أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتقارير

في اليوم العالمي للتراث اللامادي… الأهازيج الشعبية في تعز بين الانقراض والتشبث الشفهي! (تقرير خاص)

يمن مونيتور/ من إفتخار عبده

يشمل التراث اللامادي الموروث الثقافي كله، الشفهي والسمعي وكافة أنماط علاقة الإنسان بأخيه الإنسان فيما يخص الأفراح والأتراح والمناسبات والأعياد وطرق إحيائها.

ومن التراث اللامادي فنون القول من الحكم والأمثال والأشعار والأغاني والزامل والأهازيج والحكايات والأساطير والرقصات، بل وحتى نوعية الأطعمة، وتراتبية العلاقات الاجتماعية، وأنماط التعليم التقليدية والطب الشعبي والزراعة والرعي والإنتاج الغابي، والحرف اليدوية.

ومن هذا التراث اللامادي الأهازيج الشعبية والتي تكاد أن تنقرض إلا لدى المتشبثين بها شَفَهِيًّا وهم كبار السن في القرى من المزارعين ونساء الريف العاملات في الزراعة أولئك هم الذين يتمسكون بهذا الجانب حُبًّا فيه وحفاظًا عليه.

يقول عبد الهادي العزعزي (وكيل وزارة الثقافة للتراث اللامادي) “الموروث الثقافي عموما يعاني حالة من الانحسار؛ لأسباب كثيرة لعل أولها عدم حصره وتقييده أول، وكذلك دخول أنماط ثقافية جديدة وافدة على المجتمع من جانب آخر وكذلك قلة استخدامه من قبل الجيل الشاب”.

وأضاف العزعزي ل “يمن مونيتور” مع الأسف نحن من البلدان التي يحفظ الغالبية العظمى من تراثها الثقافي شفهيا وحين يموت شخص كبير في السن في البلد نفقد مكتبة؛ والسبب هو عدم التدوين لقسم كبير من التراث لم يتم خصوصا التراث المهني والحرفي عموما “.

وتابع” حتى الممارسات والتقاليد والعادات الاحتفالية بالمناسبات عموما والأزياء التقليدية وأنماط المعيشة وغيرها لم تدون أو يعد إحياؤها أو ممارستها؛ وهذا يشكل جزءًا من الاندثار والتلاشي “.

وأردف” لذلك أنا أمام نَحِدّ كبيرا فيما يخص الحفاظ على التراث، نحتاج استراتيجية وطنية القيد والحفظ وإعادة الأحياء لهذا التراث الغني والكبير جدا “.

وواصل” يحتاج هذا التراث إلى جهود كبيرة في مختلف المجالات الحياتية المختلفة من الطب الشعبي، والشعر الشعبي والحكم والأمثال والأقوال والثقافة الزراعية، والاحتفالات والأعياد والأهازيج والأغاني والملابس والمهن والحرف المختلفة وعشرات المجالات التي تحتاج عملًا منظمًا وكبيرًا وطويلًا من التدوين لها ثم فرزها وتنصيفها وإعادة إحيائها “.

وبين العزعزي في حديثه ل” يمن مونيتور “أن” هذا التراث مرتبط بالهوية الوطنية للبلد ومرتبط بالهوية الثقافية اليمنية التي تتجسد داخل هذا التراث وتعطيه خصوصيته وتفرده “.

ووضح أن” الاهتمام بالتراث مسألة وطنية حساسة جِدًّا تحتاج جهود الدولة أول والمجتمع ثان وتحتاج حشد جهود كبيرة خصوصًا ونحن نعيش في ظروف صعبة على المستوى الوطني يعرفها الجميع كوننا في حالة حرب منذ ثماني سنوات “.

في السياق ذاته يقول عبد الباري الصوفي (باحث في الأهازيج الشعبية في محافظة تعز وله كتاب تحت هذا العنوان)” يعتبر التراث الشعبي علامة مميزة وفارقة لكل شعب عن غيره من الشعوب الأخرى، لا سيما أن تراثه هو ما يشكل هويته ويصنع تأريخه “.

وأضاف الصوفي ل “يمن مونيتور” الحفاظ على التراث الشعبي يعد مسألة يشترك فيها الجميع دون استثناء كونه يعد الحاضنة التأريخية والمعيار الذي يحدد نمط الشعوب ويحفظ هوياتهم ويقوي العلاقات فيما بينهم “.

وأردف” عندما بدأت التفكير في تجميع وأرشفة وحفظ هذا الموروث الشعبي العظيم، ظهر أمامي سيل جارف من المشكلات ومن أهم تلك المشكلات هي أني لم أستطع الحصول على الموروث كقصائد متكاملة كما قليت في حينها “.

وتابع” وإنما تم تناقل هذه القصائد سماعًا فقط؛ وهذا الأمر تسبب في تداخل القصائد مع بعضها البعض في القرى والأرياف وتداخلت الأحداث وامتزجت فأصبح المتغني بهذه القصائد الشعبية يخلط في غنائه الكثير من الأبيات والأهازيج التي سمعها من هنا وهناك “.

وأشار الصوفي إلى أن السبب في ذلك يعود إلى” أن كل المواويل الشعبية في تعز لها نفس اللحن ونفس الموسيقى الغنائية وهذا الأمر جعل السامع أو المتغني بها يخلط بين أبيات المواويل ليصنع قصيدة جديدة “.وبين أن ” هذه القصيدة الناتجة تصبح مفرغة من مدلولاتها؛ لذا فهي تصبح لا تحمل حتى أدنى هدف اجتماعي، ولا تحوي بين طياتها على أي فكرة ناهيك عن كونها قصيدة غير متكاملة ولا أصل لها ولا هوية”.

ووضح الصوفي في حديثه لـ”يمن مونيتور” أنه” أثناء نقل القصيدة من الأجداد إلى الآباء كابر عن كابر سماعيًا لم يهتم أحد حينها أو يفكر في تدوين أو أرشفة  أصولها وهذا ما تسبب في تناثر أبياتها  هنا وهناك وتداخل القصائد مع نظيرتها من القرى المجاورة”.

وأكد أنه” بسبب هذا الأمر أصبحت القصيدة تبدو وكأنها لا تسمن ولا تغني من جوع لذا يتم إهمالها وتركها وعدم الاهتمام والتغني بها من قبل الأجيال المتأخرة”.

كل هذه الأسباب أخذت من الباحث عناء كبيرًا وجهدًا شاقًا ووقتًا طويلًا أثناء جمعه مادة كتابه، لاسيما أنه مر على أكثر من ثلثي مديريات وأرياف تعز خلال فترة الجمع والأرشفة لهذا الموروث الشعبي.

مورث شعبي جميل

بدورها تقول خولة الأحمدي، امرأة ريفية (65عامًا) ” كان الموروث الشعبي له صدى كبير قبل فترة طويلة من الزمن بعكس ما هو عليه الآن فقد نسي الكثير من الناس هذا الموروث وخصوصًا الفئة الشابة”.

وأضافت الأحمدي لـ” يمن مونيتور” كنا في السابق لا ننجز عملًا في الأراضي الزراعية إلا ونحن نتغنى بالمواويل الزراعية، و إذا ذهبنا لجلب الحشائش من الجبال كنا نعيش جو الملالاة بأدق تفاصيله ونشعر أن الملالاة هي تنفيس للنفس من الكربات وكانت الجبال تشهد الكثير من الأصوات النسائية في الملالاة وعادة ما تحدث مناظرة  بين النساء في هذا الجانب “.

وبينت أن” الملالاة تختلف من الفتاة الشابة إلى المرأة حديثة الزواج والمرأة المتقدمة في العمر؛ فالشابة تكون ملالاتها عبارة عن دعاء للأب والأم والأخ كقولها( واني فدا لَابي وانِي فدالُه.. ما عَدْ معيش غيره ولا بداله)، وأما المرأة حديثةُ الزواج فملالاتها كلها غزل وحب واشتياق، كقولها : ( منو يدق الباب من اللي ضاوى.. الحب وصل يرجم لي بالحلاوى) “.

وتابعت”  وأما  المرأة المسنة  فملالاتها عادة ما  تكون مليئة بالوجع كقولها (ياقلب مُتْسلي وقلبْ منْ ضاقْ.. وكيفَ شِتْسَلِّي وداخله احراقْ) وهنا شرح للوجع الذي يتوسط قلب المرأة المسنة والضنك الذي يعتريها”.

وأشارت إلى أن” الملالاة فيها الكثير من الشجن و كذلك مقت الغربة التي يغيبها الرجل عن أهله لسنوات عدة فهناك تضجر من المرأة  تجاه هذا الأمر كقولها( فرزة تعز لك بحر تغرقي به .. من خلف الحوبان نسي حبيبه)”.

وبينت أن” للرجل دور كبير في الملالاة وعادة ما تكون ملالاة الرجل تميل إلى الغزل والتغني بالمحبوبة  سواء كان هذا الرجل صغيرًا في السن أو عكس ذلك”.

وفيما يخص المهاجل الزراعية تقول خولة الأحمدي  لـ” يمن مونيتور” المهاجل الزراعية في تعز تختلف من موسم لآخر ففي موسم زراعة الذرة تختلف المهاجل من مرحلة لأخرى فعلى سبيل المثال وقت وضع الحبوب تحت التراب والتي نسميها عملية« الذري» فلهذه المرحلة مهاجلها  الخاصة بها”.

وتابعت” من مهاجل الذري، (نحن ذرانا والزراع الله) وكذلك  ( اندي الذري والحنذور واندي الدجاجة ذي جناحه مكسور) وهنا إشارة إلى أنه أثناء هذا الموسم يقوم صاحب الأرض بما يسمى «الحنذور » وهو عبارة عن غداء دسم يقدم للعمال عادة ما يكون فيه الكثير من اللحم والعسل والسمن البلدي، وهذا يكون  لأجل أن يبارك الله للمزارع بمحصوله”.

وأردفت” وأما بعدما يطلع الزرع و هو موسم  «الحجين»، الحفر جوار الزرع بعد المفارقة بينه «نزع الرزع الزائد» فمهاجل هذا الموسم تكون بين مجموعة من الرجال، ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص يقولون بصوت واحد( واجالب الخير جلبه  تشعشع نوره ياجلب) ويرد عليه فريق آخربقوله: ( واجالب الخير جلبه فتاح يارزاق ياجلب) وهنا تغني بهذا الزرع الذي ظهر وكأنه نور أشع  فأبهج المزارع”.

وهكذا يستمر المزارعون بأداء المهاجل الزراعية من بداية الموسم الذي يبدأ بقلب التربة استعدادًا  لوضح الحبوب فيها، حتى موسم الحصاد وهو الموسم الذي تعيشه الآن  الكثير   من مديريات محافظة تعز وعن مهاجل هذا الموسم تقول الأحمدي” من مهاجل الحصاد قولنا(  ليلبو واختي.. أين قيلتي .. لا صربتي الدخن ولا دجرتي) وبهذا المهجل سخرية من المرأة الكسول التي لا تقوم بأداء مهمتها بشكل سريع”.

وبينت أنه” لكل مرحلة مهاجلها الخاصة وأنه من المعيب جدًا على المتغني أن يخلط  ويتغني بمهاجل موسم معين في موسم آخر أو أن يتغني بأهازيج الصباح في المساء أو العكس”.

وتقول الأحمدي”  للصباح أهازيجه الخاصة كقولنا ( واصباح اللي تبكر.. سالية ماهيش ضجر) ومن مهاجل المساء  قولنا ( والله ما اروح إلا وقاهو ليل.. ليلبو والله ليلبو وا ليل)”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى