أخبار محليةاخترنا لكمالأخبار الرئيسيةتقارير

الأعراف القبلية والمؤسسات القضائية.. تبدّل الأدوار في ظل الحرب اليمنية (تقرير خاص)

يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص

ينتظر الشاب محمد الشرعبي الفرصة المناسبة، لأخذ ثأره ممن قتل أخاه قبل أكثر من عام بتعز (جنوب غرب اليمن)، بعد أن فرّ من المدينة إلى مناطق سيطرة جماعة الحوثي.

يقول الشرعبي لـ”يمن مونيتور” إنه وبرغم أن كل الأدلة المتوفرة تدين القاتل الذي أصبح معروفا لدى الجهات الأمنية والقضائية، لكنها لم تستطع عمل شيء بعد أن هرب إلى مناطق واقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي بتعز.

وتنفذ من حين لآخر بعض القبائل عمليات إعدام لأشخاص قاموا بالقتل يتم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي، بحجة حقن الدماء في ظل غياب الدولة، لكن آخرين يستشعرون خطورة ذلك، خاصة أنه يمكن أن يفتح الباب واسعا أمام ثارات مستمرة.

دفع الوضع الحالي، وغياب الدولة في البلاد، وضبابية الواقع، الشرعبي للتفكير بشكل جاد، بالثأر لأخيه بنفسه، حين يعثر على قاتله، برغم الجدل الكبير الذي يُثار حول ذلك.

 

جريمة أخرى

ويكاد يغيب دور الأجهزة الأمنية والقضائية في مختلف محافظات اليمن منذ اندلاع الحرب. لكن وبحسب المحامي والناشط الحقوقي ياسر المليكي، فإن تنفيذ أي جهة ليس لها مشروعية دستورية في تنفيذ أية جزاءات، هو جريمة تندرج في إطار الفوضى الحاصلة في البلد.

ويرجع السبب في ذلك كما أوضح لـ”يمن مونيتور”، إلى أن ذلك الأمر، هو حكرا على القضاء الشرعي وحده، المكون وفقا لسلطة دستورية، واصفا تنفيذ أي أحكام عن طريق أي جهة مسلحة غير قانونية، بأنه “جريمة” بكل المقاييس، وهو تعبير عن حالة الفشل في غياب الدولة، ويوحي إلى أننا ننحدر إلى وضع سحيق ومعتم في الجانب القانوني المتعلق بالقضاء وتنفيذ أوامره.

يؤكد بدوره مدير المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) عبدالرحمن برمان، أن القتل من القضايا الجسيمة التي لا يسمح ولا يجيز فيها القانون التحكيم، ولا يجوز لغير مؤسسة القضاء أن تجري التحقيق والمحاكمة وتنفيذ الأحكام.

ويرى في حديث له مع “يمن مونيتور” أن تنفيذ الأحكام عن طريق القبائل هو جريمة قتل، خارج إطار القانون.

 

سيادة الفوضى

ويحذر المحامي المليكي، من خطورة قيام بعض القبائل بإصدار أحكام وتنفيذها، كون ذلك يؤهل لسيادة الفوضى وحكم الغاب، حسب تعبيره. مستطردا “إذا لم يكن هنالك التزام بما يقرره القضاء سيما في أحكام الحدود والقصاص، فإن ذلك سيجعل الكثير يأخذون حقوقهم بأيديهم دون اللجوء لوسائل إنفاذ القانون”.

وتابع “ما نشاهده اليوم من حوادث قتل، يكون بعضها بسبب ثارات وأعمال انتقامية، لأمور لم تؤخذ بالقانون، فيلجأ المتضرر لأخذ حقه بيده، ما يعني أن الثارات ستصبح يوما ما، هي المتسيدة على لغة القانون، ولن تستطيع أجهزة الضبط في كل السلطات الموجودة في اليمن احتواء هذه الجريمة”.

من جانبه، يعتبر المحامي برمان أن ما يحدث هو انتهاك لحق الإنسان بالحياة، فالقبائل دائما يستعجلون في تنفيذ الأحكام، وغالبا ما يتم الإعدام بنفس يوم القتل، فيُحرم القاتل من حقه الذي أعطته الشريعة بإمكانية الحصول على فرصة للعفو والمسامحة من قِبل أولياء الدم.

وأضاف “لا يمكن للقبيلة أو لشيخها، أن يجري التحقيقات التي يمكن أن تقوم بها الأجهزة الأمنية المختلفة المختصة، فهي تطلب أدلة وخبراء وتطبق قوانين وأحكام الشريعة، والقبائل لن تستطيع القيام بذلك، ولذلك فالقانون لا يجيز لها ذلك، ويصبح من واجب النيابة العامة -حتى دون بلاغ- أن تحقق بأي جريمة تقع وتكشف ما حدث”.

 

الحل والصلاحيات

يبدو إيجاد حل في الوقت الراهن لمثل هذا الإشكالية صعبا بخاصة مع تسييس القضاء، ولذلك فالمحامي المليكي، يعتقد أن الحل يكمن بإنهاء هذا الوضع المأزوم في اليمن وإنهاء الحرب، وفي حال عدم حدوث ذلك، يدعو الناشط الحقوقي كافة الأطراف للعمل على توحيد سلطة القضاء، ودعوة كافة الاتحادات الدولية، ومكتب المبعوث الأممي إلى البلاد، في أن يكون من أولى اهتماماتهم توحيد القضاء.

لأن ما ينتج عن القضاء بشكله الحالي -سيما في مناطق الحوثيين- هو أمر غير قانوني، خاصة ممن عينتهم سلطة الجماعة، ويصبح توحيد القضاء ليستمد سلطته من مرجعية قانونية ومشروعية هو الواجب، الذي ينبغي أن نعمل عليه جميعا اليوم، وفق المليكي، الذي أكد أيضا أنه وبدون وحدة القضاء وجعله سلطة مستقلة عن نفوذ كافة الأطراف، فإن ذلك سينتج اثارا مدمرة للمجتمع وسيذيب كل سلطة القانون لصالح سلطات الفوضى وقوة السلاح

يتفق مع ذلك المحامي برمان الذي بيَّن أن على القبائل أن تتحفظ على المتهم وتسلمه إلى الجهات المختصة، فالقانون أجاز لشيخ القبيلة او عاقل القرية أن يكون مأمور ضبط، مهمته ضبط المتهم، والاحتفاظ بالأدلة، وتسجيل الوقائع، وأسماء الشهود وغيره، ليتم بعد ذك إحالة القضية إلى الأجهزة الأمنية والقضائية المختصة.

ولفت إلى أن القانون أيضا يسمح للقبائل أن تتدخل وتقوم بدور الوسيط عند صدور الأحكام أو حين تكون القضية منظورة أمام القضاء، وذلك لإقناع أولياء الدم بالتنازل لوجه الله أو بمقابل مادي. مشددا مرة أخرى بأنه لا يجوز لها المحاكمة أو تنفيذ الأحكام على المتهم.

وأدى غياب الدولة واستمرار الحرب، إلى ظهور سلطات أمر واقع عديدة في اليمن، وحدوث فوضى أمنية، وترحيل كثير من القضايا عاما بعد آخر دون صدور حكم فيها. ففي بعض المحافظات الجنوبية، تتوقف من حين لآخر النيابات والمحاكم عن العمل بشكل جزئي، ولأسباب عديدة بعضها سياسية، بينما في مناطق الحوثيين فتتم محاكمات بعضها سرية، وتنفذ أحكام حتى بدون وجود أدلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى