أخبار محليةحقوق وحريات

رحلة معتقلة يمنية في سجون الحوثي لمدة سنتين

يمن مونيتور/ اندبندنت عربية

عارضة الأزياء اليمنية يسرا الناشري قضت نحو عامين تحت التعذيب والاضطهاد في السجون الحوثية (الحقوق محفوظة – وسائل التواصل)

ظلت المرأة اليمنية تحظى بمكانة رفيعة في المجتمع، وبمنأى عن الصراعات التي تنشأ خلال الحروب منذ القدم، حتى جاء العهد الحوثي وأقحمها في الصراع بشتى الطرق، منها حملات الاعتقالات التي طاولت المئات منهن، وتعرضهن لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، وقضاء سنوات في المعتقلات من دون محاكمة.

وعلى رغم تجريم المجتمع اليمني على مدى تاريخه التعدي على النساء أو إهانتهن باعتباره “العيب الأسود” إلا أن الجماعة الحوثية بين حين وآخر تعتقل عدداً من الناشطات والحقوقيات والفنانات من بيوتهن ومقار أعمالهن في مسعى لقمع أنشطتهن المدنية أو أفكارهن في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وفقاً لحقوقيين، في نهج صادم يصفه اليمنيون بالسلوك “الإيراني” الدخيل.

الصدمة الأولى

من بين هؤلاء المعتقلات الناجية من السجون الحوثية، عارضة الأزياء اليمنية، يسرا الناشري، التي قضت نحو عامين تحت التعذيب والاضطهاد منذ اختطافها من العاصمة صنعاء في 11 فبراير (شباط) 2021 بواسطة عناصر حوثية مسلحة يرتدون أقنعة، وكانت برفقة انتصار الحمادي (ممثلة وعارضة أصدرت محكمة تابعة لسلطة ميليشيات الحوثي حكماً بسجنها خمس سنوات بتهمة ارتكاب فعل فاضح) حيث كانتا تحضران للاحتفال بعيد ميلاد والدتها.

وتحكي يسرا عن قصة اعتقالها قائلة “في ذلك اليوم تحولت حياتي إلى كابوس وكنت مصدومة ولا أعرف أين أنا وماذا حدث سوى أني كنت أبكي بحرقة، وعندما حاولت التواصل بأهلي رفضوا تماماً”، متابعة “يومها لم تتوقف دموعي وكنت وزميلتي في حالة نفسية سيئة لا أرغب حتى في تذكرها”.

واستطردت العارضة اليمنية القول “فور اعتقالنا ربطوا أعيننا واقتادونا إلى معتقل غير رسمي، وقاموا بتفتيش هواتفنا وإفراغ محتوياتها، وكانوا يستدعوننا كل يوم للتحقيق في الثانية بعد منتصف الليل ونحن معصوبات الأعين أيضاً”، مضيفة “كان المحقق يزعم أننا مجندات لدول خارجية ونتسلم أموالاً مقابل إفساد أخلاق اليمنيات وتشجيعهن على الانفتاح، وذلك بسبب عملنا في الأزياء ونشر صورنا على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي كل مرة يسألوننا عن الجهة التي تقف خلفنا وتدعمنا”.

في محاولة لتذكر تفاصيل تلك الفترة تشير الفتاة التي شغفها عالم الأزياء منذ طفولتها كما تروي، إلى أن تفاصيل الانتهاكات كثيرة جداً ولا تتذكر جميعها ذلك لأن “طوال فترة السجن كانت الانتهاكات لا تتوقف، وكنا نتأهب إلى ما الذي سيفعلونه بنا”، متابعة “كانت أياماً سيئة جداً ولا أصدق أنى نجوت منهم”.

التجنيد الفاضح

بعد فترة ظهرت نوايا الميليشيات الحوثية من الاعتقال حيث قدموا ليسرا وزميلتها انتصار الحمادي عرضاً مقابل الإفراج عنهن وضمان الولاء لهم، ويتضمن العرض استقطاب خصومهم تحت مسمى “خدمة الوطن” عبر الإيقاع بهم بـ “فعل فاضح” وتصويرهم، لمعرفة معلومات معينة، وفي المقابل يتمتعن بحماية ومكافآت.

وعلى مدى سنوات الحرب الثماني الماضية، توالت على نحو متواتر تقارير حقوقية محلية ودولية تكشف عن هول المأساة الإنسانية في سجون الجماعة المدعومة من إيران باعتقالها آلاف المدنيين، وتحذر من إمعانهم في اعتقال كل من يخالفهم الرأي أو حتى من تشك في ولائه في مسعى حثيث لبسط قبضتها الأمنية.

ستار العذاب

خلال هذه الفترة لم يتوقف أهل يسرا عن السؤال عن ابنتهم المفقودة، وتابع حالتها حقوقيون محليون ودوليون، وأدرك الجميع أنها وزميلتها قيد الاعتقال لدى الحوثيين، ولعل ما ساعد في الوصول إليهما التهديدات الذي كانت تصلهما قبل اعتقالهما من أرقام مجهولة.

قضية يسرا وزميلتها ذاع صيتها، وهو ما تسبب في حرج الجماعة، فسارعت مضطرة لنقلهما “من المعتقل السري إلى سجن مركزي رسمي”، وأشارت إلى أنه بعد شهور عرضتا على قاض مختص فقال “ليس عليكما ما يستلزم الاعتقال” وأمر بالإفراج.

انتقام متعدد

كما جرت العادة، يمارس الحوثيون تعتيماً على المعتقلات وما يتعرضن له، حتى جاء اليوم الذي سمح لعدد من أعضاء مجلسي النواب والشورى بزيارتهن من بينهم البرلماني أحمد سيف حاشد (معارض للحوثيين ومنتمٍ للحزب الاشتراكي)، والذي التقي بيسرا وانتصار.

تقول يسرا إن زميلتها “انتصار صرحت لحاشد بما تعرضنا له، وأخبرته أنهم طلبوا تجنيدنا للإيقاع بخصومهم السياسيين فانتشر هذا الخبر في وسائل الإعلام، وزاد الغضب ضد الحوثيين، لكن بعد قرار الإفراج ألغته الميليشيات وأزالوا القاضي من موقعه، وفي المحاكمات التالية وجهوا ضدنا تهم الشرف لتبرير مواقفهم كي يظهرونا بصورة سيئة حتى لا يتضامن معنا أحد”.

خابت ظنون يسرا وزميلتها في هذه المحاكمة والتي تصفها بأنها “تمت بشكل صوري حيث كان القانون مغيباً عنها، ولم يناقشوا الدفوع أو الطعون التي قدمناها ولم ينظروا إليها من الأساس”، لافتة إلى أنه “على رغم وجود ثغرات كبيرة جداً بالقضية ومخالفتها للقانون والدستور اليمني حكم علينا بالسجن 5 سنوات وهو حكم انتقامي جائر من دون الاستناد إلى أدلة تديننا، وحتى القاضي الذي أصدر الحكم قال لأهالينا إنه لا علاقة له به، وإنه صادر من جهة عليا لأننا جنينا على أنفسنا بالتدخل الإعلامي في القضية”.

الزينبيات والعذاب

بعد التنفيذ دخلت الناشري في موجة عذاب أخرى، فكيف لشابة في مقتبل العمر أن تتخيل نفسها في المعتقل الموحش خمس سنوات، وتصف جزءاً من هذه الفترة بأنه “خلال السجن تعرضنا للحبس الانفرادي والضرب والتنكيل من الزينبيات الحوثية اللواتي كن يضربننا بلا رحمة، ويتعاملن معنا بقسوة لا يمكن تخيلها، تعرضنا للضرب المبرح والتعليق لساعات أشبه بالصلب، فضلاً عن الشتم والإساءة والطعن في الشرف”.

 

لم تتوقف الملاحقة عن السجن بل تعدى الأمر إلى أهل يسرا وانتصار، حيث تقول الناشري “فقدت أخواتي وظائفهن، كما قام مالك العمارة التي نسكن فيها بطرد أهلي”، متابعة “عانيت العذاب داخل السجن وأهلي عانوا خارجه”.

في تقريره الدوري عن اليمن الصادر في فبراير (شباط) 2020، كشف فريق لجنة خبراء الأمم المتحدة جانباً من مهام “الزينبيات”، التي وصفها بأنها شبكة استخباراتية تتبع ميليشيات الحوثي، وتشارك في قمع النساء اللواتي يعارضن الحوثيين بوسائل مختلفة، منها العنف الجنسي، موضحاً أن هذه الجماعة مشكلة برئاسة مدير إدارة البحث الجنائي في صنعاء سلطان زابن.

تزويج المعتقلات

في حديثها عن طبيعة العيش في المعتقل قالت العارضة اليمنية إنه “سيئ جداً لا يوجد أكل جيد، وخلال فترة البرد تعاني السجينات العذاب، حيث تنام الغالبية منهن على الأرض بسبب ازدحام المكان، لأن الحوثي اعتقل اليمنيات ولم يبق منهن أحد”.

وتتطرق يسرا إلى قضية إنسانية تتعلق بوضع هؤلاء المعتقلات ومستقبلهن الاجتماعي جراء الاعتقال، موضحة أن التي “قضت سجنها تتفاجأ بتبرؤ الأهل وعدم وجود من يتسلمها، فيتم تزويجها لأحد الجنود الحوثيين”، لافتة إلى أن “المرأة في نظرهم ليست وكيلة نفسها، بالتالي لا بد أن يقوم رجل بإخراجها أو تقضي بقية عمرها في السجن”، منوهة بأن كثيراً من المعتقلات تم “تزويجهن لمجندين، وإذا لم تتزوج المعتقلة تظل في السجن من دون مستلم، وإذا هربت يعيدونها للحبس مرة أخرى”.

الهروب الصعب

بعد أن اشتد العذاب بيسرا، تم إخراجها من المعتقل لتلقي العلاج بضمان “إفراج صحي مشروط ووقعت ووالدتها تعهداً بأنها ستحضرها إلى محكمة الاستئناف”، إلا أنها قررت مغادرة عاصمة بلدها إذ تحكي قائلة “هربت ليلاً من صنعاء إلى عدن بواسطة باصات النقل الجماعي ببطاقة هوية شخصية ليست باسمي كونه معمماً عليّ وممنوعة من مغادرة صنعاء، وظللت خائفة طوال الطريق، وعند وصولي إلى عدن شعرت بالأمان الذي افتقدته منذ سنوات، ثم غادرت إلى الأردن لتلقي العلاج”.

تشير عارضة الأزياء اليمنية لانعكاسات الاعتقال على نفسيتها وما سببه لها من “الخوف والارتياب وعدم الخروج من البيت إلا للضرورة”، كما لم تخف أمنيتها أن تفرح قريباً بخروج زميلتها انتصار وجميع المعتقلات والمخفيات قسراً، لافتة إلى أنها تراجع “طبيباً نفسياً”، كما تقضي وقتها في “الكتابة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى