آراء ومواقف

راغدة درغام تكتب.. لماذا تفضل إيران مهمة السلام اللبنانية الإسرائيلية التي يقودها بايدن؟

راغدة درغام

ترجمة وتحرير “يمن مونيتور

بعد عام تقريبا من مساعدة عاموس هوشستاين في التوسط في اتفاق تاريخي بين لبنان وإسرائيل لترسيم حدودهما البحرية، وصل مبعوث الطاقة الأمريكي إلى بيروت يوم الأربعاء 30 أغسطس لمساعدة الجارين في محاولتهما حل نزاعاتهما الحدودية البرية العالقة.

ومن شأن النجاح في هذا الصدد أن يوفر لحملة إعادة انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن في عام 2024 دفعة كبيرة.

هذه ليست مجرد خطوة لحل مصير بضعة أمتار مربعة من الأراضي المتنازع عليها، أو لتنفيذ تبادل الأراضي.

نحن نتحدث عن نهاية محتملة للصراع اللبناني الإسرائيلي، تتحقق من خلال تأمين استقلال بيروت عن طريق المفاوضات التي شملت سوريا.

ومن الجدير بالذكر أن دمشق فرضت في السابق ما أسمته مفاوضات “المسار المزدوج” على لبنان لعقود من الزمن، مما أعاق محاولات بيروت لإنهاء صراعها المعقد مع إسرائيل في وقت ظلت فيه قضايا سوريا مع إسرائيل دون حل. وكان الهدف من ذلك هو ضمان بقاء لبنان ورقة مساومة لسوريا.

ومع ذلك، تحولت الظروف الحالية إلى نهج “من يأتي أولا يخدم أولا”، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تقلص النفوذ الإقليمي للحكومة السورية، وصراعاتها للحفاظ على سيطرتها على أراضيها، وحقيقة أن اللاعب العربي الأساسي في الشؤون الإقليمية والدولية اليوم ليس سوريا بل المملكة العربية السعودية. تنخرط إدارة بايدن الآن بنشاط مع المملكة العربية السعودية، مما يمثل تحولا في الاستراتيجية حيث ترى واشنطن أن هذه هي الطريقة الأكثر قابلية للتطبيق للتعامل مع المنطقة.

قد تبدو زيارة هوشستاين إلى لبنان غير مهمة في سياق العلاقات بين الولايات المتحدة والصين والولايات المتحدة وروسيا، وتوسع الناتو، وإنشاء تحالفات في جميع أنحاء العالم. لكنها ذات أهمية استراتيجية لواشنطن – وهي تتجاوز استخراج النفط والغاز الضروريين لأوروبا في وقت الحاجة التي فرضته الحرب الأوكرانية.

الرسالة الأساسية التي نقلها السيد هوشستاين إلى أولئك الذين التقى بهم في لبنان، بمن فيهم المسؤولون والشخصيات غير الحكومية، هي أن إدارة بايدن قلقة بشأن الاستقرار والسلام على المدى الطويل ومستعدة للعمل من أجل تصحيح المخالفات على الخط الأزرق، الذي يغطي الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

وشدد هوشستاين أيضا على حل النزاعات عن طريق الشراكة مع دول المنطقة، بدلا من فرض أجندة، كما كان النهج الأمريكي في بعض الأحيان في الماضي.

وبما أن ملفات الطرفين يتم إعدادها قبل تقديمها رسميا، فمن غير المرجح أن تكون المفاوضات حول الحدود البرية أكثر تحديا من محادثات الحدود البحرية. ومن غير المتوقع أيضا أن يستغرق حلها 12 عاما.

هناك ست نقاط متنازع عليها على طول الخط الأزرق، تدور خلافاتها الرئيسية حول النقطة B1 في قطاع الناقورة بمساحة 500 متر مربع، ومزارع شبعا، التي تقع تحت ولاية قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك، التي تحافظ على وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل. أما بقية المناطق المتنازع عليها فتعتبر “ثانوية”، على الأقل بحسب مسؤول لبناني مشارك مباشرة في المفاوضات، ويمكن حلها من خلال تبادل الأراضي.

اكتسب السيد هوشستاين سمعة طيبة في الصفقات الهندسية. ويبدو أن طموحه لا يقتصر على الإطار الثلاثي اللبناني السوري الإسرائيلي، بل يمتد إلى حل نزاع أساسي من شأنه أن يسهل إلى حد كبير تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية.

ومن السمات الرئيسية لترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية أنه قضى عمليا على منطق “المقاومة”، وبالتالي تمكن من كبح جماح «حزب الله» بعد موافقة الحزب على الاتفاق بموافقة إيرانية. يجادل البعض بأن هذا هو أهم إنجاز لإدارة بايدن في الشرق الأوسط، وتكرار هذا النجاح على الحدود البرية يمكن أن يصبح رصيدا انتخابيا، مع نقطة البيع هي السلام بين لبنان وإسرائيل، وتحييد حزب الله ومنطق المقاومة، كل ذلك بموافقة إيران.

ويمكن لمثل هذه الصفقة أن تفيد طهران، بالنظر إلى أن عودة دونالد ترامب المحتملة إلى الرئاسة الأمريكية العام المقبل ستكون مصدر قلق للنظام الإيراني. وقد تستأنف إدارة ترامب الثانية سياسة الضغط الأقصى في الوقت الذي تحاول فيه إجبار النظام على التخلي عن أيديولوجيته الحاكمة. ومن غير المرجح أن تسعى إلى التطبيع مع النظام، أو أي رغبة في إحياء الاتفاق النووي معه.

من ناحية أخرى، تنظر إدارة بايدن إلى تحسين العلاقات السعودية الإيرانية كوسيلة لإعادة فتح المناقشات مع طهران حول إحياء الاتفاق النووي، بمساعدة سعودية. ويمثل هذا تحولا كبيرا من جانب بايدن، بالنظر إلى أنه كان نائبا للرئيس عندما اختارت إدارة أوباما استبعاد الدول العربية من المفاوضات النووية مع إيران. واليوم، تبدو واشنطن حريصة على إقناع الرياض وطهران بأنها أجرت تصحيحا جوهريا في شراكتها الاستراتيجية مع دول الخليج العربي.

إيران تفهم ذلك ويمكنها أن تلعب الكرة.

وقد أظهر حزب الله قدرا من حسن النية فيما يتعلق بترسيم الحدود البرية. التصريحات الأخيرة لأمينها العام، حسن نصر الله، حول “سيادة” الدولة اللبنانية وعدم التدخل في قرارات أهالي قرية الغجر، التي تقسمها الحدود اللبنانية الإسرائيلية، مهمة. لأنها قد تعكس رغبة إيرانية في حل المشاكل الإقليمية من خلال الدبلوماسية.

وفي الوقت نفسه، لعبت الإمارات العربية المتحدة دورا رئيسيا في تمرير قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بتمديد ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. لكن دورها تجاوز تسهيل تبني القرار، إلى التأكيد على سلطة الدولة اللبنانية في العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية. وإذا وافقت إسرائيل، فقد يؤدي ذلك إلى فصل جديد في حل الصراع العربي الإسرائيلي والتطبيع.

قادت الإمارات العربية المتحدة الجهود الرامية إلى إعادة دمج سوريا في الحظيرة العربية، إلى جانب خطواتها نحو إقامة علاقات مع إسرائيل. وفي المقابل، يمكن وضع دمشق على طريق حل نزاعها مع إسرائيل، إذا اتبعت مقاربات مبتكرة فيما يتعلق بقضية مرتفعات الجولان المتنازع عليها.

في عصر الطائرات بدون طيار والتكنولوجيا العسكرية الجديدة، لم تعد مزارع شبعا ومرتفعات الجولان تحمل الأهمية الاستراتيجية التي كانت تتمتع بها من قبل. كانت سوريا على وشك توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل قبل عقدين من الزمن، لكنها توقفت جزئيا بسبب السيطرة على بحيرة طبريا. لكن أهمية البحيرة تضاءلت منذ ذلك الحين بسبب تغير المناخ.

وتوفر هذه التغييرات على أرض الواقع منظورا جديدا لضمان السلام في الشرق الأوسط. هل يمكن أن يؤدي التفكير الجديد إلى اتفاق تفاوضي مفتوح بين إيران وإسرائيل في يوم من الأيام؟

* راغدة درغام هي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمعهد بيروت

*نشر المقال أولاً في صحيف “ذا ناشيونال” الإماراتية الصادرة بالانجليزية

اقرأ/ي أيضاً..  د.عبد العزيز العويشق يكتب.. كيف يمكن وقف حلقة العنف والبؤس المفرغة في اليمن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى