غير مصنففكر وثقافة

اليمن في السرد الروائي والقصصي وسرد المذكرات

يتضمن هذا الكتاب “مدارات نقدية وتناولات في السرد” للناقد محمد ناجي أحمد والصادر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر عددا من القراءات النقدية لعدد من النصوص السردية اليمنية بين أعمال كاملة ونصوص قصصية أو روائية، بدءاً بـ “الدلالات الوطنية والاجتماعية في أعمال: زيد مطيع دماج”، وفي هذه القراءة وكذلك في “قراءة في نصوص مختارة من الأعمال الكاملة لمحمد عبدالولي:”، كان الحس التاريخي حاضرا بقوة سواء فيما يتعلق بتاريخ السرد في اليمن، أو بتاريخ الموضوع السردي وهو نقد الحياتين السياسية والاجتماعية. يمن مونيتور/ميدل ايست اونلاين
يتضمن هذا الكتاب “مدارات نقدية وتناولات في السرد” للناقد محمد ناجي أحمد والصادر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر عددا من القراءات النقدية لعدد من النصوص السردية اليمنية بين أعمال كاملة ونصوص قصصية أو روائية، بدءاً بـ “الدلالات الوطنية والاجتماعية في أعمال: زيد مطيع دماج”، وفي هذه القراءة وكذلك في “قراءة في نصوص مختارة من الأعمال الكاملة لمحمد عبدالولي:”، كان الحس التاريخي حاضرا بقوة سواء فيما يتعلق بتاريخ السرد في اليمن، أو بتاريخ الموضوع السردي وهو نقد الحياتين السياسية والاجتماعية.
وقد انقسم الكتاب إلى بابين الأول تناول الأعمال السردية الروائية والقصصية والثاني تناول سرد المذكرات، في الأول كانت أعمال زايد مطيع دماج ومحمد عبدالمولى، و”مصحف أحمر” لمحمد الغربي عمران، ومجموعة “كانت تأخذني التفاصيل” للقاصة مها صلاح، و”دخول المنطقة الآلية” قصص عبدالوهاب الحراسي، وكتاب “دوائر الماء” قصص قصيرة، يتكون من إحدى وعشرين قصة قصيرة، للقاصة سلمى الخيواني، و”يحكي أن سيكون ولا ينظرون للأعلى” مجموعة قصصية للقاصة أسماء المصري، وفي سرد المذكرات يحلل مذكرات اليساري المصري رفعت السعيد في جزئيها الأول والثاني، وكتاب “مذكرات الرئيس القاضي عبدالرحمن بن يحيى الارياني ـ الجزء الأول 1910-1962 والجزء الثاني 1962 -1967، وكتاب “شاهد على الحركة الوطنية يحيى مصلح مهدي، سير ته ونضاله”.
قدم للكتاب الناقد د. صادق القاضي مشيرا إلى أن الفعل النقدي إبداعٌ موازٍ للفعل الفني. يفترض هذا أن يكون الخطاب عن الخطاب – وإن اختلفت الأدوات – بذات الدرجة من الاحترافية، كما يفترض أن يكون محيطاً بتاريخ العملية الإبداعية، ومبشراً أو على الأقل مواكباً لتحولاتها المستمرة.
والحاصل أن التمايز الماثل في السياق الإبداعي ماثل في السياق النقدي، وبشكل محبط كثيراً، خاصة في اليمن، حيث الانشغال بالإيديولوجيا والانطباعات بعيداً عن موضوعية البنى النصية وهموم وانعكاسات وفضاءات العمل الإبداعي.
في هذا المقام تمثل “مدارات نقدية” لمحمد ناجي أحمد، نموذجاً للندرة النقدية، حيث الممارسة النقدية المسئولة المتمكنة من موضوعها بشكل خاص، والمؤدية لوظيفتها الحيوية في خلق كينونة العملية الإبداعية وديناميكيتها وتطورها بشكل عام.
ويلفت د. القاضي إلى أن المزاوجة بين الفن والسياسة تفرض نفسها هنا بشكل خاص، من واقعها الموضوعي في التاريخ اليمني والبيئة الاجتماعية الطافحة بالإحباطات والانتكاسات والقوى التقليدية والمظالم بقدر ثرائه بالأعمال الأدبية المنحازة للثورة وفق المرجعيات والأدوات والقيم الفنية والجمالية في مقاربة إشكالات وطموحات الواقع والتبشير بالمستقبل، والدفع بالحياة لأن تكون أفضل.
ويضيف منذ مخاضه الحديث في اليمن، خاض السرد خضم الحياتين العامة والسياسية وملاحم التغيير بنتاجات إبداعية تكشف عن تشبعها المبكر برياح التغيير، وتبنيهما لقضايا العصر، والمفهوم الحداثي للثورة كتحولات جذرية شاملة في قيم التفكير والتعبير والممارسة والتداول والعلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. الحاكمة، والثقافة المنتجة لها.
الكتاب تضمّن أيضاً قراءات نقدية لعدد من الأعمال القصصية لمبدعين معاصرين، مشهورين أو شباب وشابات في أعمالهم الأولى، وتفضي عناوينها البارعة إلى قراءات متعددة المضامين والزوايا والأدوات المنهجية، وفي جميعها تمكن المؤلف بحسه التاريخي وثقافته الموسوعية، من إثراء قراءاته بالومضات الكاشفة والمقارنات وإعادة إنتاج المعنى، وجعلها عتبات عالية الكفاءة في ولوج النصوص السردية وتفكيكها، وإضاءة دهاليزها وأبعادها وجذورها ووشائجها التناصية.
تناول الناقد محمد ناجي الدلالات الوطنية والاجتماعية في الأعمال السردية الكاملة لزيد مطيع دماج حيث رأى أن نصوص زيد تجسدت بدلالاتها الوطنية في العديد من نصوصه مثل: العقرب، وثورة بغلة، وخلف الشمس بخمس، والبُدَه، وقطط الإمام، والرهينة، وطاهش الحوبان.. إلخ. وتأتي نصوص أخرى: وقِّف على جنب ـ وحكاية اللقية ـ وأحزان البنت مياسة ـ والمجنون ـ وأول المنتحرين ـ والرحلة، والرمال العابرة ـ وبياع من برط.. إلخ على سبيل المثال لتعبر عن دلالة الصراع الاجتماعي .
 
ويقول “تأتي المدرسة الأحمدية والانبهار والدهشة لتعكسا العلاقة الجدلية بين البعد الوطني والبعد الاجتماعي، وهذا لا يعني أن هذا التوصيف والتقسيم الإجرائي ينفي حضور الدلالات الوطنية والاجتماعية وتداخلها في معظم النصوص السردية لزيد، لكنني قمت بهذا الإجراء على أساس الدلالة الأبرز في كل نص. فتداخل الدلالات نجده على سبيل المثال في مجموعة طاهش الحوبان في نصوص: ليل الجبل، والعسكري ذبح الدجاجة والذماري.. إلخ .
لقد كان الخطاب الوطني متمحورا حول كشف وتعرية زيف الحكم الإمامي واستبداده وهشاشته ومنطلقاته التي تعتاش على المقدس كرأسمال في الحكم، يتمثل في الحق الإلهي في مقابل حق الشعب في حكم نفسه بنفسه .
يتجسد الخطاب القصصي الاجتماعي في تصوير طبيعة الصراع مع قوى المشيخة، ورفض التراتبية الاجتماعية التي تستغل عرق الفلاحين وجهدهم، ورفض العادات والتقاليد التي تمجد الثأر، وتعيب الانتاج، ومظاهر المدنية، وتمجد ريع الحرب، كما نلمسه في نص (بياع من برط).”.
ويوضح أن كل من علي باذيب ومحمد عبدالولي، وصالح الدحان كتبوا أقاصيصهم الأولى في ظروف إرهاصات ثورة سبتمبر، كما كتب هؤلاء وغيرهم عشرات القصص في ظروف مخاض الثورة المسلحة على جبال جنوب البلاد، وفي حواري وساحات المدن الرافضة للمحتل الغريب بحسب ما جاء في مقدمة “الأعمال القصصية الكاملة” لزيد مطيع الصادرة عن تريم عاصمة الثقافة الإسلامية 2010 ـ وزارة الثقافة ـ أي إن السرد في اليمن مرتبط بالثورة كقضية سياسية واجتماعية، لهذا لم يكن ميلاد القصة اليمنية في بداية ثلاثينيات القرن العشرين وأربعينياته، سواء في مجلة (الحكمة) أو صحيفة (فتاة الجزيرة) مسألة ترف في الحكي, إنما تواز مع بذور القضية الوطنية والاجتماعية اليمنية في الشمال والجنوب عند المحلوي والعزب ولقمان والجفري وباذيب..إلخ.
لهذا كانت نصوص زيد في تعبيرها عن الأوضاع في المدن والريف والثورة مستجيبة ومتفاعلة مع متطلبات واحتياجات الإنسان اليمني على اختلاف انتماءاته الاجتماعية، ومتأثرة في الوقت نفسه بالأفكار القومية سواء من خلال تأثيرات الخطاب الناصري المباشر على زيد أثناء دراسته الإعدادية والثانوية بمصر، أو أفكار حركة القوميين العرب، أو حزب البعث الذي لم يكن بعيدا عنه كون الكثير من زملاء دراسته وسكنه الطلابي كانوا بعثيين، ولأن أباه المناضل مطيع دماج كان من الرعيل الأول للحركة الوطنية في اليمن، ومن رجالات حركة القوميين العرب.
ويقرأ الناقد محمد ناجي في نصوص مختارة من الأعمال الكاملة لمحمد عبدالولي، بادئا بشذرة من رواية “صنعاء مدينة مفتوحة” وهي رواية يشير اسمها إلى واقعة تاريخية تتمثل في دخول القبائل لنهبها عام 1948، ويشير في دلالة أخرى إلى الوعي السينمائي لمحمد عبدالولي، فالاسم كان لفيلم إيطالي “روما مدينة مفتوحة” وهي ولوج اجتماعي إلى قضية الانسان اليمني، حين كان في قرى الحجرية، وغادر أرضها الشحيحة بالزراعة، هربا من قسوة الضرائب، وجهل الناس.
ومن مدينة صنعاء القديمة حين انهارت حياة كاملة للصنعاني مع دخول البرابرة من القبائل مستبيحين المدينة. هي قصة البحار الذي غادر قريته في الصلو إلى زبيد، ثم هرب منها بعد أن شاهد بذخ العيش والخيانات الأسرية داخل قصر الحاكم والعامل، حين يكون العامل في خريف عمره وزوجته في مقتبل الحياة.
حكاية الحاج علي، صاحب المقهى، وكدح محمد مقبل، الستيني، صاحب نعمان وابن قريته. هي قصة نعمان مع هند وفتاة الجبل، وزينب، موقفه من أبيه وأمه، وأخيه سيف، والمشعوذ الذي يستغل جهل الناس، ويختلس أموالهم. قصة قسوة الضرائب، وجفاف الأمطار، وجرف التربة الزراعية. قصة الموت والحياة .
ويرى المؤلف أن السرد لدى محمد عبدالولي يتميز بالواقعية التي تستخدم الأحداث التاريخية، لتوضح مأساة الإنسان، وصراعه مع قسوة الحكام والمرض والجهل .هنا يصبح التاريخ سردا يوظِّف لغة الاستعارة والخيال، مع الاقتراب من الواقع، بما يجعل السرد أكثر واقعية من الواقع، لأنه تهدف إلى التحريض، والتثوير والتغيير.
مقطع من حوار بين “زينب” و”نعمان” حين طلبت منه نسيان موت زوجته هند، والبدء في الحب، لكننا إن جردناه من دافعه، يصبح حوارا فلسفيا من مومس أرادت أن تَنسى وأن تُنِسي، وتحب: “شكرا يا عزيزتي.. كل ما أريده هو أن أنسى.. لا أن أحب..
– النسيان عملية صعبة.. ولكن الحب شيء بسيط.. اسمع مني إذا أردت أن تعيش فأحب الناس.. انس أخطاءهم، ومعاملتهم.. وهبهم حبك.. عندئذ فقط تستطيع أن تنسى وأن تعيش”.
مقطع آخر:
“يقول الصنعاني: دائما.. إننا نهرب.. تلك هي الحقيقة. لأننا نجد فراغا.. قاتلا في داخلنا.. إن الزعماء.. أو الذين يقولون إنهم زعماء هم أيضا مجرد أناس شعروا بالفراغ في داخلهم.. فأرادوا.. أن يظهروا. ونحن لا نمانع من ظهورهم. ولكن لا على أساس العقد التي تعيش في داخلهم.. ولا على مركب النقص الذي يشعرون به. إننا يا بني نريد عملا حقيقيا.. جماعيا.. لأن تلك هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع أن نأخذ بها حقنا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى