أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتقارير

رمز الهوية اليمنية… حكاية صناعة الجنابي في محافظة شبوة 

يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ أحمد بارجاء 

على مدى قرون، مثل الخنجر الذي يسمى محليا (الجنبية)، رمزا للهوية التي تميز اليمنيون عن غيرهم. لا تعرف البداية الدقيقة لتاريخ الجنبية إلا أن تماثيل أظهرت الملك اليمني معد يكرب الذي حكم في القرن السادس قبل الميلاد، وهو يرتدي الجنبية على هيئتها الأولى (الخنجر العربي) وكانت الجنبية في الأساس خنجرا يرتديه العرب وبذو شبه الجزيرة العربية كجزء من زيهم اليومي، وذلك لأغراض تتعلق بالصيد والدفاع عن النفس، على نحو فرضته طبيعة الحياة البدوية في المنطقة. 

وفي محافظة شبوة يرتدي الناس الجنبية الشبوانية التي تختلف في شكلها عن الجنابي التي يرتديها أصحاب المحافظات الأخرى فإن الاختلاف فيما يخص الدرجة لا النوع، أي في التفاصيل الدقيقة وليس في الهيئة، وفي شبوة- أيضا- تتوارث معظم الأسر العريقة جنابي أجدادها الثمينة، وتعد رمزا للعائلة، ويمتلك البعض صكوكا تثبت ملكية الجنبية للعائلة، ويعد من المعيب التفريط بها أو بيعها، مهما كانت الظروف، كما أن سرقتها أو سلبها من مرتديها يلحق العار بالأسرة والقبيلة. 

ويقول أحمد باقطيان أحد أمهر صانعي الجنابي بمركز المحافظة عتق ل “يمن مونيتور” أن مهنة صناعة الجنابي لها أرث تاريخيا كبيرا وتشتهر عائلتان بصناعة الجنابي في محافظة شبوة وهي عائلة باقطيان وعائلة بوطهيف، وأردف قائلا “قديما كنا نصنع الجنابي في عرمة من بعدها انتقلنا إلى عتق وكنا نصنعها بالكامل أما في الوقت الحاضر لا يوجد إلا قلة قليلة الذين يصنعون النصل، في شبوة واحدا هو وأولاده فقط يصنعوا النصل في منطقة مرخه يطلق عليهم آل عبد القادر. 

وأضاف باقطيان قائلا” تتميز الجنبية الشبوانية بالجزء العلوي منها أي القرن وله أنواع عده مثل الزراف وناب الفيل والبهيص والمصوعي حيث يتم تزيينه بقطعتين من الذهب أو الفضة ويسميان بالشمستين ، وهما على شكل جنيهات دائرية الشكل يثبتان من الخلف بمسمار من النحاس، ثم تنحت على هاتين الشمسيتين رسومات وأشكال مختلفة، ويحيط بأسفل رأس الجنبية ما يعرف بالحضارة، وهو إطار معدني مستطيل الشكل يصنع غالبا من الذهب أو الفضة أو المعدن، وتستمر صناعة الجنبية بتثبيت النصل في القرن وهو الجزء المصنوع من الحديد، ثم يوضع ذلك النصل في أفران عالية ويتعرض لدرجة حرارة عالية، وبعدها يتم طرقه وتشكيله حيث تستغرق صناعة الجنبية كاملة من ثلاثة إلى أربعة أيام. 

وبعد ما تتم عملية تصنيع الجنبية يتم وضعها في الغمد أو كما يسمى هنا (الجفير) الذي يصنع من خشب الطنب أو ما يسمى بالعشر ذا الوزن الخفيف، ويشبه حرف اللام ويتم تلبيسه بالجلد الطبيعي، كما أن هناك العديد من أشكال الجفير، يوحي شكلها بمدى البراعة التي يتمتع بها صانع الجنابي خصوصا من حيث الدقة والابتكار. 

ومؤخرا ظهر في الأسواق ما يسمى ب “الجنابي الصينية” وهي الجنابي المصنوعة من مواد وقوالب بلاستيكية تسمى “الفيبر”، بحيث يتم استيراد القوالب من الخارج، ويتم تحضير هذه الجنابي على عدة أشكال في محافظات يمنية، وبعضها يتم تحضيره بحرفية عالية بحيث يشبه الجنابي “الصيفاني” عالية الجودة، وفي مثل هذه الحالة، لا يكون قادرا على التمييز بين الجنابي الأصلية والمقلدة إلا أصحاب الخبرة، وإلا فقد يقع الإنسان عديم الخبرة في فخ الغش، ويشتري الجنبية بآلاف الريالات، بينما تستحق أقل من ذلك. 

الجنبية وعادات القبائل 

بعيدا عن استخدام الجنبية للدفاع عن النفس تستخدم أيضا في أغراض عدة، أبرزها في (التحكيم) وحل الخلافات بين الرجال والقبائل، ففي حال اختلف اثنان أو قبيلتان، ورغب أحد الأطراف بالامتثال والاعتراف بالخطإ أو إنهاء المشكلة، فإنه يستل الجنبية ويناولها الطرف الثاني، أو يضعها بين يديه، ويقول له هذا (حكمك)، أي ما تحكم به ويرضيك فإن هذه الجنبية (التي تحمل معنى الشرف والرجولة) ضامنة بالسداد والوفاء، ويعد هذا التحكيم ضامنا لرد اعتبار الطرف الآخر، وعادة ما يلطف هذا التقليد الأجواء بين المتخاصمين، ويعتبر حلا أوليا للخلاف، وتبقى تفاصيل حل الخلاف مسائل فنية، وكثيرا ما تنتهي الخلافات بين المتخاصمين، بعد التحكيم بالعفو، وفي حال قام أحد الأطراف بالتحكيم ووضع الجنبية بين يدي الطرف الآخر، ثم رفض التسليم بالحكم، يكون قد ارتكب خطيئة قبلية ومجتمعية يلحقه من بعدها عار قبلي. 

ومنذ قديم الزمان تمنطق اليمني بالجنبية للتعبير عن الرجولة والقوة، وظهر ذلك في تماثيل الحضارة اليمنية القديمة، وما زال الأحفاد يواصلون التمنطق بالجنبية رغم دخولنا القرن الحادي والعشرين والتأثر بالثقافة العالمية، فالجنبية تعبر عن المكانة الاقتصادية والاجتماعية لحاملها، كما يمكن تحديد المنطقة التي ينتمي إليها الشخص، فتعرفه أنه من شبوة أو من مناطق أخرى كحضرموت، وصنعاء، ومأرب، ويقال إن الجنبية سميت بهذا لأنها توضع على جنب الخاصرة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى