أخبار محليةفكر وثقافة

حضارة اليمن بين واقع صعب وماض في “المزاد العلني”

يمن مونيتور/اندبندنت

لا تقتصر أزمات اليمنيين على زمنهم الحاضر، ولكنها امتدت لتطاول ماضيهم المشرق الذي لم يحافظ عليه الأحفاد، حتى بات تاريخ الأجداد عرضة للمتاجرة العلنية والبيع في مزادات الدنيا لتمثل نهاية تراجيدية لإرث واحد من أبرز البلدان غنى بحضاراته القديمة.

وعلاوة على حالة التسيب التي طاولت الإرث الإنساني ومواقعه منذ عقود، شكلت الحرب التي أشعلتها ميليشيات الحوثي عامل هدم إضافياً بلغ تهريب القطع الأثرية والمخطوطات والمتاجرة بها خارج البلاد وهذه المرة في مزاد علني.

في هذا الصدد عرضت عدد من المتاحف العالمية في مزاد عالمي بيع أكثر من 40 قطعة أثرية “ذهبية وبرونزية” من تاريخ اليمن القديم ستعرض في الـ30 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وكشف الباحث الأثري عبدالله محسن في منشور بصفحته على “فيسبوك” عن عرض “دار مزادات تايم لاين في لندن ما يزيد على ستة آلاف قطعة أثرية من أنحاء العالم منها (110) قطع أثرية مصرية، وأكثر من (40) قطعة ذهبية وبرونزية من آثار اليمن القديم”.

وأشار إلى أن القطع الأثرية من مجموعات تجار آثار من فرنسا وبريطانيا واليابان وإسرائيل، أبرزهم شلومو موساييف.

بيع المادي والمعنوي

وأكد محسن أن من المعروضات آثاراً على هيئة جمل مصنوع من سبائك النحاس مع نقوش بالغة التعقيد في أحد جانبيه، بحسب وصف المزاد، من القرن الثاني أو الثالث الميلادي، وزنه (104) غرامات، استحوذت عليه مجموعة فرنسية في الثمانينيات، وقد أرسلت صورته إلى أحد المتخصصين في هذا النوع من الآثار لدراسته.

وأضاف “من ذات المجموعة الفرنسية يعرض تمثال جمال مع جمله المصنوع أيضاً من سبائك النحاس من القرن الثاني إلى الأول قبل الميلاد وارتفاعه (8 سم) ويزن (120) غراماً”.

أما المجموعات الذهبية فيوضح الباحث محسن أن “شركة المزادات عادة فإنها تكتب اسم الدولة التي تنتمي الآثار الذهبية إليها مثل فارس والعراق ومصر، إلا اليمن فإنها تدرجها غالباً تحت مسمى عام (ذهب غرب آسيا)”.

ولفت إلى أن اليمن إحدى أبرز دول هذا النطاق الجغرافي التي لها تسمياتها المستقلة في المزاد دون اليمن، مضيفاً “بمطابقة الآثار الذهبية من هذا النوع مجهولة الدولة بمجموعات الذهب اليمني في المتحف البريطاني وجدت أنها متطابقة معها، مما يؤكد أنها من اليمن”.

تقاسم التاريخ

وأورد أرقاماً يمكن الرجوع إليها للحصول على معلومات إضافية منها الرقم المرجعي في المتحف البريطاني (136818) أو رقم التسجيل (1977,0226.20) وإلى مجموعات الذهب المهداة والمبيعة من شريف “أمير” بيحان حسين الهبيلي إلى الضابط البريطاني نيكولاس رايت.

وكان الهبيلي اشترط على بعثة ويندل فيلبس أن له أي تحف من الذهب يتم اكتشافها وللبعثة بقية الآثار، مما يدعو إلى السخرية وإلى الحزن في الوقت ذاته، وفق محسن.

وبين حين وآخر تعرض مواقع متخصصة بالمزادات العالمية بيع مجموعة كبيرة من قطع آثار يمنية نادرة وقيمة منهوبة.

عوائق وإمكانات

تعليقاً على الحادثة، يقول سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونيسكو” محمد جميح، إن في الدول التي تعاني ما نعانيه من نهب وسرقة وتهريب للآثار تتوفر لديها هيئات مخصصة وشرطة لحماية الآثار ومنع تهريبها.

ويضيف “في اليمن نعاني غياب هذا الأمر بسبب ارتخاء القبضة الأمنية خلال الحرب وما قبلها، مما أدى إلى خروج كثير من الآثار المهمة التي منها نقوش تؤرخ لفترات من تاريخ اليمن القديم”.

يوضح أن هذه الإشكالات “موجودة منذ ما قبل الحرب فكيف ستكون الحال في زمن الحرب والصراع والانقسام؟”.

 

في شأن المعالجات الحكومية يؤكد أن الأمر “ليس بالسهولة التي يقوم بها فرد أو مسؤول في الداخل أو الخارج، ولكن هذا يحتاج إلى هيئة متكاملة تتحمل مسؤولية منع خروج الآثار ومتابعتها في حال خروجها”.

بين الهبات والعلاقات

يشير إلى أن عملية الحماية تحتاج أيضاً إلى “رصد يحتاج إلى أموال كثيرة، لأن الآثار التي هربت وعرضت في مزادات لا نستطيع أن توقف بيعها ما لم يكن لديك أمر قضائي، والأمر يحتاج إلى تحقق لإثبات ملكيتك”. يضيف “وحتى في حال الإثبات لا بد من التحقق من أنها خرجت من البلاد بطريقة غير مشروعة أو الاتجار غير المشروع بالآثار، لأن بعض الآثار خرجت بطرق مشروعة”.

عن هذا الأمر يوضح أن “هناك آثاراً أعطيت للسياح وغيرهم كهبات، كما هي الحال في فترة السلاطين خلال فترة الاستعمار البريطاني والحكم الإمامي، وهذا الأمر نواجهه في بريطانيا وأميركا لأنها خرجت بتصريح معترف به حينها، فلا بد من إثبات هذه القطعة بأنها يمنية وأنها خرجت بطريقة غير مشروعة، ثم تأتي الخطوة الثالثة المتعلقة بالمقاضاة التي تقوم بها شركة محاماة دولية وفي هذه الظروف لا نستطيع توفير الأموال اللازمة لهذه الشركات”.

عن الحلول المتاحة لهم كهيئات حكومية معتمدة ومعنية يقول إن “كل ما نستطيع استعادته سيأتي في إطار العلاقات الثنائية والاتفاقات بين دولتين، كما حصل مع النموذج الأميركي عندما أعادت الولايات المتحدة أكثر من 70 قطعة وممتلكاً ثقافياً يمنياً، تسلمتها السفارة اليمنية في واشنطن وكذلك في فرنسا تم التحفظ على 17 قطعة لحين البت فيها قضائياً”.

من ضمن الحلول اللازمة يعتقد جميح أن أهمها “إبرام اتفاقات أو مواثيق بيننا وبين عدد من الدول التي تهرب إليها قطع أثرية كما هي الحال بالاتفاقات المتعلقة بالمطلوبين للعدالة على سبيل المثال”.

وتعرضت الآثار والمخطوطات اليمنية لعملية تجريف ونهب وتهريب إلى خارج البلاد منذ عقود ولكنها تضاعفت خلال الأعوام الأخيرة، وجرى بيعها في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل.

وكانت الحكومة الشرعية قد قالت في وقت سابق إنها ستتبع كل الخيارات لاستعادة مئات القطع الأثرية المهربة من البلاد، بعد أن رصد بعضها معروضاً للبيع في مزادات تجارية بأوروبا.

وتتهم الحكومة ميليشيات الحوثي بنهب وتدمير عدد كبير من المواقع الأثرية والتاريخية التي تقع تحت سيطرتها والتورط في تهريب كثير من القطع الأثرية لتمويل مشاريعها.

ولم يصدر عن الحوثيين أي تعليق إزاء هذه التهم.

وفي وقت سابق، قال أمين العاصمة صنعاء في الحكومة الشرعية، عبدالغني جميل، إن الميليشيات هربت وأخفت ما يزيد على 14 ألف مخطوطة يمنية نادرة ومئات القطع الأثرية.

وفي عام 2021 نهبت عصابات محتويات متحف “ظفار” في محافظة إب (وسط البلاد) من بينها مقتنيات أثرية تعود إلى عهد الدولة الحميرية التي حكمت اليمن بين عامي 115 قبل الميلاد و752 ميلادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى