أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتقارير

تأثيرات الحرب وتقاليد المجتمع تضاعفان الصدمات النفسية لدى المرأة اليمنية (تقرير خاص)

يمن مونيتور/تقرير خاص/ من معاذ العبيدي

أصيبت صديقتي “أشواق” بالاضطراب النفسي جراء فقدها زوجها وبتر قدم ابنها الوحيد، ولم تجد من يقف بجانبها، لمساعدتها في دفع تكاليف علاج نجلها الوحيد، الأمر الذي جعلها تضطر لبيع المنزل من أجل توفير تكاليف العملية ومن ثم نزحت إلى القرية حيث بدأت حالتها هناك في منزل أخيها كحالة يمكن علاجها لكن لإهمالها تطورت حالتها جدا مما اضطر أخيها لحبسها في المنزل. (هبة محمد).

تقول هبة عن صديقتها “كانت أشواق في القرية قبل تدهور حالتها قد بدأت تمارس مهنة بيع القات، الأمر الذي جعل من في القرية يسخرون منها بسبب العادات وخصوصا أنها من أسرة قبلية ليست (ناقصة) مما اضطر أخاها لمنعها من العمل، وقالت إنها لم تعثر على عمل آخر ولو بدخل قليل لتوفير لقمة عيشها” وتضيف أن إصابة أشواق بالمرض النفسي بسبب الحرب والعادات المجتمعية”.

وأدت الظروف التي مرت بها اليمن منذ اندلاع الحرب 2015 إلى تدهور الصحة النفسية بشكل عام، حيث بلغت نسبة المترددين على مستشفى الأمراض النفسية والعيادات النفسية في محافظة تعز 15 الأف شخص خلال الفترة ما بين 2017 وحتى منتصف العام 2020.

وبحسب معلومات حصل عليها “يمن مونيتور” فإن مركز الرعاية النفسية المختص بالنساء  بشكل أساسي وببعض الحالات من الفئات الأخرى قد استقبل خلال العام 2021 ما يقارب 700إمرأة بشكل دوري قدمن إليه لأخذ العلاج وجلسات الدعم النفسي والمشورة والتشخيص والمعاينة والخدمات المخبرية “.

 

ويعتبر المركز إضافة لكل الخدمات التي يقدمها وتقدمها المراكز الأخرى المتواجدة في مدينة تعز، الوحيد الذي يوفر للنساء خدمة الرقود والتي تشرف عليها كوادر نسائية، إضافة للطعام والدواء والرعاية النفسية طوال تلك الفترة بشكل مجاني.

احتياج وقلة اهتمام

يعتبر مستشفى الأمراض النفسية والعصبية الحكومي الوحيد الذي يختص بعلاج الحالات النفسية بين المستشفيات الحكومية في مدينة تعز. ومع تدهور الأوضاع واندلاع الحرب ولأسباب أخرى وجد المستشفى نفسه عاجزا عن توفير القسم الخاص بتقديم العلاج النفسي للنساء، الأمر الذي اضطر مديره لإغلاق القسم موفرا كل اهتماماته بالمرضى الرجال فقط.

يقول رئيس هيئة التمريض في المستشفى محمد طه سعيد إن القسم كان يقوم بعمله بشكل منتظم قبل الحرب، وأن الحرب أدت الى تضرر مباني المستشفى بأضرار كبيرة.

ويضيف في تصريح لـ “يمن مونيتور” عند عودتنا بعد تأمين المنطقة وجدنا انفسنا أمام مباني متضررة فاضطررنا لترميم جزء من المستشفى”.

وتابع “لسوء الحظ أن الجزء الآخر والذي يحوي قسم النساء لم نستطع ترميمه لعدم توفر الدعم، وبالنسبة لعدم توفر الدعم من أجل اعادة ترميم المستشفى فأن الدعم ليس السبب الرئيسي لإغلاق القسم، مشيرا إلى أن المستشفى بحاجة لكوادر صحية نسائية.

وأوضح أنه منذ بداية الحرب وعلى امتداد سنوات الحصار أصبح من المستحيل ترك الكادر النسائي والمريضات فيه ليلا”.

ويقول سعيد إن مركز الرعاية النفسية المتخصص بالنساء يفتقد للكثير من الاحتياجات من أجل تقديم خدمة افضل تتمثل في نقص الكوادر المختصة وأيضا الحاجة للعلاج كون المترددين عليه كثر ولايمكن للمركز أن يستوعبهم بشكل كامل.

المرأة ضحية المرض النفسي

وفي سياق متصل تتحدث والدة الشابة نور مهيوب عن حالة ابنتها البالغة من العمر 25 سنة ودموعها تسابق حديثها والحزن يكسو محياها.

تفيد الأم المكلومة أن فلذة كبدها نور تعرضت لصدمة نفسية كبيرة بداية الحرب عندما كانت تحاول النزوح عبر منفذ غراب صوب مدينة تعز حيث اصابت رصاصة طائشة أخوها محمد في العمود الفقري وجعلته عاجزا عن الحركة كل ذلك أثر عليها كثيرا، وحاليا تعاني من اضطرابات نفسية وتتردد على مؤسسة الرعاية النفسية من أجل أخذ العلاج الذي يسكن اعصابها قليلا.

ويسود اعتقاد أن المرأة لا تتأثر بالحرب أو ان التأثر يكون قليلا إذا ما قورن بالرجل باعتبار أنها لا تحمل بندقية ولا تشارك في الحروب، لكن هذا المعتقد ليس سليما إذا ما جئنا لنبحث في الأسباب التي تؤثر على المرأة في المجتمع اليمني نفسيا وتجعلها ضحية للمرض النفسي.

يعلق مدير مركز الرعاية النفسية ودكتور علم الاجتماع بجامعة تعز (ابراهيم قائد) في تصريح لـ”يمن مونيتور” قائلا: إن الحرب ليست السبب الرئيس للأمراض النفسية، ويعتبر أنها من أبرز الأسباب الرئيسية للمرض النفسي بالإضافة للصدمتين النفسية والعاطفية وحالات الفقد والوراثة، وأنها تؤدي لتفاقم هذه الأسباب.

ويرى مختصون في علم الاجتماع أن المرأة في اليمن تعرضت للكثير من الصدمات بسبب الحرب والحصار، وأنها هيئتها أكثر من غيرها من النساء في الوطن العربي للإصابة بالأمراض النفسية، منها إعالتها للأسرة فالمرأة اليمنية فقدت زوجها أو أباها أو أخاها، الأمر الذي جعلها تعمل لتوفر لقمة العيش لها ولأسرتها حيث أدى لشعورها بالحزن والتفكير اللا اعتيادي، وجعلها أكثر عرضة للاضطرابات النفسية.

وديع المخلافي مقدم الدعم النفسي في مركز خدمة الشباب في تعز يقول ل “يمن مونيتور” إن الحرب والعنف فاقما ظاهرة كثيرة داخل المجتمع منها الفروق الاجتماعية بين الجنسين، وجعلت الذكور يملكون امتيازات كثير كالقوة واتخاذ القرار، وسلبت هذه الامتيازات بالنسبة للمرأة حيث جعلتها أقل قدرة وعديمة قدرة على اتخاذ القرار.

ويرى المخلافي “أن الحروب ومظاهر العنف” أديا بصفة أو بأخرى إلى تدهور الأوضاع الأمنية وتدني مستوى خدماتها، الأمر الذي أدى لتعرض المرأة للتحرش والمضايقات التي جعلت المرأة تحديا من ممارسة أنشطتها خارج المنزل كالدراسة والعمل واضطرها للجلوس بكثرة في البيت، ونتيجة ذلك كانت إصابتها بالاضطرابات النفسية.

ويضيف “تلعب ثقافة المجتمع والأعراف الاجتماعية في المجتمع اليمني تجاه المرأة، دورا كبيرا في تحجيم الفرص المتاحة لها في الحصول على العمل الذي بلا شك يساعدها في تلبية احتياجاتها واحتياجات أسرتها، مما جعل معاناتها تزداد”.

معوقات رعاية المرأة

في الحقيقة يوجد كثير من المعوقات التي تحول دون وصول المرأة لمراكز الرعاية والدعم النفسي في اليمن والتي أهمها المعوقات المادية المتمثلة بعدم القدرة على دفع تكاليف السفر أمام بعد المسافة بالإضافة لمعوقات أخرى مرتبطة بالعادات والثقافة المجتمعية السائدة وأخرى بالدين.

يقول “إبراهيم قائد” “يوجد لدى المرضى النفسيين في اليمن بشكل عام والنساء بشكل خاص ما يسمى بوصمة المرض التي يصفها ب” عيب إنك تكون مريضا نفسيا “، والتي تجعل المريض كما يرى” يحاول إخفاء ذلك وخصوصا النساء كونهن يخفن على فرصهن في الحياة مع الناس والزواج “ويعتبر هذا” ناتج عن ثقافة المجتمع التي تعتبر المرض النفسي جنونا غير قابل للعلاج “.

ويضيف:” إن نقص الوعي داخل المجتمع يحتم على المرأة والمرضى النفسيين زيارة المعالجين بالشعوذة قبل الأطباء، وخصوصا أولئك الذين يعالجون بالظرب، الأمر الذي يزيد من حالة المريضة ويجعلها أكثر تعقيدا “.

وبحسب” المخلافي “فإن المعوقات الثقافية والمجتمعية كالعادات والتقاليد ووجود بعض النظرات التي تنظر للمرأة إما نظرة استعبادية أرى على أنها غير مؤهلة للعلاج النفسي من باب العيب خطرا كبيرا على المرأة. وقد، أدت هذه المعوقات لمنع نساء من العلاج، ويوجد إضافة لكل ذلك معوقات مرتبطة بتجاهل الأهل للمريضة بسبب قلة الحيلة حتى تظهر عليها الأعراض بشكل رسمي، والتي لا ينفع معها العلاج إن عرضت فيما بعد.

واجهن الحرب التي أشعلها طرفا النزاع في اليمن بنون النسوة فكن الضحايا أغلب الأحيان، نزحن وثكلن وتأرملن وفقدن أقرب المقربين بسبب الحرب أو شاهدنه عاجزا عن القيام بدوره، الأمر الذي اضطرهن للقيام بأدوار صعبة وشاقة إضافة لتحملهن أعباء الفقد والنزوح وكل هذا جعلهن يعشن حروبا أخرى تمثلت بالحرب النفسية، فاقمتها العادات والعرف المجتمعي ورغم كل شيء كن وحدهن الضحايا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى