أخبار محليةاخترنا لكمالأخبار الرئيسيةتقارير

التعليم في اليمن.. واقع يغزوه الوجع والبؤس ومستقبل قاتم ينتظر الأجيال القادمة (تقرير خاص)

يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من إيناس السبئي

يُعد قطاع التعليم في اليمن، من أكبر القطاعات المتضررة من الحرب الدائرة في البلاد منذ ثمان سنوات، إذ بات واقع التعليم سيء جداً وزادت نسبة الأمية القرائية بنحو 70 في المئة في الأرياف، و40  في المئة في المدن الحضرية، وبات التعليم الجيد حلم صعب المنال خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين.

وأجبرت الحرب، الآلاف من المدرسين إلى الانصراف عن التعليم والبحث عن مصادر للعيش، إثر انقطاع الراتب، وضاعف المأساة لجوء أعداد كبيرة من الطلاب، الذين ينتمون إلى الأسر الفقيرة والأشد فقراً، إلى البحث عن مصادر للعيش، جراء تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي  في البلاد.

وتفاقمت الأمور على نحو أسوأ، إثر الانقسام في إدارة العملية التربوية، بين الحكومة الشرعية والحوثيين، ونزوح آلاف المدرسين وعشرات آلاف الطلاب من مناطق سيطرة الحوثيين إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية، لا سيما محافظة مأرب، التي تكتظ بالنازحين، ما ضاعف العبء هناك.

ومن شأن قيام الحوثيين بتسيس التعليم وإجراء تعديلات على المناهج التعليمية في مناطق سيطرتهم، أن يسهم أيضاً، في تغير النسيج الاجتماعي وتعميق الفجوة الثقافية والفكرية في البلاد، وإنتاج جيلاً محاصَرا بالأفكار الطائفية والإقليمية، إضافة إلى ثقافة العنف والكراهية” ما يدفع أكثر بالتعليم إلى حافة الانهيار الكامل، وإنهاء مستقبل الأجيال القادمة.

“تحديات متشابكة”

في سبتمبر الماضي، وخلال قمة التعليم (الدائرة المستديرة)، قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، رشاد العليمي، إن قطاع التعليم في البلاد يعاني من تحديات متشابكة على صلة بكيفيات الوصول إلى مئات آلاف الأطفال النازحين بسبب الحرب المستمرة منذ سبع سنوات.

وأوضح أن “هناك تحديات متعلقة “بأولئك الذين تجندهم المليشيات (في إشارة للحوثيين) في أعمالها الحربية العدائية، وتسخيرهم في دورات عقائدية طائفية ودينية متطرفة، اضافة إلى ممارسات وقيود أخرى تستهدف الحد من التحاق الفتيات بالمستويات التعليمية الجامعية.

وأشار إلى أن “تحقيق الفرص المتكافئة ودعم الفتيات في المؤسسات التربوية في بلادنا يبدو اليوم أحد اهم تحدياتنا الإنسانية والخدمية على الاطلاق، حيث باتت ملايين الفتيات والفتيان خارج المدرسة عرضة لكافة اشكال الانتهاكات بسبب هذه الحرب والازمة التي صنعتها المليشيات الحوثية”.

وتابع العليمي: قطاع التعليم كان في قلب القطاعات التي طالتها الآثار المدمرة للانقلاب الحوثي، خصوصاً في مراحله الأساسية، وبالأخص منه تعليم الفتيات.

“الإضراب المتكرر”

وليس الحوثيون السبب الأول والأخير في تدمير التعليم باليمن، فخلال السنوات الأخيرة شهدت المدارسُ الحكومية في مناطق الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، إضرابات متكرّرة، أدت إلى توقف العملية التعليمية بشكل كامل، ما أثر على سير العملية التعليمية.

ففي حين يعاني المعلمين في مناطق سيطرة الحوثيين من توقف رواتبهم منذ أكثر من ست سنوات، يعاني المعلمين في مناطق الحكومة الشرعية أيضاً من انقطاعات لمستحقاتهم المالية ولفترات طويلة تستمر أكثر من ثلاثة أشهر.

وفي هذا الشأن، يقول المعلم محمود إبراهيم في تصريح  لـ”يمن مونيتور”، إن من حق المعلمين المطالبة بحقوقهم فلديهم مسؤوليات وأسر والتزامات لا يمكن تحملها في زمن الحرب وانهيار العملة وتضخم المعيشة وتدهور الأوضاع”.

ولفت إلى أن “مستحقات المعلمين رغم الحرب تناقصت إلى أكثر من 70%، إذ كان المعلم في اليمن يتقاضى في عام 2012 ما يعادل نحو 300 دولار أمريكي لكنه اليوم يتقاضى وعلى نحو منقطع ما يعادل 100 دولار، مشيراً إلى أن أجور المواصلات لوحدها تكلفه يومياً 1500 ريال (الدولار = 1150 ريالا)”.

يكشف المعلم محمود، أيضاً جانبا من معاناته الصحية، إذ يقول إنه “يعاني من أمراض جسدية كثيرة وآلام دائمة حتى أصبح اليوم غير قادراً على سداد فواتير الأدوية التي يتناولها، وغير قادراً على المشي بسبب هذه المعاناة الصحية التي تراكمت مع استمرار الحرب وانقطاع الرواتب”.

لكنه، رغم كل هذه المعاناة يؤكد إصراره، وعزمه الثابت على مواصلة أداءه في خدمة التدريس والتعليم كـ”ديانة لا كمصدر للرزق وحسب”. على حد تعبيره

وتابع بالقول: “في وسعي التوقف عن التعليم والبحث عن عمل آخر لكني لا أعمل لأجل المال وحسب وإن كنت في حاجة له.. أنا أعمل لأن التدريس باعتباره الفريضة السادسة والتي من خلالها أخدم وطني بإمكاناتي المحدودة”.

وتصرف الحكومة اليمنية رواتب التربويين على نحو منقطع في مناطق سيطرتها بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها وتوقف تصدير النفط والغاز بفعل الحرب، في حين أن مرتبات 130 ألف مدرس في مناطق سيطرة الحوثيين، منقطعة بالكامل منذ خمس سنوات باستثناء نصف راتب يُصرف كل ستة أشهر من جانب سلطة الحوثيين، لكنها مؤخرا انقطعت هي الأخرى منذ نحو سنة.

“السوق السوداء للتعليم”

انحدار التعليم الحكومي في اليمن، بسبب الحرب التي أدت إلى تدمير مئات المدراس إثر تحويلها من أطراف الصراع إلى ثكنات عسكرية، وأفرغت أخرى من معلميها بسبب توقف المرتبات، أدى إلى انتعاش كبير في المدارس الأهلية التي تحولت إلى سوق سوداء للمتاجرة بالتعليم ومستقبل الأجيال.

ومن عام لآخر تزداد أعداد المدارس الخاصة، فقد وصلت في غضون عامين بالعاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى قرابة 700 مدرسة من أصل 400 قبل الحرب، في حين يقدر عددها في مدينة تعز التي تخضع للحكومة اليمنية إلى أكثر 100 مدرسة أهلية، تم افتتاحها بدون حسيب أو رقيب ودون أي قوانين أو رقابة، بعد الانحدار الكارثي لقطاع التعليم الحكومي.

وبالنظر إلى المعايير التي من المفترض أن تلتزم بها المدارس الأهلية وتحددها وزارة التربية والتعليم، هناك مدارس كثيرة لم تلتزم بتلك المعايير، وهو ما يجعل مخرجات تلك المدارس فاقدة التأهيل والكفاءة.

فقد، سارعت الكثير من هذه المدارس إلى التوظيف العشوائي للمعلمين وفي تخصصات ثانوية وأساسية، مخالفة بذلك أبسط ضوابط التعليم، فضلاً عن غياب أبسط الخدمات التعليمية الأساسية، وسط غياب كامل للجهات المعنية بمراقبة أداء وعمل هذه المدارس.

وفي هذا الشأم، يقول أحمد قاسم أحد أوليا الأمور لـ”يمن مونيتور”، إن “سجل أبنائه في المدارس الأهلية أملاً في الحصول على تعليم أفضل لأبنائه، لكنها اليوم تحولت للاسترزاق والكسب، وبات ميسوري الدخل بإمكانهم إخراج شهادات تعليمية منها دون أي أن يتلقى أبنائهم التعليم”.

وأشار إلى أنه “خلال الآونة الأخيرة ظهر مفهوم خاطئ في أواسط الآباء والمعلمين وهو تعليب التعليم وتقديراته والتعامل معها كسلعة لها ثمنها، حتى أصبح اليوم يعلب ويباع وفقا للمال أو الحالة الاجتماعية أو العلاقات العامة”  على حد قوله.

ولفت إلى أن “الكثير من الأبناء أصبحوا يتلقون تقديرات الشهائد العلمية مقابل صلة أو قرابة أو حتى لكون المتعلم يدفع ثمن تعليمه فهو بذلك يعتنق فكرة شراء الدرجة العلمية المتميزة بالمال متجاهلين الآلية والشروط المتوجبة لحدوث مثل هذه الحالات”.

وعند سؤال مراسل “يمن مونيتور”، مدير مكتب التربية والتعليم في مدينة تعز للإجابة حول هذه القضايا وموقف الوزارة والجهات الرسمية المعنية، أبدى تحفظه حيال ذلك، وامتنع عن الادلاء بأي إجابات من شأنها تعرية الإجراءات التربوية الحالية وما وصلت إليه من حالة لم يسبق أن شهدتها اليمن.

وتشهد اليمن حربًا شاملة منذ ثمانية أعوام، ألقت بكل نتائجها السلبية على مختلف شرائح المجتمع والقطاعات، وكان قطاع التعليم هو أكثر القطاعات تضرراً من النزاع، فقد بات التعليم في اليمن يمر بمرحلة هو الأسوأ في تاريخه، وأصبح ملايين الأطفال يعانون من واقع سيء وينتظرون مستقبلاً مجهولاً.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى