كتابات خاصة

في فلسفة الدعاء

د.عبدالله القيسي

أما السؤال المتعلق بعلاقة الدعاء بالقدر  وكيف تكون الإجابة في ظل قوانين لا تتغير ولا تتبدل؟ وهل يتدخل الإله فيها أم لا؟ ولماذا لا نرى استجابة لكثير من دعائنا؟ فيمكن الإجابة عليه كالتالي.

الدعاء في أساسه تذلل وخضوع أمام العزيز العظيم، واعتراف بالفقر أمام الغني، وبالضعف أمام القوي، وبالاحتياج أمام المعطي، وبنسبيتنا أمام المطلق، وبنقصنا أمام مطلق الكمال.. وهذه المعاني لب العبادة، ولذا كان الدعاء هو العبادة لما يتحقق فيه من تلك المعاني، وكانت الصلاة في لبها وخلاصتها دعاء.

الدعاء يحق الاطمئنان والسكينة لصاحبه، ويحقق له الانسجام مع العالم الغيبي الذي يراه، ويشعره بالأمان والعدل بالاستناد لقوة أعلى من أي طغيان أرضي، وأنه غير مخذل، وهذا المعاني تتحقق عند من يؤمن بالدعاء، والإنسان يحتاج لمثل هذه الدفعات النفسية في مواجهة آلام الحياة وصعابها، وإلا فقد يأتيه اليأس ويفقد الأمل مبكرا ولا يقوى على السير.
أما السؤال المتعلق بعلاقة الدعاء بالقدر  وكيف تكون الإجابة في ظل قوانين لا تتغير ولا تتبدل؟ وهل يتدخل الإله فيها أم لا؟ ولماذا لا نرى استجابة لكثير من دعائنا؟ فيمكن الإجابة عليه كالتالي.
في البداية لا بد أن نفهم أولا أن هذه القضايا تنتمي لمجال الإيمان، وهو المجال الذي نسلم فيه لأننا لا نستطيع معرفة كنهه تماما، وغاية ما يمكننا فعله هو محاولة تقديم تفسيرات متسقة مع رؤية الدين، حتى تكون لدينا منظومة إيمانية أكثر تماسكا في تفسير الكون والحياة والإنسان.
كما نعلم فإن هذا العالم الذي نعيشه تحكمه قوانين لا يحيط بعلمها كلها إلا الله، لكن هذه القوانين ليست كلها ظاهرة، وإنما منها ما هو ظاهر اكتشفه الإنسان من خلال تجربته البشرية، ومنها ما لا زال خفيا لم يكتشفه، ونحن لا نعلم طبيعة الخفي تماما، لكن نظن أن منه ما يمكن أن يكتشفه الإنسان في قادم الأيام مع تطور العلم ومنه لا يمكن كشفه لأنه يظل مما يستأثر به الله، إذ لو كشف الإنسان كل قوانين الكون فإنه سيصير إلها.
أمور الحياة هي تفاعل كل تلك القوانين الظاهرة والخفية، ولكن أحيانا تبرز القوانين الظاهرة في شيء أكثر من آخر، فمثلا نجد العلوم الطبيعية تكون فيها القوانين الظاهرة أكثر وضوحا من العلوم الإنسانية ولكن لا يعني خلوها من القوانين الخفية.
وتأثير الدعاء باعتقادي هو باشتغاله على القوانين الخفية التي تؤثر على حياتنا في تفاعلها مع القوانين الظاهرة، فبعد أن نبذل الأسباب في القوانين الظاهرة نستعين بالإله في القوانين الخفية، ألا نرى كيف تحصل أحيانا حوادث متشابهة جدا ولكننا نجد أن بعضها نجت وبعضها لا؟ ونرى الطبيب يقوم بنفس العملية لحالة مرضية يراها متشابهة تماما مع أخرى ولكنه ينجح في احدة ويفشل في أخرى؟ حتى لو كان ذلك نادرا لكنه يحدث ونشاهده في الحياة، ولكن علينا قبل أن نسلم للقوانين الخفية أن نتحرى ونتبين كل القوانين الظاهرة حتى لا يتم العبث والتقصير باسم القوانين الخفية، فيهمل الطبيب شيئا ما ثم يقول قضاء وقدر.
في قصة موسى مع الملك التي تمثل له بصورة عبد جاء ليعلمه أن هناك قوانين خفية، وأنها تتفاوت في غيبيتها فبعضها يمكن أن يكتشفه الإنسان بعد زمن كما في قصة المساكين والسفينة، وبعضها لن يستطيع كما في قصة الغلام، وبعضها على أثر قديم. كما أن هذه القوانين بعضها متعلق بالحاضر كما في قصة المساكين، وبعضها متعلق بالماضي كما في قصة الجدار وبعضها متعلق بالمستقبل كما في قصة الغلام.
علينا أن نتعامل مع القوانين الظاهرة كما عمل موسى، وعلينا أن نؤمن بأن هناك قوانين لا ندركها كما علمها لنا العبد الصالح (الملَك).. باختصار عمل بالظاهر وإيمان بالخفي.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى