أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتراجم وتحليلاتكتابات خاصة

ما يعنيه وفاة الرئيس الإيراني لمحور المقاومة؟!

خسرت إيران، يوم الأحد 19 مايو/أيار، رئيس الجمهورية والخليفة المحتمل للمرشد الأعلى علي خامنئي الذي يمثل حجر الزاوية في النظام الحالي البالغ من العمر 85 عاماً. وتلقى النظام ضربة قوية بمقتل إبراهيم رئيسي، الذي توفي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر إلى جانب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.

وحتى قبل الإعلان الرسمي لوفاتهما كانت رسائل التضامن ومحاولات تقديم المساعدة قادمة من دول المنطقة. وعند وفاته بعثت دول مجلس التعاون الخليجي رسائل عزاء رصينة. وأرسلت كبار مسؤوليها إلى طهران لتقديم المواساة، ما يعكس حالة التوافق الإقليمي الذي سعى إليه رئيس إيران ووزير خارجيته. أما محور المقاومة؛ فأعلنت سوريا ولبنان الحداد ثلاثة أيام، وأجل الحوثيون الاحتفالات بالوحدة اليمنية سبعة أيام.

فلا ينبغي لمقتلهم أن يغير السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية في المنطقة؛ لا في دعمها لحلفائها في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، ولا في رغبتها في الحفاظ على الوفاق مع دول الخليج.

لكن تضحيم الرسائل القادمة من “محور المقاومة” لدور الرجلين اللذين لعبا دوراً مهماً في سياسة إيران التوسعية أكثر من مجرد تعازٍ، بل هي علامة على احترام المرشد الأعلى علي خامنئي، صانع القرار الحقيقي في إيران الذي فقد أكثر رجلين خدمة وولاء داخل البلاد، وكان يتم صناعتهما بعناية لوراثة منصب المرشد الأعلى ورئاسة البلاد. فرئيسي وعبداللهيان أكثر الرجال الأصوليين يؤمنان برؤية المرشد الأعلى فيما يخص محور المقاومة وتمكين الحرس الثوري في الداخل والعمليات الخارجية لفيلق قدس الذي تخضع لقيادته المباشرة.

وليس هناك أي شك في أن الخط المتشدد لتصدير الثورة الذي وضعه النظام لنفسه سيظل على حاله دون تغيير لأنه يعمل في فراغ لا يسمح بأي شيء سوى التكاثر الذاتي، وهو الفراغ الذي لا يمكن للإيرانيين إلا أن يشعروا بأنهم مستبعدون منه. فخلال السنوات القليلة الماضية جرى استبعاد من يوصفون بالإصلاحيين الذين يختلفون في طريقة إدارة معارك الخارج وصلاحيات الحرس الثوري لصالح التيار الأصولي؛ فمعظم الذين في دائرة السلطة مع رئيسي يكادون يتطابقون في الرؤى حول إدارة السلطة وتصدير الثورة.

والنظرة أن السلطة التنفيذية (رئاسة البلاد والحكومة) لا تؤثر في سياسات إيران بسبب وجود المرشد هي قاصرة؛ فخلال حكم الرئيس السابق حسن روحاني تم الوصول إلى الاتفاق النووي الإيراني رغم معارضة المتشددين، وتراجع إنتاج اليورانيوم المخصب. وفي ظل ولاية رئيسي كانت المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران في سلطنة عمان تناقش الوضع الإقليمي والبرنامج النووي الإيراني عندما ارتفع التخصيب لمستويات قياسية.

كان الرئيس إبراهيم رئيسي وأمير عبداللهيان متوافقَين على القضايا الإقليمية، وكان رئيسي أكثر الرؤوساء توافقاً مع الحرس الثوري وسياسات المرشد الأعلى منذ عقود. شعر الحوثيون أنفسهم بهذا التغيير بين لقاءاتهم مع جواد ظريف وزير الخارجية السابق وعبد اللهيان، فكان الأخير أكثر توافقاً معهم وتبنياً “لوجهة نظرهم” من سلفه، حسب ما أخبرني قيادي حوثي مطلع على التفاصيل.

ومن المؤكد أن القيادة العليا في إيران سوف تجد نفسها منشغلة أكثر بمهمة ضمان الانتقال السلس إلى رئيس جديد والانتخابات المبكرة التي من المقرر إجراؤها في 28 يونيو/حزيران، ولن يكون مستغرباً رؤية إيران متوترة؛ سواء من حيث موقفها الخارجي أو السياسة الداخلية، وقد تصبح أكثر خطورة إذا اعتبرت نفسها في موقف دفاعي.

وحتى تحقيق الانتقال ستستمر السياسات المحلية والخارجية بما في ذلك السياسة الإيرانية تجاه “محور المقاومة”. المسؤولون الحاليون يعكسون الدائرة الداخلية للمرشد الأعلى بما في ذلك القائم بأعمال الرئيس محمد مخبر ووزير الخارجية بالإنابة علي باقري المفاوض المخضرم، وأحد أبرز المنتقدين للغرب القريب من المرشد الأعلى، حيث أن ابنة خامنئي هي زوجة شقيق باقري.

لذلك ليس من الواضح على الفور ما إذا كانت هاتان الوفاتان ستخلفان عواقب وخيمة على علاقات إيران الخارجية، حتى معرفة من سيخلفهما بشكل رسمي. كما لن يتغير الوضع بالنسبة لمحور المقاومة الذي سيبقى أعضاؤه في حالة تأهب مع إيران المشغولة بترسيخ السلطة في الداخل والقلقة من الاستهداف الخارجي.

وتعاني إيران من تهديدات داخلية متزايدة مع استمرار التوتر منذ مقتل الشابة مهسا أميني (2022) والهجمات التي تبناها تنظيم داعش مطلع العام، وأوضاع اقتصادية سيئة، وأزمة سياسية؛ حيث يسعى نظام المرشد لتعزيز التوافق الإيديولوجي والسيطرة السياسية على القمة على حساب خسارة المزيد من شرعيتها من الأسفل.

وتصاعدت التهديدات الخارجية منذ الهجوم الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، وقتل قادة من الحرس الثوري بهجوم إسرائيلي على السفارة في دمشق، والرد الإيراني المباشر الأول من نوعه على الاحتلال الإسرائيلي الشهر الماضي، والتحشيد الغربي للسفن الحربية في البحر الأحمر. حيث أصبح عدم القدرة على التنبؤ هو القاعدة بين إيران وخصومها، مع كل المخاطر المترتبة على إساءة قراءة نوايا كل منهما.

إن توتر إيران وغضبها ومعاناتها من اضطرابات داخلية لا يعني إلا عدم استقرار للمنطقة؛ ومن المؤكد أن المضي في هذا المسار لا يعني بقاء الشرق الأوسط في فوهة مدفع، ويدفع النظام الإيراني إلى سعيه للحصول على الأسلحة النووية، التي ينظر إليها على أنها تأمين على الحياة، وهو ما يشجع جيران إيران الدخول في سباق تسلح للوصول أيضاً لأسلحة مكافئة، ما يزيد من مخاطر انتشار حالة عدم الأمن الإقليمي.

إن بقاء إيران قلقة في ظل استراتيجية المرشد علي خامنئي يزيد من دعم “محور المقاومة” وهو ما يزيد بالفعل من إقلاق الأمن القومي لدول المنطقة، خاصة في ظل التحشيد الدولي للأسلحة والسفن الحربية للمياه القريبة من إيران والقريبة من حلفائها في محور المقاومة، وهو ما يأملونه مع تراجعه بفعل تخفيض المعضلة الأمنية بين إيران وجيرانها.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى