آراء ومواقفاخترنا لكمتراجم وتحليلات

الصراع السري في الخليج

معمر الإرياني

منذ أن غزت روسيا أوكرانيا، تحاول أوروبا إيجاد بدائل للغاز الروسي، وتركز حتما على دول الخليج العربي. وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني يقترح طريقة بسيطة للغرب لتأمين طرق الشحن الدولية.

في 8 نوفمبر / تشرين الثاني، اعترضت البحرية الأمريكية سفينة إيرانية تحمل مواد تستخدم في تصنيع الأسلحة في طريقها إلى اليمن. ووفقا للخبراء، فقد اكتشفوا 70 طنا من كلورات الأمونيوم المستخدمة في تصنيع وقود الصواريخ الباليستية، و100 طن من سماد اليوريا المتفجر. وأعلن الجيش الأمريكي، في بيان، أن السفينة تشكل خطرا على الملاحة التجارية وأمن المنطقة، وتخلص من محتوياتها، وأغرق السفينة بعد تسليم طاقمها لقوات خفر السواحل اليمنية.

 

محاولة التأثير على إمدادات الطاقة العالمية

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اعتراض مثل هذه الشحنات. منذ عام 2015، اعترضت البحرية الأمريكية العديد من السفن التي تحمل شحنات أسلحة مختلفة ومكونات لتصنيع الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار. كما أعلن في وقت سابق من هذا العام أن سفينة مماثلة قادمة من الصومال تحمل شحنة من اليوريا، تستخدم في صنع المتفجرات، كانت في طريقها إلى الحوثيين. وبالمثل، في نيسان/أبريل من هذا العام، استولت البحرية الملكية البريطانية على سفينة إيرانية محملة بالصواريخ في خليج عمان كانت متجهة إلى الحوثيين. ومن خلال تقييم محتويات السفينة، تمكن خبراء المتفجرات من ربطها بالهجوم الذي نفذه الحوثيون في يناير/كانون الثاني من العام الجاري على العاصمة الإماراتية أبو ظبي.

لقد رأينا كيف أطلق الحوثيون في عام 2016 صواريخ على البحرية الأمريكية بالقرب من باب المندب، وزرعوا ألغاما بحرية بشكل عشوائي في المياه الإقليمية، واستخدموا قاربا مفخخا يتم التحكم فيه عن بعد لمهاجمة المخا في البحر الأحمر في عام 2017، وهاجموا السفن السعودية في ميناء الحديدة في عام 2018. كما كان هناك الهجوم الأخير على مينائي النشيمة والضبة في محافظتي شبوة وحضرموت، ناهيك عن استهداف ناقلة نفط في محطة قنا النفطية في شبوة في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

كما تابعنا استهداف إيران لناقلة النفط “باسيفيك زركون” قبالة سواحل عمان في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني بطائرة مسيرة محملة بالقنابل، ما أدى إلى إلحاق أضرار طفيفة بهيكل الناقلة، في محاولة للتأثير على إمدادات الطاقة في ظل الأزمة التي يعيشها العالم حاليا، وفرض شروطها في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، وتعزيز سياساتها التوسعية في المنطقة.

 

 كارثة بيئية تلوح في الأفق

علاوة على ذلك، نتوقع كارثة بيئية تلوح في الأفق، من ناقلة النفط صافر الراسية في البحر الأحمر، قبالة الساحل اليمني، والتي ستكلف ما يقرب من 80 مليون دولار لتنظيفها. فمنذ عام 2015، منع الحوثيون باستمرار فريق الأمم المتحدة الفني من الوصول لتقييم وضع الناقلة وبدء خطة العمل اللازمة.

لقد أصبح من الواضح أن سيطرة الحوثيين على أجزاء من اليمن بدعم من إيران -في انتهاك لجميع الاتفاقات، بما في ذلك اتفاق السويد والهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة، وجميع القوانين والمواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن، مع تقويض جميع جهود خفض التصعيد والسلام- لا تشكل تهديدا لليمن فحسب، بل أيضا لسلامة السفن التجارية وأمن ممرات الملاحة الدولية.

ونتيجة لذلك، شكلت القوات البحرية الأمريكية والبريطانية مع دول حليفة أخرى فريقا أمنيا جديدا في أبريل/نيسان من هذا العام لمراقبة البحر الأحمر وتحقيق الاستقرار في الملاحة وتأمين خط التجارة الدولية المهم عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن.

وقد استكمل (تشكيل القوة الجديدة) ذلك الدور النشط الذي تلعبه المملكة العربية السعودية بالفعل في قيادة التحالف العربي، وتأمين ممرات ملاحية دولية في البحر الأحمر وباب المندب، وإحباط عشرات الهجمات الإرهابية التي خطط لها الحوثيون على مدى السنوات الثماني الماضية والتي شملت القوارب المفخخة التي يتم التحكم فيها عن بعد والألغام البحرية، وكلها تقنيات عسكرية مستوردة من إيران.

منذ مايو/أيار 2022، دعت عدة دول أوروبية، بقيادة فرنسا، إلى توسيع صلاحيات بعثة المراقبة الأوروبية على مضيق هرمز – التي تشكلت في بداية عام 2020 من ثماني دول أوروبية – لتشمل البحر الأحمر والمحيط الهندي عبر مضيق باب المندب. تكمن أهمية هذا الطريق في حقيقة أن 10 في المائة من التجارة العالمية تمر عبر هذا المضيق، ومن المتوقع أن تزداد بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

فمنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ومقاطعة النفط الروسي، تحاول الدول الأوروبية إيجاد بدائل للنفط الروسي، وتتجه إلى منطقة الخليج التي تعد البديل الأفضل من حيث الوفرة والبنية التحتية. علاوة على ذلك، أبرمت إيطاليا وألمانيا صفقات جديدة مع قطر، وفعلت فرنسا الشيء نفسه مع الإمارات العربية المتحدة. ولا يقتصر الأمر على النفط، بل هناك تفاهمات للتعاون بين أوروبا ودول الخليج العربي بشأن الطاقة النظيفة امتدادا للاتفاقيات السابقة بشأن الهيدروجين الأخضر بين الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية والإمارات.

 

العلاقات بين الشرق والغرب تعتمد على الاستقرار البحري

وتعتمد العلاقات بين الشرق والغرب بشكل كبير على استقرار الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز وباب المندب بسبب موقعهما الجغرافي المركزي وتقاطعهما بين أوروبا وآسيا وأفريقيا. كما تعتمد العديد من الدول في الغرب على العلاقات التجارية مع المنطقة العربية، وخاصة دول الخليج العربي.

ويشهد العالم اليوم ركودا اقتصاديا أجبر العديد من القوى العظمى على إعادة التفكير في توجهاتها الجيوسياسية. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية على سبيل المثال قررت الانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الأوسط، إلا أن التداعيات الاقتصادية ستجبرها على إعادة النظر في الاستقرار في المنطقة واليمن على وجه الخصوص. تشارك العديد من الدول الأوروبية بالفعل في سباق لتأمين خطوط التجارة الدولية وتعزيز دورها الرائد في الملاحة البحرية على هذه الممرات الملاحية الحيوية.

وتشير التقديرات الاقتصادية إلى أن الناتج القومي الإجمالي لمنطقة البحر الأحمر سيتضاعف أكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050، من 1.8 تريليون دولار إلى 6.1 تريليون دولار. وبصرف النظر عن هذه الإمكانات، تشير التوقعات الاقتصادية المستندة إلى البيانات الحالية إلى أن الاستثمار في الأمن التجاري العالمي عبر الخليج العربي لن يزيد كثيرا خلال العقود القادمة بسبب عدم الاستقرار في المنطقة. وقد يتغير هذا بشكل كبير إذا كانت هناك جهود مشتركة لتأمين المنطقة، وزيادة حجم التجارة العالمية عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب إلى أكثر من خمسة أضعاف مستواه الحالي، من 881 مليار دولار إلى 4.7 تريليون دولار بحلول عام 2050.

 

يجب على الغرب معالجة السبب الجذري للمشكلة

على الرغم من هذه المبادرات، فإن العالم الغربي يتعامل مع الأعراض وليس السبب الجذري. الحل الأبسط هو تبني الاستراتيجية المعروفة باسم نظرية المنبع (the upstream theory)، والتي تتبع الأعراض إلى أصل المشكلة. المفارقة هنا هي أن الصين تدرك تماما أهمية هذه المنطقة. وهي تسعى إلى استعادة نفوذها العالمي من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية، والاستثمار في جيبوتي، وتنفيذ مشاريع البنية التحتية الضخمة هناك في الوقت الذي تستعد فيه لفرض نفسها تدريجيا على المنطقة، مع تقويض فرص الولايات المتحدة على وجه التحديد.

وبدلا من تشكيل المزيد من المبادرات وبذل الملايين والكثير من الجهد في حماية الممرات الملاحية التجارية، ينبغي على القادة المعنيين – في أوروبا على وجه الخصوص – تكريس جهودهم لدعم مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية التي تمثل كامل الطيف السياسي والاجتماعي اليمني، بما يمكنه من فرض السيطرة وإرساء الأمن والاستقرار على طول الشريط الساحلي اليمني. وفي الوقت نفسه، من شأن ذلك أن يحد من الحوثيين وقدراتهم العسكرية، الذين شاركوا مؤخرا في الحرب الإيرانية غير المعلنة على البنية التحتية للطاقة والمنشآت والموانئ وناقلات النفط في المياه الدولية.

الأدلة موجودة والحلول مطروحة على الطاولة. هل يمكن للدول الأوروبية التعامل مع الأسباب الجذرية للمشكلة، أم أنها ستستمر في إضاعة المزيد من الوقت في التعامل مع الأعراض؟

*ترجمة خاصة بـ”يمن مونيتور” عن New Age في 18/12/2022، ونشر أولاً في ” Qantara.de” الألمانية.

*معمر الإرياني هو وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى