كتابات خاصة

حضرموت.. رمانة الميزان

مصطفى ناجي الجبزي

عدا الحضور العسكري لقوات التحالف في المهرة أو انعقاد جلسة مجلس النواب أو أخبار السجون السرية في مدن الساحل ومطار المكلا وأعمال اُرهابية نادرة، فان حضرموت لا تثير اهتمام الصحافة.

منذ الانقلاب على الحكومة مع نهاية ٢٠١٤ (الانقلاب الذي نفذه تحالف صالح والحوثيين) بات الجزء الشمالي الغربي والجنوبي الغربي لليمن مسرح الاحداث والاهتمام وتوارت المنطقة الشرقية الواسعة من الأنظار خصوصا بعد خروج القاعدة بشكل سلس من مدن الساحل في حضرموت.
عدا الحضور العسكري لقوات التحالف في المهرة أو انعقاد جلسة مجلس النواب أو أخبار السجون السرية في مدن الساحل ومطار المكلا وأعمال اُرهابية نادرة، فان حضرموت لا تثير اهتمام الصحافة.
تنعم حضرموت بشقيها الوادي والصحراء بهدوء حذّر وتسير فيها الأمور وكأنها قطاع مستقل بذاته عن مشاكل اليمن. بينما تنشر المنظمات الدولية خارطة الأزمة الانسانية في اليمن القريبة من اللون الأحمر يختلف لون حضرموت عنها. فحضرموت على الأقل فيها أحد مطارين يمنيين وحيدين يعملان بينما تعطلت منافذ البلاد الجوية.
يمكننا مشاهدة صور مباريات كرة القدم لأندية رسمية أو فرق شعبية وحضور الجماهير  لنعرف نمط الحياة المهيمن في حضرموت وسكنية الناس وحبهم للحياة وهذه عبقرية الحضارم.
وفِي غمرة الصورة الناعمة لحضرموت فانها مقسومة من حيث النفوذ إلى قسمين، الساحل الذي تحضر فيه دولة الامارات والداخل حيث وحدات عسكرية موالية للرئيس هادي وقريبة من السعودية.
وأظن لهذا السبب فقد اختيرت سيئون لتكون مقرا لانعقاد جلسة لمجلس النواب الشرعي (اي الموالي للشرعية) واستعادة واحدة من مؤسسات البلاد الهامة. عملت السعودية منفردة عسكريا على تأمين هذه الجلسة.
لكن لم يمض هذا الامر بيسر إذ اعترته تهديدات من أطراف عديدة وأثار حفيظة أطراف داخلية سواء الحوثيين او المجلس الانتقالي او أطراف إقليمية.
في الحقيقة، ترجح حضرموت الحديث عن سلامة أراضي الجمهورية اليمنية بل والجمهورية اليمنية برمتها ككيان سياسي من حيث التعافي وتطبيع الحياة او مصير البلاد امام مشاريع جنوبية متضاربة خصوصا النوبة الانفصالية المستقوية في مثلث جغرافي محيط بعدن يخنقها لا يبلغ حضرموت.
 وكيفما كانت المشاريع اليمنية الصغيرة فان لا قيمة لها ما لم تقل حضرموت قول الفصل فيها. فحضرموت في الذهنية الجمعية لليمنيين بل ولجوارهم تمثل الحكمة وهي بهذا تتعارض مع مشروع الانفصال البالغ في النزق والخفة السياسية.
يبدو ان القوات العسكرية المتواجدة في حضرموت ومنها قوات المنطقة الاولى تتمتع بعلاقات حميدة مع وسطها الاجتماعي ما ساعدها على الثبات في منطقة رمال متحركة وجزء جغرافي تشير له الخرائط الدولية جزافا بانه مرتع لتنظيم القاعدة وقاعدتها العريضة في سلوك سافر يدمغ حضرموت واليمن بالإرهاب بلا اية مراعاة او تحفظ او نسبية.
الا ان هناك من لم تعجبه العلاقة بين قوات الجيش هناك التي تحتفظ بعتادها ولم تستنزف عسكريا او تهترء تنظيميا كما هو حال القوات الموالية لهادي التي “خبطتها” امواج الولاءات والتركيب العاجل لوحدات جيش متعددة الولاءات في محافظات عديدة كمأرب والجوف وتعز والحديدة.  ويريد لها ان تنزل من مستوى الجيش الى مستوى الأحزمة.
في ضائقة من الوقت أعلن المجلس الانتقالي تشكيل محاور قتالية وغرفة عمليات موحدة وانه سيتوجه الى حضرموت لتحريرها من الوحدات القتالية “الوحدوية” المتمركزة فيها.
ليست هذه المرة الاولى التي يعلن فيها المجلس الانتقالي عن رغبته في اخضاع حضرموت. فكل عام منذ ان تأسس المجلس وهو يعرّض بحضرموت.
في العادة لا تجد إعلانات المجلس الانتقالي ردودا على المستوى الوطني ومن قيادات البلاد بل تأخذ مجرى التناول الشعبي والحزبي احيانا. كما ان المؤسسة العسكرية – ان جاز الحديث عنها كذلك – تتعامل بحذر شديد حد الخجل والانكسار امام نزق المجلس الانتقالي والوحدات الأمنية والعسكرية التابعة له ومن وراءه.
الا ان التصريحات الاخيرة لعيدروس الزبيدي لقت ردودا مختلفة أهمها التسجيل المصور لقائد المنطقة العسكرية الاولى التي شدد فيها على وحدوية المنطقة الاولى ووجه رسالة مضادة للتهديدات.
هناك ابعاد فوق سياسية في التعامل مع الامر. فقائد المنطقة الاولى جنوبي وهو من محافظة ابين ولهذا لا معنى لتهديدات الزبيدي او التحريض على تلك الوحدات العسكرية في اطار معادلة الجنوب والشمال. فضلا عن ان تهديدات الزبيدي هي اعتداء على الشخصية الحضرمية الجنوبية ايضا ودليل على عدم احترام راي ومواقف الجنوبيين كافة تجاه مسألة سياسية كالوحدة او الفيدرالية.
لن يسمح المراهقون السياسيون لحضرموت ان تنعم بهدوء. سيحاولون مد نزقهم اليها وتعطيلها كما تعطلت عدن. وستتفاعل فلول القاعدة لتهاجم النقاط الأمنية وتنفيذ عمليات غادرة. لكن دعم القيادة السياسية لحضرموت يجب ان يكون شاملا وان يعزز من الوفاق بين الوحدات العسكرية والقاعدة الاجتماعية في المحافظة. كما ينبغي تعزيز عمل المؤسسات والمصالح العامة في المحافظة لتثبيت الأمن والاستقرار وتدعيم النظرية الفيدرالية من خلال نموذج متصالح مع نفسه ومع إطاره الوطني كحضرموت.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى