آراء ومواقف

اليمن.. الرهان على الإدراك المتأخر!!

علي ناجي الرعوي

ربما يكون مفيداً أن نقول: إن الذين ركبوا قطار الجولة الثالثة من المفاوضات اليمنية التي تستضيفها دولة الكويت الشقيقة قد دخلوا إلى طاولة الحوار منذ أكثر من أسبوعين من بوابة واحدة لكنهم عندما جلسوا على هذه الطاولة لم يكونوا جميعا على هدف واحد أو ينطلقون من مرجعية واحدة أو تجمعهم مشتركات وطنية معينة ولذلك فقد ظهرت نقاشاتهم ومقارباتهم مسكونة بطابع عدم الانسجام والتقاطعات والتكتيكات السياسية والنزعة الاستئثارية لذا كلما اقتربوا من نقاط وقضايا الحوار الأساسية اندفعوا نحو بحر من
ربما يكون مفيداً أن نقول: إن الذين ركبوا قطار الجولة الثالثة من المفاوضات اليمنية التي تستضيفها دولة الكويت الشقيقة قد دخلوا إلى طاولة الحوار منذ أكثر من أسبوعين من بوابة واحدة لكنهم عندما جلسوا على هذه الطاولة لم يكونوا جميعا على هدف واحد أو ينطلقون من مرجعية واحدة أو تجمعهم مشتركات وطنية معينة ولذلك فقد ظهرت نقاشاتهم ومقارباتهم مسكونة بطابع عدم الانسجام والتقاطعات والتكتيكات السياسية والنزعة الاستئثارية لذا كلما اقتربوا من نقاط وقضايا الحوار الأساسية اندفعوا نحو بحر من المجهولات والمسارات المتشابكة التي انعكست سلبا على كل المحاولات المبذولة من اجل إخراج هذه المفاوضات من دائرة المراوحة والجمود مع ما تفرزه بوصلة هذه الرتابة من مغذيات الانسداد التي تبدو اليوم شاخصة أمام مسارات الحوار والجهود والمساعي الخيرة التي تبذلها دولة الكويت ومعها الدول الخليجية بهدف إيقاف نزيف الدم اليمني المتدفق الى درجة صار التخوف الأبرز يتمثل الآن في قابلية هذه الجولة من المفاوضات للانتكاس على غرار الجولتين السابقتين خاصة مع المنحى التصاعدي من الخلافات والتباينات بين أطراف الحوار التي لا ترى الوجه الآخر للحقيقة.

كان واضحاً ان الأطراف اليمنية التي ذهبت الى الكويت لخوض جولة جديدة من المحادثات الثنائية برعاية الأمم المتحدة قد توجهت الى ذلك البلد الشقيق حاملة معها تفاصيل رحلة صراعاتها التي أوغلت فيها حتى الثمالة بما يعني انها لم تكن على توافق حول معظم القضايا المطروحة على طاولة النقاش وان وجهات نظرها غير متطابقة بشأن وسائل وآليات الحل وإطلاق عملية سياسية شاملة وفقا للمرجعيات الثلاث والمحددة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالأزمة اليمنية وعلى وجه الخصوص القرار 2216 وبالتالي لم يكن منتظراً من تلك الأطراف التوصل الى إتفاق يضع حدا نهائياً لتداعيات الحرب اليمنية في اليوم الاول للمحادثات لعلمنا ان لكل طرف منها تفسيره الخاص لتلك المرجعيات وكذا مفهومه للجهات المخولة بتسلم السلاح وادارة المرحلة الانتقالية التي ستقود اليمن الى الوضع الامن والمستقر وعلمنا ايضا من ان هذه الرزمة من القضايا الخلافية هي من تحتاج فعلاً الى الكثير من الوقت فضلا عن التحلي بالشجاعة من قبل اطراف الحوار وقيامها بوضع الحسابات السياسية الضيقة جانبا والتفكير في واقع الحال المضطرب في اليمن واستشراف المستقبل الخطير الذي قد يحيق به اذا ما استمرت الرهانات المتناقضة في كواليسهم تكبر وتتصادم بمقدار ما تكبر الأحداث والصدامات في ساحتهم الوطنية إلا ان ما لم يكن متوقعا من تلك الاطراف هو الوقوف في اتجاهين متضادين على طاولة الحوار كما بدا الأمر في الأيام الماضية.

اذا انه ومع تواصل المفاوضات فقد وجدنا ان كل طرف من اطراف النزاع اليمني يسعى الى البحث عن موقع له او دور او مصلحة دون ما فهم او استيعاب ان الدوران في هذا الفلك الضيق انما هو الذي سيقود اليمن بشكل مباشر او بغير مباشر الى حافة الضياع والتفتت والتمزق والسقوط في دوامة الحروب الأهلية التي لا يعلم إلا الله أين ستنتهي به بل ان امعان هذه الاطراف في الخصومة لن يؤدي فقط باليمن الى مثل هذا المصير من التيه الاستراتيجي والاعتلال السياسي والاجتماعي وانما الى ما هو ابشع وأخطر من المتاهة الصومالية او الليبية او السورية بالنظر الى حجم المشكلات التي تتجاذب هذا البلد وهشاشة مناعته الداخلية التي تراكمت بفعل النزاعات البدائية والغرائزية والانقسام المجتمعي وانتشار فكر التطرف مع انتعاش تنظيم القاعدة مجدداً وارتفاع الدعوات الانفصالية لبعض القوى الجنوبية التي ذهبت حد القول ان اعادة تقسيم اليمن الى شطرين كما كان الوضع قبل الوحدة هو الحل الوحيد لأزمة الجنوب واليمن ككل.

لذا ليس من الحكمة أبدا إضاعة الفرصة التاريخية الأخيرة التي وفرتها محادثات الكويت أمام أطراف النزاع اليمنية للتوصل الى حل من خلال الحوار بعد ما ايقن الجميع ان المضي في دروب المجهول هو اقرب الى الانتحار والانهيار العريض الذي قد يدفع بهذا البلد الى حالة من التفكك لم تشهدها دولة حديثة من قبل: ورغم كل ذلك سيبقى الرهان على إدراك أطراف النزاع اليمنية حتى وإن تأخر الوقت على ان لا مفر من السلام في نهاية المطاف وان ما يعول عليها في هذه اللحظة الفارقة هو الاحتكام للعقل والمنطق وتجاوز حسابات الربح والخسارة والجدليات العقيمة وتغليب المنطلقات الأعم والأشمل لليمن الآمن والمستقر.

نقلا عن الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى