأحقاد والضغائن، وتنعش ثقافة الكراهية، وكل تلك التجارب ترفع  عناوين وطنية تحررية، وعجزنا على إنتاج منظومة سياسية تخدم عناويننا، لوطن يستوعبنا بكل الأطياف والمشارب  الفكرية والسياسية، و عجزنا على ان نتغير وفق متغيرات العصر، وتواكب سنة التغيير، لنكن أمة محترمة كسائر أمم المعمورة.

مشوار طويل من الفشل والخذلان، الكل كان شريك، لم يقدم تجربة محترمة، ولا مثال يمكن ان نستند له، والخوض في السبب والمتسبب هو عبث، في ظل تصلب الراي والرؤى، والعقل الشمولي الرافض للاعتراف، بل الرافض للنقد الذاتي والعام، الرافض للتواصل المنطقي والندي بالأخر، وتحليل وتفحيص جوهر المشكلة لتفضي لحلول ناجعة.

الحل هو نبذ العقلية الشمولية، الرافضة للتواصل مع الآخر، وأفكارها التي تضاعف من حجم المشكلات، من الخصومة والعداء، وشيطنة الآخر المختلف والمخالف، نبذ أي فكرة تغلق أبواب التواصل مع الآخر، ونبذ العنف والانتقال من عقل أمني مغلق على الاخرين، لعقل أمنى منفتح على الجميع، ويقف بمسافة متساوية من الجميع، منضبط بالعقد الاجتماعي للجميع، عقل ديمقراطي انساني وطني بالدرجة الاولى، ولن يتم ذلك دون وعي.

الوعي يحتاج لتحولات ثقافية وفكرية، يحتاج لمساحة واسعة من الحرية، تسمح لحوار الأفكار، تسمح للتنافس في الرؤى والأطروحات، وتسمح للناس ان تمارس حقها بالاصطفاف مع ما يلبي قناعاتها وتطلعاتها، وتسمح للناس ان تبدي رأيها بحرية، وتساهم في حق تقرير مصيرها، وأن تخضع القوى السياسية والعسكرية لرأي العامة وفق معايير الديمقراطية والحرية.

حوار اليوم هو حوار قوى العنف المسيطرة على الأرض، هو حوار يمارس فيه الضغط العسكري دون ان يضع اهتمام الناس ومعاناتهم، هو حوار الطامعين بالسلطة والثروة، لن يفضي لغير تقاسم مصالح، لن يحقق أي انفراج، حور لي الذراع وفرض امر واقع لطرف على طرف، بشرط ان تبقى المشكلة قائمة والخلاف قائم، ويزداد الجميع ضعف وهشاشة، وتزداد حجم المعاناة للمواطن والشارع العام، ويقدم وطن سهل المنال للطامعين والفاسدين والطغاة.

البلد لا يحتاج حكومة من لفيف من التناقضات، وجماعات تتربص ببعضها بعض، حكومة فاشلة فشل ذريع منذ الاعلان عن تقاسم حقائبها، وبالتالي لن يقدم افرادها شيء جديد فهم مرتبطون بذلك التقاسم، ولازالت العقلية الشمولية تفرض واقعها على الارض بالعنف، ولازال الحاضر يصارع الماضي ليعاق المستقبل.

الناس تنتظر انفراج وعي شعبي، بعد جوع ومهانة وإذلال، يرفض تلك العقليات، وعبادة الأصنام الغبية، لفرض واقع التعايش وحق المواطنة، يفرض ارادة شعبية تريد الحياة الكريمة والعزة والشرف، ارادة تستجيب لها كل القوى السياسية والعسكرية، وان غدا لناظره لقريب.

**المقال خاص بموقع “يمن مونيتور” ويمنع نشره وتداوله إلا بذكر المصدر الرئيس له.

*** المقال يعبر عن رأي كاتبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى