آفة طويلة الأمد.. الألغام في تعز موتٌ مزروع تحت أقدام اليمنيين (تقرير خاص)

قرابة 500 مصاب خلال أقل من عامين في تعز  يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من فايقة حسين
كانت تلعب كرة القدم قرب منزلهم بعد رحيل الحوثيين، وفجأة انفجر لغمٌ زرعته الجماعة، لتجد الطفلة ميادة عبدالسلام نفسها برجل واحداً.
تخاطب “ميادة” (8سنوات) والدها “لماذا أملك رجلاً واحدة؟” لم يجد عبدالسلام رداً لطفلته التي تُعالج في مركز للأطراف في محافظة تعز وسط البلاد.
قال عبدالسلام لـ”يمن مونيتور” إنهم ينتمون إلى منطقة “ذمرين” في منطقة “صبر” بمحافظة تعز عقب الانفجار “سمعنا صرخاً وبكاءً وذهبت مسرعاً إلى المكان ووجدت طفلتي مبتورة القدم مغمى عليها والدم يسيل من أقدامها، أسعفتها للمشفى بسرعة”.
 
البلد الملغومة
تعد مدينة تعز من أكبر المدن اليمنية المزدحمة بالسكان والمتأثرة بالحرب في نفس الوقت حيث يتقاتل الحوثيون والقوات الحكومية المعترف بها دولياً في أكثر من 23 جبهة قِتال.
وحتى عام 2015 وتصاعد وتيرة الحرب في البلاد، كان المدنيون لا يزالون يدفعون ضريبة آثار الألغام المزروعة بمناطق الصراعات التي سبقت إعادة توحيد اليمن في العام 1990 وخلال الحرب الأهلية 1994، حيث بقيت الألغام تهديداً مستمراً لحياة المدنيين على مدى السنوات الماضية. لكن الأمر الآن يفوق ذلك بكثير فمئات الآلاف من الألغام منتشرة في معظم اليمن، كفيلة بتحويل البلد “السعيد” إلى البلد الأولى “الملغومة” منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وتشير تقديرات مشروع (مسام) السعودي لنزع الألغام إلى أن الحوثيين زرعوا أكثر من مليون لغم أرضي بين (2015-2018).
 
الأكثر تضرراً
تقول تقارير رسمية أطلع عليها “يمن مونيتور” إن 18 مديرية في تعز من أصل 22 مديرية أخرى تعاني من الألغام التي زرعها الحوثيون بطريقة عشوائية. وبسبب ذلك؛ فهي تتصدر قائمة المحافظات الأكثر تأثراً بالألغام، حيث خلفت عشرات المصابين والمبتورين وبعضهم فارق الحياة، ولا فرق هنا بين طفل وامرأة وبين كبير وبين رجل عسكري وأخر مدني، وبين الحيوان والإنسان، فالألغام لا تعرف التفريق.
يوسف الأمير نائب مدير مركز الأطراف الصناعية بهيئة مستشفى الثورة العام بتعز قال لـ”يمن مونيتور”: إن الإصابات شديدة وكبيرة وكثيرة، وبلغت عدد مهول خلال عامين فقط: هناك 557 مصاباً من بينهم 77 طفلا، 31 من النساء 449 معظمهم من المدنيين.
وقال الأمير إن “هذه إحصائية تخص مركز الأطراف فقط، وهناك إحصائيات أخرى لا تسجل، فالبعض منهم يسافر لتلقي العلاج والبعض يسجل في مركز الملك سلمان”.
وأضاف: الحالات تأتي إلينا بشكل شبه يومي من جميع المناطق كجبل حبشي، والجبهة الشرقية وغيرها.
مشيراً إلى أن الأطفال يدخلون بصدمات نفسية “بأن أقدامه قد اختفت ولن يكون قادرا على المشي مره أخرى فتحصل له انعكاسات نفسية كبيره، وقد شاهدنا من ذلك كثير”.
 وبالتالي مركز الأطراف ينقصه طبيب نفسي لتسهيل عملية استقبال الطفل أو الشاب، بحيث أن الحادث الذي حصل له يقوم بتشجيعه للعيش من جديد بأطراف صناعية تلبي حاجته، وتجعله يتعايش مع الوضع الجديد.
 
نصف امرأة
ليس الأطفال وحدهم من يعانون، ف”دليلة” (30 عاماً) انفجر بها لغمٌ قبل يوم واحد من زفافها، عندما ذهبت لتجهيز الزفاف، فانفجر بها لغمٌ أرضي.
قالت دليلة لـ”يمن مونيتور” إنها “وجدت المنطقة غريبة ومبللة وكأنها تم الحفر فيها ووضع شيء داخل الأرض، لم تنتبه، داست بقدمها أحد الألغام الفردية، وفقدت كلتا قدميها من الجذع”.
دليلة تقول بأنه أغمى عليها وأصيبت بضعف في السمع أيضا، واستيقظت وهي نصف امرأة وبصعوبة بالغة تقبلت إعاقتها التي “أصبت بها ورضيت بقضاء الله وقدره”.
تضيف: تم علاجي في مركز الأطراف والتعويض بأطراف صناعيه، ولكنها رافضة لتلك الأطراف لثقل حجمها التي تبلغ وزن 60 كيلو أكبر من وزن دليلة التي يبلغ وزنها 45 كيلو فلا تستطيع حمله والمشي بها لهذا تفضل كرسي متحرك يلبي حاجتها في التنقل.
 
وضع سيء
يقول الأمير إن “مركز الأطراف ينقصه الكثير من المواد الخاصة الحديثة للأطراف الصناعية، ومن أجل تحقيق العلاج الكامل للمبتورين من جميع الفئات خاصة فئة الشباب والأطفال الذين هم بحاجة الى تلك الأطراف التي تساعدهم على المشي والتغلب الصعاب التي تواجههم”.
وأضاف: الأطراف التي تتواجد بقسم الأطراف حالياً بمستشفى (الثورة) تتبع الصليب الأحمر فقط، كمان أن مركز الأطراف منتظر دعم مركز الملك سلمان؛ من أجل التقليل من الصعوبات التي يواجها المركز هنا.
ووجه الأمير للسلطة المحلية “اتهامات بكونها غائبة بشكل كامل من مركز الأطراف الصناعية بمستشفى الثورة، باعتباره المركز الأول في تغطية ضحايا الألغام ونأمل بأن تفيق السلطة المحلية وتعيد موقفها المتخاذل تجاه هذا المركز الحيوي”.
 
استهداف الجنود
وحول طبيعة الألغام التي تستهدف المدنيين يقول محمد محمد الرامسي ضابط في القطاع السادس بمدينة تعز لـ”يمن مونيتور”: تستخدم الألغام الفردية من أجل الإطاحة بأفراد القوات المسلحة ولكن الحقيقة أنها تستهدف المواطنين أيضاً.
وقال إن “الإمكانيات شحيحة جداً، ولا توجد أجهزه لكشف الألغام وتحقق من أماكنها؛ حيث أن بعض الفرق المدربة عبر دورات تدربيه لانتزاع الألغام تقوم بالبحث عن الألغام واستخراجها بمجهود ذاتي؛ كما أن العوامل الطبيعة تكشف لنا بعض منها كالرياح أو الأمطار ولكنها ليست مفيدة بما يلزم. معظم الأماكن إلى اليوم ممتلئة بالألغام وتوجد بعدد كبير جدا وتسبب ضحايا جد من الأفراد ومن المواطنين”.
ويشير الرامسي إلى أن “معظم الألغام موجودة بكثرة في جبهات الحرب منها صبر الموادم والجهة الشرقية حيث تتواجد الألغام الفردية وأغلبها صنع خارجي”.
كانت تقارير غربية قد أشارت إلى أن الحوثيين يقومون بزرع ألغام ذات منشأ إيراني. وينفي الحوثيون وإيران تلك الاتهامات.
يشير الرامسي إلى الضحايا من أفراد الجيش “هناك ضحايا خلال سنة فقط في منطقة الشقب بأعلى جبل صبر، 7 أفراد وجهة العريش أحد الافراد وجبهة الصرمين ثلاثة أفراد من قوات الجيش وجميعهم مبتورين”.
ويؤكد الرامسي أن “معظم الألغام فردية بحكم الطبيعة الجبيلة، ولا يوجد مجال لأي آلة عسكرية أن تمر مثل الدبابات والمدرعات والمصفحات كلها ممرات فردية تستوجب على الفرد من قوات الجيش بأن يمر منها مجبراً لخدمة الوطن التي تلزمه ذلك”.
يشير الرامسي أن “الاحصائيات لضحايا للألغام لا توجد بشكل دقيق، هناك مناطق تحتوي على الألغام ومحافظات غير مدينة تعز كالجوف ومأرب ومنطقة ميدي والحديدة والمنطقة الأكثر تضرر هي تعز وعدد ضحاياها أكثر من المحافظات الأخرى”.
وأضاف: “هناك مناطق نحذر المواطنين منها كمنطقة التشريفات والجهة الشرقية ونحاول نوعيهم بالأشكل الممتاز عبر نقاط أمنية يتم تحديدها ومنعهم من الدخول أو الاقتراب باعتبارها خطوط تماس”.
ويلمح الرامسي إلى عدم الاهتمام الرسمي بجنوده الذين يسقطون ضحايا للألغام “بعد انتهاء عقد مركز الملك سلمان مع ضحايا الالغام واجهتنا صعوبة عند حصول أي ضحية من الأفراد يمنع استقباله في المستشفيات، لقد كان المانح له مركز الملك سلمان بحجه انتهاء العقد علماً بان المركز يتعاقد مع مستشفيات خاصه لا حكومية فيتم وضع سلاح المصاب كرهن حتى يتم مراجعه اللواء الذي يتبعه والبحث عن فاعلين خير من أجل معالجة المريض”.
ولم يتمكن “يمن مونيتور” من الوصول إلى الحوثيين والسلطات المحلية وقيادة الجيش للتعليق على الاتهامات.
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى