أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتقارير

التنمر.. وحش المدارس المرعب في اليمن يتعاظم خلال سنوات الحرب(تحقيق خاص)

يمن مونيتور/ وحدة التحقيقات/ من معاذ العبيدي

تعرض “لؤي” (13 عاماً) للتنمر المستمر من أقرانه بعد انتقل من قريته لدراسة الإعدادية في مدينة تعز (وسط اليمن)، أدت إلى تضرر نفسيته ومستواه التعليمي.

لؤي واحد من آلاف الأطفال في اليمن الذين يعانون من التحرش والتنمر من زملائهم، لتنتشر مؤخراً بسبب الحرب المستمرة منذ سبع سنوات.

ويقول الخبراء إن “الحرب” و”شبكات التواصل الاجتماعي” ساعدت في زيادة اكتساب الأطفال لهذا السلوك العدائي واستخدامه بينهم، دون مراعاة لمشاعر الأخرين والآثار السلبية الناجمة عنه سواء كانوا متنمرين أو متعرضين للتنمر فيما بينهم، أو حتى كانوا ضحية تنمر من يكبرونهم سنا، في الوقت ذاته كانت المدرسة بيئة خصبة لنموه وتفشيه.

وتقول تقارير احصائية صادرة عن اليونسكو 2019 أن العنف المدرسي والتنمر مشكلة رئيسية في جميع أنحاء العالم، تطال نحو ثلث طلاب المدارس وتؤثر على صحتهم العقلية ومستوى تحصيلهم العقلي.

بينما يعرف تقرير للأمم المتحدة التنمر على أنه سلوك عدواني ينطوي على أفعال سلبية وغير مرغوب فيها يتكرر باستمرار وتعكس اختلالا في القوة أو البأس بين الجاني والضحية.

لا يتلقى مليوني طفل يمني تعليمهم بسبب الحرب، وتعاني المدارس الحكومية من تضرر واسع في التعليم مع توقف تسليم رواتب الموظفين والمعلمين في قطاع التعليم.

“الحرب” و”شبكات التواصل الاجتماعي” ساعدت في زيادة اكتساب الأطفال لهذا السلوك العدائي واستخدامه بينهم،

“يا دبدوب”.. المدرسة بيئة للتنمر

تعتبر المدرسة بيئة خصبة للتنمر لأسباب كثيرة مرتبطة بنفسية الطالب والبيئة التي جاء منها، باعتبارها تجمعا كبيرا يقضي فيه الطلاب ساعات كثيرة مع بعضهم البعض الأمر الذي يجعلهم يمارسون التنمر فيما بينهم إما تقليدا للكبار أو لمشاهد تابعوها في حياتهم أو لإبراز القوة.

محمود البكاري استاذ علم الاجتماع في جامعة تعز يرى أن ظاهرة التنمر تنمو في المدارس باعتبار أن المدرسة تجمع أكبر عدد من الأطفال إذ يتواجد بينهم أشخاصا يمتلكون نزعة أو سلوكا عدائيا يعملون على تفريغه من خلال تعاملهم مع زملائهم.

ويقول البكاري لـ”يمن مونيتور” إن هذا السلوك واكتسابه ناتج عن عدم وجود رقابة مدرسية على الطلاب يتم من خلالها إخضاع من لديه نزعة تنمر للعلاج النفسي والاجتماعي لدى اختصاصين نفسيين واجتماعيين يجب أن يتواجدوا في المدارس.

لؤي ناجي (اسم مستعار) -13 عاماً-.. تعرض للابتزاز والتحرش والتنمر بعد انتقاله من القرية لإحدى مدارس مدينة تعز من قبل مجموعة من أطفال الصف بسبب كونه طالبا جديدا حيث لم يستطع تكوين علاقات مع اقرانه.

ترك لؤي قريته في ريف بعد موت والدته، كما أمره والده للهروب من المدارس التي يديرها الحوثيون، وانتقل لدراسة الإعدادية عند قريب له في المدينة.

لم تستطع المدرسة أن تحد من التنمر ضد لؤي مبكراً. ويقول معلم إنه لا يأتِ بولي أمره ولا يحبذ الشكوى بسبب التهديد من قبل بعض الأطفال وإخباره أن أباءهم ذوي مكانات في الدولة، وإن كانت المدرسة قد حدت من المشكلة فيما بعد فإن الأثر كان قد ترسخ في نفس “لؤي”.

ويضيف البكاري أن التنمر أكثر انتشارا في المدينة من القرى ويرجح ذلك لوجود كثافة سكانية مرتفعة وايضا لانتشار النوادي الخاصة بألعاب الاطفال ولوجود البيئة المتأثرة بصراعات الحرب، ويؤكد “أن ضعف الرقابة الاسرية على الاطفال غالبا بسبب الاهمال المتعمد من الاهل أو الانشغال بالعمل معظم الوقت يؤدي لانتشاره بكثرة.

التنمر أكثر انتشارا في المدينة من القرى ويرجح ذلك لوجود كثافة سكانية مرتفعة وايضا لانتشار النوادي الخاصة بألعاب الأطفال. محمود البكاري استاذ علم الاجتماع في جامعة تعز

بينما يقول اختصاصيون اجتماعيون أن التنمر لا يقتصر على الطلاب من نظرائهم الطلاب فقط إلا أن المعلمين قد يكونوا عاملاً مساعدا في انتشار هذه الظاهرة في المدارس سواء كان ذلك بطرق مباشرة كاستخدام العصا والضرب أو الألفاظ السيئة والبذيئة أو بطرق غير مباشرة كعدم استخدام الأساليب التربوية المناسبة في ايقاف أسباب التنمر ومعالجة اثاره بين الطلبة.

“أنت يادبدوب، يا طبل” يقول أحمد أمين لـ”يمن مونيتور” إن “هذه الكلمة وقهقهات سخرية تتبعها من المعلم والطلاب هي ما كانت تتردد على مسامعي كل يوم من معلم مادة الرياضيات حين يريد أن يستفسرني عن شيء ما أو يحذرني داخل الفصل، ويرجع سبب التسمية لكوني سمينا قليلا الأمر الذي جعلني أشعر بالنقص الشديد والضعف والمهانة والاختلاف عن زملائي وجعلني أشعر أنني لست سويا طوال الدراسة لقد لصق الاسم بي حتى أنهيت الثانوية”.

ويرى مقدم الإرشاد والدعم النفسي في محافظة تعز وديع المخلافي في حديثه لـ”يمن مونيتور” أن “ظاهرة التنمر تتفشى في البيئة المدرسية بشكل كبير ولا يقتصر ذلك بين الطلاب أنفسهم، بل أن ذلك قد يكون صادرا عن بعض المعلمين والمعلمات ضد الطلاب”.

ويرجح أن ذلك قد يعود “لأسباب وعوامل نفسية وسمات شخصية متعلقة بالمعلم ذاته، ربما تكون ناتجة عن عوامل خارجية كالتأثر بالصراعات أو كالضغوطات النفسية التي يتعرض لها المعلمون وتنعكس تأثيراتها من خلال سلوكهم وتصرفاتهم مع الطلبة في صورة سلوك مباشر أو غير مباشر ضد الطلبة”.

ويضيف أن “ضعف الضوابط الإدارية داخل المدرسة تساعد على انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير”.

وأشار إلى أن “التنمر عند المعلمين قد يكون ناتج عن ضعف مستوى الوعي لدى بعضهم ما يزيد من الآثار السلبية التي يتركها التنمر على الطلبة بشكل عام”.

اليونسكو ترى أن الإساءة النفسية أكثر شيوعا بين الفتيات، إذ يتعرّضن للإقصاء والرفض، والتجاهل، والإهانات، ونشر الشائعات، واختلاق الأكاذيب، والشتائم، والسخرية، بالإضافة إلى الإذلال والتهديد.

العنف والحرب عوامل للتنمر

يرى اختصاصيون نفسيون أن السبب الرئيسي لانتشار التنمر بين الأطفال يرجع إلى البيئة الأسرية التي جاؤوا منها والتي يتأثرون من خلالها بسلوك العنف الذي قد يمارسه الوالدين عليهم، حيث أن تعرضهم للضرب المبرح من قبل الوالدين يولد لديهم غضبا شديدا يجعلهم يحاولون إلحاق الأذى بالأخرين ممن حولهم كنوع من التعبير والتنفيس عن الغضب، معتبرين أن الطفل المتنمر ذاته في الغالب يكون ضحية تنمر سابق.

سارة حمود طالبة في الصف السادس تجبرها ضحكات المعلمات والزميلات على لبس الحجاب كرها بحكم أنها أصبحت كبيرة متناسين سن الطفولة المحدد؛ -كما يقول والدها لـ”يمن مونيتور”.

أٌلبست سارة الحجاب بعد حملات تنمر وإهانات شرسة من المعلمات، الأمر الذي مازال يوحز في ضميرها ويجعلها تبكي دائما وتكن كرها للعلم الذي لا يقبل حريتها.

اليونسكو ترى أن الإساءة النفسية أكثر شيوعا بين الفتيات، إذ يتعرّضن للإقصاء والرفض، والتجاهل، والإهانات، ونشر الشائعات، واختلاق الأكاذيب، والشتائم، والسخرية، بالإضافة إلى الإذلال والتهديد”.

وهنالك أسباب كثيرة، حسب “وديع المخلافي”، الذي يربط بعضها بالرغبة في جذب انتباه الأخرين المحيطين بالطفل المتنمر أو الشاب على حد سواء، إضافة إلى أن أي التنمر قد يكون ناتجا عن حقد الطفل أو غيرته من زملائه كونه يراهم أكثر تفوقا منه.

وأخرى يربطها بوجود مشكلة لدى الطفل أو اليافع هذه المشكلة متعلقة بسوء فهمه لمشاعر الأخرين، بالإضافة إلى “أن القوة الجسدية من العوامل المساعدة في تنمر الطالب ضد زملائه الضعاف جسدياً”.

ويعتقد أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز “البكاري” في حديثه لـ”يمن مونيتور” عن كيفية اكتساب التنمر وأسباب انتشاره ببن الأطفال : “أن التنمر سلوك عدائي ينتشر بين الاطفال بسبب رغبتهم في التقليد لأعمال العنف التي تنتشر في المجتمع المليء بالصراعات والحروب او التي يشاهدها في وسائل الإعلام وخاصة مسلسلات العنف”.

ويضيف المخلافي أن “الحروب ومظاهر العنف تنعكس بشكل مباشر وغير مباشر على سلوكيات الأفراد بشكل عام ومنهم الأطفال وطلبة المدارس، الامر الذي بدوره يزيد من انتشار ظاهرة التنمر، حيث إن ثقافة الحروب والقوة وحمل السلاح بين الكبار تنعكس سلبا على سلوكيات الاطفال وطلبة المدارس بشكل مؤكد”.

التنمر يؤدي الى ظهور العديد من الأعراض والأثار النفسية والاجتماعية للطفل الضحية وقد تكون هذه الأثار مباشرة وسريعة الظهور وقد يظهر البعض منها في مراحل متأخرة. مقدم الإرشاد والدعم النفسي في محافظة تعز وديع المخلافي

آثار التنمر المدرسي

ينشأ عن التنمر آثار سلبية على المدى البعيد أو القريب في نفسية المتنمر عليه، هذه الأثار تؤثر بشكل مباشر على الطفل نفسيا واجتماعيا من خلال تكوين العلاقات ومدى قابليته لنفسه وتجعله يفقد الكثير من الحيوية والعلاقات ويغير أحيانا نظره تجاه شيء معين كالمدرسة.

يقول البكاري:” أن ظاهرة التنمر تتمثل في زيادة أعمال العنف بين الأطفال وتنشئة الطفل على هذا السلوك يجعل منه عنصرا سلبيا في المجتمع حيث تظل هذه النزعة ملازمة له في حياته ويكون لها تداعيات واثار سلبية نفسية واجتماعية على الفرد والمجتمع حيث ينعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي”.

وقالت اليونسكو في بيان لها: “إن عواقب التنمّر يمكن أن يكون لها تبعات وخيمة على التحصيل العلمي والتسرّب من المدرسة والصحة البدنية والعقلية”.

واضافت أن “الأطفال الذين يتعرّضون للتنمّر بشكل متكرر هم أكثر عرضة بثلاث مرّات تقريبا للشعور بأنهم دخلاء في المدرسة، وتتضاعف احتمالية التغيّب عن المدرسة أكثر ممن لا يتعرّضون للتنمّر”، ينعكس ذلك على تحصيلهم العلمي كما أنهم عرضة لترك التعليم الرسمي بعد إنهاء المرحلة الثانوية.

المخلافي يرى “أن التنمر يؤدي الى ظهور العديد من الأعراض والأثار النفسية والاجتماعية للطفل الضحية وقد تكون هذه الأثار مباشرة وسريعة الظهور وقد يظهر البعض منها في مراحل متأخرة”.

وبحسب قوله فإن هذه الآثار تتكون عادة بظهور علامات الخوف والحزن والتعاسة والوحدة والاكتئاب والانطواء والرغبة في البكاء والتلعثم في الكلام وتقلبات المزاج والعصبية والكوابيس والقلق بشكل عام والتبول والتقلبات في النوم وعدم الرغبة في الخروج مع الأصدقاء وقلة الصداقات والعلاقات الاجتماعية “.

هكذا جعلت الحروب والأسباب الأخرى الناتجة عنها نفسيا واجتماعيا المجتمع اليمني بيئة خصبة للتنمر دون تفرقة بين صغير أو كبير، وقد أدى تدهور التعليم لجعل المدرسة حاضنة لهذه الظاهرة التي أصبحت مرعبة بالنسبة للكثير ومهدمة لنفوس الكثير من الطلاب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى