آراء ومواقف

حذار من إعادة رسم الخرائط في بلاد العرب

علي أحمد العمراني

نؤمَّل من إخواننا العرب، في هذه الظروف الصعبة جدا، وخاصة إخواننا الأقربين في الجزيرة والخليج، أن يساعدونا على أن لا تسوء الأحوال في اليمن أكثر، بأمل أن لا يطول بنا الزمان حتى يرشد اليمنيون وتصلح الحال وتكون اليمن أفضل. كنت في عام 1991 في العاصمة الأمريكية، واشنطن، أجلس مع حوالي خمسة أشخاص من بلدان عربية أخرى، وكان اثنان منهما “يتمسخران” بشخص آخر من تشاد، لا يتحدث الإنجليزية، وإنما الفرنسية، وكان ذلك التشادي الخجول يجلس إلى جانبنا في بهو عمارة الكونكورديا التي كنا نسكن فيها حينذاك..
في تلك الأثناء قدم إلينا مواطن إفريقي آخر، ويبدو أنه سأل التشادي، بالفرنسية، ما ذا كان يقول لك هؤلاء العرب.. يتمسخرون بك…؟!
فبدأ الإفريقي الجريء يتلفت إلينا ويسألنا واحدا واحدا.. من أين أنت…؟ فقال أحدهم.. من البلد س، وعلق عربي آخر مازحا بخفة: إنها مجرد بقالة…! كناية عن صغر ذلك البلد، وهو بلد محترم على أية حال وأهله جديرون بالاحترام والتقدير أيضاً.. وقال الأفريقي لصاحب التعليق، وأنت من أين …؟  فقال من البلد ص، فقال الإفريقي: an other grocery، وأنتم مجرد بقالة أخرى…! فلما وصل عندي، وأنت من أين …؟!..
قلت: من اليمن..
اليمن؟! رائعة اليمن! أنتم رائعون، كُنتُم اثنين فصرتم واحدا.. اليمن رائعة…! 
كنت أدرك أن اليمن بوحدة 22 مايو لم تصبح ذلك العملاق، وإنما على قدر الحال، وإن كان ذلك الإنجاز ظل حلما، لكن أين منا عظمة وضخامة روسيا أو الصين أو الهند، أو الولايات المتحدة، وأين منا إمبراطورية معاوية أو الرشيد أو سليمان العظيم ..؟ وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.. لكن، أيضا، لا بد أن المرء كان ولا يزال يرى أن وحدة اليمن مكسب وطني مهم في هذا الزمن، ولعل هناك من كان يؤمل أن اتحاد اليمن سيكون خطوة في طريق اتحاد عربي، لا مستقبل للعرب إلا به، مثلما قال جين مونيه مهندس وحدة أوروبا، عن أروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي لم تبقِ على شيء..
فيما يخص وحدة اليمن، تبين أن الإنجاز كان عظيما نسبيا وكبيرا، لكنه يفوق كثيرا خيال وقدرات اللذين قاما بتحقيقه، حيث تقزم الإنجاز بتقزم صانعيه، مع أي قدر من الاحترام لمن يستحق..
إلى مايو 2016، تمر مائة عام على اتفاقية سايس بيكو، التي بموجبها تم تقسيم مجمل بلاد العرب، بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية، غير أن الثورة الروسية فضحت تلك الوثيقة السرية، لكن تقسيم تركة الرجل المريض، كما كانت توصف الإمبراطورية العثمانية في ذلك الزمن، مضت في مجملها في بلاد العرب، بتدخل واحتلال مباشر، أو بتيسير وتسهيل أو دعم.. وكانت بريطانيا، قد وعدت الشريف حسين بن علي، بدولة عربية متحدة تحت قيادته، تمتد من جبال طوراس جنوب تركيا، إلى بحر العرب، مكافأة له على الثورة ضد تركيا.. لكن بريطانيا نكثت وعدها بكل سهولة، بعد الحرب، مثلما يفعل المستعمرون عادة، ومات الشريق حسين وهو يشعر بغدر الزمان وخداع المستعمرين، فيما ندرك نحن عرب اليوم كم أن مكر التاريخ قاس لا يرحم..
دائما ما يروق لي الثناء على الملك عبد العزيز، حيث استطاع بإقدامه وحنكته توحيد عدد من الدويلات في دولة واحدة كبيرة في جزيرة العرب التي كان توحيدها كاملة في عهد النبي محمد (صلى عليه وسلم)، منطلقا إلى مجد عربي إنساني تاريخي حافل..
ما الذي يحدث الان في بلاد العرب بعد مائة عام من سايس بيكو؟
هناك إرادة تقسيم المقسم، حيث يطرح تقسيم العراق إلى ثلاثة، وليبيا إلى ثلاثة أو أكثر وبالمثل سوريا، وكذلك اليمن.. وهناك فكرة الحفاظ على كل شيء كما هو، وأتحدث هنا عما يدور في الدوائر الغريبة ذات العلاقة.
مجلة الإيكونوميست البريطانية الرصينة، تساءلت في مقال افتتاحي لها قبل أيام، ماذا لو أطل كل من سايس وبيكو على الإرث الذي تمخض عن مشروعهما؟ وقالت: عندما حدد سايس وبيكو خطوط تلك الخرائط، بالكاد كانا يتصوران الفوضى والمأساة التي صنعاها.. قرن من الخداع والخيانة الاستعمارية والمرارة العربية، سادته الاضطرابات والانقلابات والتشرد، والاحتلال وفشل إحلال السلام في فلسطين، مع قمع وإرهاب وتطرف في كل مكان..
ثم أضافت المجلة: يعاني العرب من غياب المشروعية منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية، حيث الإيدلوجيات، القوية، قومية وإسلامية، والآن جهادية تتطلع جميعها لحكومة ودولة تتجاوز الحدود التي خلفها المستعمرون.. وحذر المقال من الحلول الترقيعية التي من ضمنها التفكير في إعادة رسم الخرائط، في منطقة لا توجد فيها خطوط واضحة للخرائط بين المذاهب والأعراق في الأحياء والمدن والقرى، و(حتى بين الأقطار)..
هناك من يُشبَّه ما يحصل الآن في العالم العربي بما حدث في يوغسلافيا السابقة في تسعينات القرن الماضي، وهناك من وجد له ما يماثله في حرب الثلاثين عاما في أوروبا في القرن السابع عشر، وكيف ما كان الأمر فإن أزمة العالم العربي عميقة جدا ومعقدة.. وحيث لا يستطع الخارج إيجاد معالجات لهذه الأزمة فإنه قد يساعد إما بجعلها أسوأ أو أفضل كما أكدت المجلة..
قد يـُهدَى العرب في النهاية إلى معالجات لمشاكلهم المعقدة والعميقة مثلما حصل في وستفاليا، بعد حرب الثلاثين عاما في أوروبا، التي توجت حروب مائة عام سبقتها، لكن حذار من التفكير في إعادة رسم حدود جديدة كما أكدت المجلة.
الأمر ينطبق على اليمن، وربما اليمن على وجه الخصوص.
والحقيقة فإن أعادة تقسيم اليمن بالذات، إلى دولتين أو أكثر، غير وارد البتة، لكن ما يخشى منه هو حال من التفكك الذي قد يدوم بعض الوقت، حتى يثوب اليمنيون إلى رشدهم.. حال التفكك لن يخدم أحدا، سيكون حال من فوضى مؤلمة وعارمة، وبعض علامتها موجودة الان، وهي ما حذر منه رئيس الوزراء بن دغر في كلمته الواضحة أمس، وسبق وحذر منه المرحوم السيد فيصل بن شملان في مقابلة له قبل وفاته، قال بن شملان: لا أخشى الانفصال، ولكن ما نخشاه هو التفكك.
كم يأمل المرء أن يؤوب اليمنيون إلى رشدهم من قريب، قبل تعقيد الأمور أكثر، وقبل أن يعم التفكك والخراب على نحو أسوأ..
والحقيقة فإنا نؤمَّل من إخواننا العرب، في هذه الظروف الصعبة جدا، وخاصة إخواننا الأقربين في الجزيرة والخليج، أن يساعدونا على أن لا تسوء الأحوال في اليمن أكثر، بأمل أن لا يطول بنا الزمان حتى يرشد اليمنيون وتصلح الحال وتكون اليمن أفضل..
وفي كل الأحوال، ومرة أخرى، مرحبا مايو العظيم على الرغم من كل شيء..
——————
*من حائط الكاتب على (فيسبوك)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى