تحت التهديد والترغيب.. الحوثيون يواجهون غضباَ ورفضاً في مؤسسات الدولة بصنعاء (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
يرفض الموظفون الحكوميون في مناطق سيطرة الحوثيين -خاصة صنعاء- مدونة سلوك الموظفين التي فرضتها الجماعة المسلحة وتحاول إجبارهم على توقيعها بوسائل من الترغيب والترهيب.
واتفق أكثر من عشرة موظفين في عديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية في صنعاء لـ”يمن مونيتور” على أن المشرفين الحوثيين وعدوهم بتسليم مرتباتهم بعد أسابيع من توقيع المدونة، أو سيتعرضون للفصل في حال رفضوا التوقيع. لكنهم يواجهونها بحزم رافضين “المدونة” التي يعتبرونها طائفية وتثير مخاوف الانقسام الطائفي والتحوّل إلى بايدق في يد الجماعة.
وأصدر الحوثيون في نوفمبر/تشرين الثاني مدونة جديدة للسلوك الوظيفي، تقوم على أسس طائفية “شيعية” وتحاول تدجين الموظفين الحكوميين ليصبحوا أداة فاعلة لخدمة الجماعة المسلحة التي تسيطر على صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية الأكثر كثافة سكانية. وسبق أن قدم يمن مونيتور تحليلاً لمواد مدونة “السلوك الوظيفي وأخلاقيات العمل في وحدات الخدمة العامة”، التي فرضها الحوثيون على موظفي القطاع العام في مناطق سيطرته والذي يتجاوز عددهم 800 ألف موظف.
“حضور درس طائفي مختلف عن التوقيع على المدونة التي تعتبر التزام مننا جميعاً بالتحشيد لصالح الجماعة المسلحة“-أحمد ياسين موظف في مؤسسة التلفزيون
دروس طائفية
وقال محمود سالم من المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون إنه جرى تسليم نسخة من المدونة وإقرار بالتوقيع والتنفيذ للموظفين منذ الشهر الماضي، وأن الموقعين هم الموظفين الجدد الذين أدخلتهم الجماعة منذ سيطرتها على المؤسسة في 2014.
يقول سالم إن معظم الموظفين قبل 2014 رفضوا تماماً التوقيع حتى لو كانت النتيجة الفصل، والمكافأة تسليم جميع الرواتب منذ 2016 وحتى اليوم.
يصف سالم المدونة بالعنصرية والطائفية والمريضة التي “تدخل اليمنيين ديناً جديداً”.
اقرأ/ي أيضاً.. تجاوزت المليارات.. كيف يوظف الحوثيون التحويلات المالية للمغتربين اليمنيين؟
ويقول زميله أحمد ياسين إنهم يحضرون كل ثلاثاء “دروس طائفية خاصة بالجماعة المسلحة” يقولون إنها ثقافية؛ مضيفاً: نعلم أنها طائفية وتسعى لسلخ المجتمع وإثارة النعرة المذهبية بين الجميع ونحضر من أجل الحوافز التي يقدمونها بين وقت وآخر.
وأشار إلى أن حضور درس طائفي “مختلف عن التوقيع على المدونة التي تعتبر التزام مننا جميعاً بالتحشيد لصالح الجماعة المسلحة وتقسيم المجتمع طائفياً وهذه مصيبة على أولادنا”.
“هناك الدستور وقانون الخدمة المدنية والقوانين المنظمة للعمل، مدونة السلوك شغل طائفي وجماعة دينية” -حورية موظفة في مؤسسة الاتصالات
شغل طائفي وجماعة دينية
وتتفق معه حورية الذماري* الموظفة في المؤسسة العامة للاتصالات بالقول: هناك الدستور وقانون الخدمة المدنية والقوانين المنظمة للعمل، مدونة السلوك شغل طائفي وجماعة دينية تبحث عن أعضاء لا عمل مؤسسي لدولة.
وتضيف: هم يقولون إنهم أبناء الله ونحن أولاد الشيطان، والدخول في الجماعة هو النجاة وإبقائنا في وظائفنا المزرية، لإطعام أطفالنا وعائلاتنا.
وتقول الذماري والتي تعمل منذ 20 عاماً في المؤسسة: لم يسبق أن وجدنا مثل هذا الاسفاف في فرض الطائفة مقابل لقمة العيش.
وتشير الذماري إلى أن مسؤولاً حوثياً أبلغ الموظفين بوقف مرتباتهم في حال لم يوقعوا على مدونة السلوك. وبما أن المؤسسة إيراديه فما تزال تتسلم رواتبها شبه منتظمة.
تستخف الذماري بتهديدات الحوثيين وتقول إنها لن توقع حتى لو عادت إلى البيت: إنهم يغرسون كراهيتهم أكثر وأكثر بين الموظفين وكل السكان.
اقرأ/ي أيضاً.. (حصري بالوثائق) الإمارات انفقت أكثر من 200 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى لإعلان انسحابها من اليمن
التمادي في احتقار المؤسسات
لا يقتصر الأمر على المؤسسات الحكومية يمتد الأمر إلى المؤسسات التعليمية والتعليم، ويقول عزالدين أحمد وهو مسؤول في وزارة التربية والتعليم إن مدونة السلوك تشمل جميع الموظفين والمعلمين وإدارات المدارس والمشرفين الميدانيين.
المشرفون الحوثيون تمادوا في “احتقار كل ما هو يمني، وكل ما يمس أي عمل مؤسسي في صنعاء”.-أكاديمي في جامعة صنعاء
وحصل “يمن مونيتور” على توجيه من وزارة الخدمة المدنية التابعة للحوثيين بتوجيه جميع الوزارات والمؤ سسات الواقعة تحت سيطرة الجماعة تطالب الموظفين بمراجعة الموارد البشرية للتوقيع على مدونة السلوك الوظيفي. كما حصل على وثيقة أداء سير الموظفين التي جرى توزيعها على كل الوزارات والمؤسسات والتي ترسل يومياً في العاشرة صباحاً إلى “مجموعة واتساب!” لمعرفة انضباط الموظفين.
أكاديمي في جامعة صنعاء يرى أن المشرفين الحوثيين تمادوا في “احتقار كل ما هو يمني، وكل ما يمس أي عمل مؤسسي في صنعاء”. لافتاً إلى أنه يجري إجبار الأكاديميين على حضور محاضرات لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي كل أسبوع، ويتم تحضير جميع الأكاديميين باختلاف رُتبهم الأكاديمية وأعمارهم.
اقرأ/ي أيضاً… (تحليل) مدونة سلوك الموظفين الحوثية.. حملة تطهير مذهبية بطرق العصور الوسطى
وأشار الأكاديمي-تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خشية الانتقام- إلى أن الحوثيين يقومون بتقييمات لكل موظف وأكاديمي في جامعة صنعاء، -كما هو الحال في باقي مؤسسات الدولة- وتسلم بشكل دوري من خلال جهاز موازي في المؤسسة التعليمية الحكومية الأولى في اليمن.
وقال: على أساس التقييم في هذا الجهاز الموازي يمنح الحوثيون الترقيات والحوافز، ويتعرض المغضوب عليهم للعقوبات والعزل.
ويقول محمد الشرعبي وهو موظف في إحدى الكليات في جامعة صنعاء إن “الحوثيين وظفوا مئات الأشخاص من الجنسين، معظمهم يحمل ثانوية عامة ووقعوا على المدونة في ظل رفض معظم الموظفين”.
ويبدي الشرعبي خشيته من أن يقوم الحوثيون بالفعل بإجراءات عقابية ضد الموظفين، خاصة في تسليم الرواتب المتأخرة.
“الحوثيون بخطواتهم هذه (تقسيم الموظفين طائفياً) يفككون ما تبقى من هياكل مؤسسات الدولة الباقية لصالح الجماعة المسلحة وأفرادها” عبدالملك موظف في وزارة الخدمة المدنية
تدجين الموظفين أو طردهم
يعتقد “أحمد” الموظف في وزارة التربية والتعليم أن “مدونة السلوك تعبير عن فشل الحوثيين في السيطرة على مؤسسات الدولة، فغالباً ما تلقى الحوثيون وأيولوجتهم رفضاً من الموظفين”.
يخالفه عبدالملك ناصر* الذي يعمل في الخدمة المدنية أن الحوثيين “أثقلوا الجهاز الإداري للدولة خلال السنوات الماضية بأفرادهم ومؤيديهم ولن يستطيع الجهاز تحمل هذه الموجة الكبيرة من التوظيف، فسيستخدم مدونة السلوك لطرد ما تبقى من الموظفين لصالح أفراده غير المؤهلين أبداً لتسيير أمور الدولة”.
“غالباً ما تلقى الحوثيون وأيدلوجيتهم رفضاً من الموظفين”- أحمد موظف في وزارة التربية والتعليم في صنعاء
يقول “ناصر” إن الحوثيين بخطواتهم هذه يفككون ما تبقى من هياكل مؤسسات الدولة الباقية لصالح الجماعة المسلحة وأفرادها. أما أحمد الذي يتفق جزئياً مع ناصر فيرى أن “الحوثيين غير قادرين على إنهاء مؤسسات الدولة في وقت قريب فما يزال الشعب رافضاً تماماً لوجودهم خاصة في صنعاء”.
يرى عديد من الموظفين الحكوميين في العاصمة صنعاء أن استمرارهم في أعمالهم يحفظ ثقة الناس في مؤسسات الدولة بدلاً من سيطرة عديمي الخبرة من مقاتلي الحوثيين على هذه المؤسسات.
اقرأ/ي أيضاً… (حصري) قرارات وأجهزة مخابرات جديدة.. كيف يواجه الحوثيون مخاوف السخط الشعبي والانشقاقات الداخلية؟
ويقول أحمد “يريد الحوثيون الفوضى الكاملة، وفقدان الناس الثقة بالدولة وهي صيغة نظام الإمامة ليعودوا إلى حكم الناس وإنهاء النظام الجمهوري”.
ويقول الحوثيون للموظفين إنهم سيقومون بتسليم رواتبهم المتأخرة خلال العام القادم (2023) بعد اتفاق مع المملكة العربية السعودية في مشاورات سلطنة عمان الخلفية. وهو أمرٌ لم يتم التأكد منه من الطرفين أو من مصدر موثوق.
ويقول الموظفون إن رواتبهم “حق لا يقبل التنازل، وأن ربطها بالتوقيع على المدونة الطائفية السيئة يكشف نوايا الجماعة السيئة تجاه الموظفين وأبناء اليمن ويقسم البلاد طائفياً وهو أمرٌ عجزوا عنه خلال سنوات الحرب”.
“السلوك يؤسس كيان انفصالي، ويسوغ للأطراف الأخرى أن تفعل ما تفعله في تأسيس كيانات انفصاليه”.-أحمد سيف حاشد عضو برلمان الحوثيين في صنعاء
انقلاب ثانٍ
وأصبح الحديث عن مدونة السلوك وانتقادها علناً في مناطق الحوثيين، وهو فِعل نادر حيث زادت الجماعة المسلحة من قبضتها الأمنية خلال سنوات الحرب خاصة خلال الهدنة التي استمرت ستة أشهر ورفض الحوثيون تمديدها.
وقال عضو برلمان الحوثيين في صنعاء أحمد سيف حاشد في تغريدات على تويتر إن مدونة السلوك الوظيفي “انقلاب ثانٍ متكامل الأركان على الدستور، وصيرتها إعلان دستوري ثاني، وجعلتها في تراتبية مصادرك التشريعية بعد مصادر حركتك وأيديولجيتك”.
وأشار إلى أن هذا السلوك “يؤسس كيان انفصالي، ويسوغ للأطراف الأخرى أن تفعل ما تفعله في تأسيس كيانات انفصاليه”.
وأضاف موجهاً خطابه للحوثيين: كل التشريعات التي أصدرتها، واستبحت فيها الدستور، إنما قدمت خدمة وتسويغ للأطراف الأخرى أن تفعل ما فعلته، وجميعكم فعلتم ما تريدوه بالمصادمة، بل والاستباحة للدستور.
الأكاديمي إبراهيم الكبسي يقول في تغريدات على تويتر: يقدمون لك مدونة مرجعيتها خطابات ومحاضرات قائد جماعتهم ثم يقولون لك أين الطائفية والمذهبية فيها؟
وأضاف: الله وهو الله الحق يخاطب رسوله آمرا له بأنه مذكر للناس فقط وليس له الحق بأن يفرض عليهم القبول بما جاء به تعاليم أو يسيطر على معتقداتهم فيقول له: (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)
أما الصحافي محمد المقالح فيقول: فاجأتها الاحداث (في إشارة إلى الحوثيين) ووصلت الى السلطة قبل استكمال الدورات التثقيفية والرحلات الصيفية والدروس المسجدية فسخرت كل امكانات الدولة لكي تستكمل بيعة العقبة ومدونة السلوك التنظيمي
وتابع: انهم يبنون جماعتهم الخاصة ودولتهم الخاصة، ولكن بإمكانات الدولة والمجتمع وعلى حسابهما.
تبقى مهمة الحوثيين إقامة دولة دينية شبيهة بنظام الثوري الإيراني للولي الفقيه-كما يقول محللون- لكنها لن تتخلى على استعادة الحق الإلهي كما كان النظام الإمامي الذي قضى عليه اليمنيون في ثورة سبتمبر 1962م-وهي أمور ظهرت في سطور مدونة السلوك الوظيفي.
(*) تم تغيير الأسماء بناء على طلب المتحدثين
