أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتقارير

لماذا انهارت خارطة الطريق الأممية في اليمن؟

يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ تقرير خاص

في أحدث إحاطة لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن اعترف المبعوث الأممي هانس غروندبيرغ بأن الخطة التي يعمل على صياغتها لحل الصراع في اليمن تواجه تحديات جديدة عرقلت الخطة. وهو مؤشر خطير يمكن أن يؤدي لعودة الحرب داخل البلاد بعد توقفها منذ ابريل/نيسان 2022م.

وقال غروندبيرغ إنه كان يأمل أن يحل شهر رمضان وقد تم توقيع “اتفاق لوقف إطلاق النار في جميع أرجاء البلاد وتدابير لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، وكنت آمل أن أحيطكم اليوم حول تحضيرات لعملية سياسية جامعة”.

وأضاف غروندبيرغ “كان يجب أن يكون موظفو القطاع العام في جميع أنحاء البلاد قد تقاضوا رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية، وكان من المفترض أن تستأنف صادرات النفط مما كان يمكن أن يسمح بتوفير الخدمات بفاعلية أكبر وبتحسين الظروف الاقتصادية، وكان ينبغي أن نتوصل لاتفاق آخر حول إطلاق سراح المحتجزين”.

وفي اعتراف يكاد يكون صريحا بأسباب انهيار خطة الطريق قال غروندبيرغ “مع تداخل المزيد من المصالح، يزداد احتمال تغيير أطراف النزاع في اليمن لحساباتها وأجنداتها التفاوضية”.

واعترف أن الانهيار قد لا يتوقف عند حد معين “السيناريو الأسوأ، قد تقرر الأطراف الانخراط في مغامرة عسكرية محفوفة بالمخاطر تعيد اليمن إلى حلقة جديدة من الحرب”.

غروندبيرغ قدم خطة للسلام في اليمن تعرف بخريطة الطريق في ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد مشاورات مكثفة في إيران والسعودية والإمارات وسلطنة عمان ودول أخرى و “ستشمل من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة. ستنشئ خارطة الطريق أيضا آليات للتنفيذ وستعد لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة”.

بالنسبة للمبعوث غروندبيرغ يظل استمراره في عمله أولوية له رغم تعثر محاولاته في الوصول إلى حل حيث قال في إحاطته أمام مجلس الأمن 14 مارس/آذار “جهودنا من أجل وضع الصيغة النهائية لخارطة الطريق الأممية وتنفيذها تظل مستمرة دون انقطاع مع الشعور بنفاد الصبر في سبيل تحقيق هذه التطلعات”.

 

لماذا انهارت الخطة أو لم تتقدم؟

في المؤتمر الصحفي الذي عقده غروندبيرغ بعد انتهاء جلسة مجلس الأمن قال إن عدة أسباب تعقد التقدم في المفاوضات أولها أنه لا يوجد اتفاق موقع لوقف إطلاق النار، والوضع هش، وهناك تحركات عسكرية على عدة جبهات.

وأضاف التصعيد في البحر الأحمر يعقد المفاوضات “الواضح أن الوضع في البحر الأحمر هو مسألة ذات أولوية في الوقت الحالي، حيث يجب تسويته وهو يؤثر على المنطقة، بل له تأثيرا عالميا”. في اتهام غير مباشر بأن الحوثيين يعقدون المفاوضات، أو أنها لم تعد لها أولوية في الوقت الحالي لديهم، خاصة مع الغارات الأمريكية على مواقع الحوثيين .

المناشدات الحكومية التي أطلقتها الحكومة المعترف بها دوليا لتعزيزها مقابل ردع جماعة الحوثي في البحر الأحمر لم تلق آذانا صاغية من أي جهة سواء الإقليمية العربية أو الدولية، بالتزامن مع ضعف حكومي هائل وغياب دائم لمجلس قيادتها عن البلاد، واستمرار النزاع السعودي الإماراتي، في تلك المناطق، مع قلة الموارد الحكومية جراء حظر تصدير النفط وحظر استيراد الغاز المنتج في مأرب إلى مناطق سيطرة الحوثيين.

ومع أن كلا من الحوثي والمبعوث الأممي، والولايات المتحدة يرون أن خطة السلام في اليمن منفصلة عن الهجمات الحوثية البحرية، إلا أن تلك المزاعم غير صحيحة، وقد اعترف المبعوث الأممي بأنه ينعكس على تعقيد الأوضاع في اليمن أكثر من أي وقت مضى، وقد تتغير الحسابات لدرجة العودة إلى الحرب. بالمقابل، لم يقدم الحوثيون تفسيرا واضحا لعدم التقدم في مفاوضات خريطة الطريق، ويقولون إن الولايات المتحدة هي التي تمنع ذلك التقدم، دون أن يحددوا بالضبط ما الدور المعطل الذي قامت به الولايات المتحدة..

 

ارتفاع سقف المطالب الحوثية في خريطة الطريق:

في حديث مع مجلة ذي أتلانتك قال عضو الوفد الحوثي المفاوض عبد الملك العجري إن أي اتفاق مقبل مع القوى اليمينة لن يحد من صلاحية وسلطات عبد الملك الحوثي وأنه سيكون لديه السلطة العليا في اليمن باتفاق أو بدونه، وأن وضع عبد الملك الحوثي سيكون أقوى من وضع الخامنئي قائد الثورة في إيران الذي يحوز معظم صلاحيات إدارة الدولة هناك رغم أن العجري عاد لاحقا ونفى أن يكون قال ذلك الكلام بالنص، وأنه يقصد أن زعامة عبد الملك الحوثي ونفوذه شعبي أقوى من أي قوة أخرى وأن ذلك لن يكون محل نقاش وأن تأثيره لن يكون مقتصرا على اليمنيين فقط بل قائدا إقليميا على المنطقة كلها.

وعند العودة إلى خريطة الطريق بدأ الحوثيون يطرحون أن بعض بنود مفاوضات خريطة الطريق قد عفي عليها الزمن، مثل بند تخفيف القيود على حركة الموانئ في الحديدة، إذ سيحل بدلا منها معادلة حرية الملاحة إلى مواني جدة والمواني السعودية مقابل حرية الملاحة والحركة التجارية إلى موانئ الحديدة.

ويستند الحوثيون في تطلعاتهم هذه إلى أن هجماتهم الملاحية البحرية لم تلق ردا مؤلما من جانب الولايات المتحدة، وبالتالي لن تكون السعودية أيضا قادرة على إلحاق ذلك الرد، بالإضافة إلى اعتقادهم أن الانتخابات الأمريكية التي تجري نهاية العام الجاري لن تمنح واشنطن الذهاب في خيارات تصعيد أقوى ضد الحوثيين وفق ما قاله خليل العمري الصحفي الحوثي في صنعاء.

مفاوضات أمريكية مع إيران بشأن هجمات البحر الأحمر:

يؤكد الحوثيون في كل أحاديثهم أن الهجمات التي يشنونها في البحر الأحمر بتنسيق كامل ومتواصل مع إيران ومحورها الذي يسمونه محور المقاومة، وتشيد إيران بهجمات الحوثيين، وتمدهم بالأسلحة والصواريخ والخبرات اللازمة لتنفيذها بما فيها المعلومات الاستخباراتية الدقيقة للسفن وحركاتها ووجهاتها وملاكها ومشغليها.

واعترافا بهذه الحقائق كشفت صحف غربية أن الولايات المتحدة أجرت بوساطة عمانية مفاوضات مع إيران للحد من الهجمات الحوثية التي تستهدف الملاحة البحرية، لكن تلك المفاوضات لم تؤد إلى نتيجة حتى الآن.

المفاوضات الأمريكية مع إيران تؤكد استمرار الموقف الأمريكي الذي أعلنه ليندركينغ في آخر شهادة له أمام لجنة بمجلس النواب الأمريكي أن موقفهم ما زال ذات أولوية قصوى لتحقيق السلام في اليمن، بالنهج القائم. أي ذلك النهج الذي أدى وفق الحكومة اليمنية وخبراء محليين ودوليين إلى تعظيم المصالح الحوثية، على حساب الحكومة والشعب اليمني.

وأبرز تلك المكاسب التي انتزعها الحوثي في تلك المفاوضات كانت بمنع تصدير النفط اليمني إلا باشتراط اقتسامه لتمويل مقاتليه، قبل صرف تلك العائدات على الموظفين المقطوعة رواتبهم منذ سنوات، وهو الأمر الذي أعلنه صراحة مهدي المشاط في وقت سابق السنة الماضية، بالإضافة إلى رفض تقاسم الموارد التي يجنيها الحوثي من مواني الحديدة والضرائب والجمارك والموارد المالية الأخرى في مناطق سيطرته.

تعزيز العمق الاستراتيجي لإيران:

قال مستشار المرشد الإيراني وقائد الحرس الثوري السابق رحيم صفوي إن العمق الإيراني امتد ليشمل البحر الأحمر و5000 كم خارج مناطق إيران. وكان مسؤولون إيرانيون قد قالوا قبيل الغارات الأمريكية إن جنوب البحر الأحمر مقابل اليمن منطقة انتشار للقوات البحرية الإيرانية ولن يكون بمقدور أي قوة تنتشر هناك.

ويشير مراقبون إلى أن إدخال البحر الأحمر إلى العمق الاستراتيجي لإيران إلى أن طهران ستقوم بصياغة خطط استراتيجية طويلة المدى لتعزيز وجودها هناك، وسيؤدي ذلك بطهران إلى استغلال حالات عدم الاستقرار والاضطرابات، وتوسيع دعم وكفالة الفاعلين غير الحكوميين لتعزيز الدور الإقليمي، والتأثير على ديناميات الأمن للمناطق المتصلة ومواجهة المنافسين والخصوم عبر الحوثيين لترسيخ نفوذها وتوسيع سيطرتها في شبه الجزيرة العربية، شرق وشمال إفريقيا وعلى خطوط الملاحة الدولية ومعادلات الأمن الإقليمي والدولي.

انسحاب السعودية والإمارات:

بينما كانت تهدف السعودية والإمارات عبر الحرب قبل توقفها وانسحابها إلى الحفاظ على مصالحهما في اليمن، ومن ثم عبر الاتفاقات الثنائية مع إيران خاصة الاتفاق السعودي الإيراني بوساطة صينية للحفاظ على تلك المصالح مع اعتراف وتسليم كامل بنفوذ إيران في شمالي اليمن، فإن الهجمات الملاحية البحرية التي يشنها الحوثي تخلق واقعا جديدا يتخطى فيه المصالح العربية السعودية والإماراتية في اليمن، وفي جنوبه بشكل خاص.

ويشير خبراء إلى أن الأحداث الأخيرة في البحر الأحمر والبحر العربي أثبتت أن لدى الحوثيين وإيران قدرة على تجاوز مصالح الدولتين في جنوبي اليمن، بدون أن تستطيع الرياض وأبو ظبي حمايتها، وأن التنازلات التي كانت تقدمها الدولتين لإيران عبر المفاوضات مع الحوثي في اليمن، لم تعد مهمة أو غير كافية منذ بدء الهجمات الحوثية .

ومع أن المملكة تعول على الاتفاق السعودي الإيراني لاستمرار الهدنة في اليمن، فمن المتوقع أن انهيار خريطة الطريق الأممية قبل أن تبدأ، أو تعثر تلك الخريطة عن التقدم، لن يشمل بالضرورة عودة الهجمات الحوثية على السعودية، واقتصارها فقط على المحافظات اليمنية تحت سيطرة الحكومة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى