أخبار محليةاخترنا لكمالأخبار الرئيسيةتقارير

إقبال متزايد لليمنيات على “الولادة القيصرية” رغم المخاطر على الأم والجنين (تحقيق خاص)

يمن مونيتور/ وحدة التحقيقات/ من هبة التُبَّعي

قبل خمسة أعوام خضعت “أم كلثوم الكمالي” لعملية قيصرية في مستشفى خاص بمدينة “القاعدة” التابعة لمحافظة إب، بعد تعسر ولادتها المهبلية، لكنها تعاني تبعات تلك العملية إلى اليوم.

تقول الكمالي لـ”يمن مونيتور” إن الأطباء أرجعوا قرارهم بإجراء عملية قيصرية لاستخدامها “مثبت حمل” طيلة فترة الحمل لأن جنينها كان معرضاً للسقوط.. لكن العملية أثرت على صحتها كثيراً، إذ تعاني من “ارتجاع المعدة والمري” الذي لم ينته بعد، بسبب التقيؤ بعد العملية القيصرية بفعل التخدير.

وتضيف بحسرة “لو لم أكن مضطرة لإجراء العملية لما أقدمت عليها.. الولادة القيصرية تخلصنا من ألم الولادة لكنها تنتقم منا فيما بعد بشكل أعنف وأطول”.

إقبال متزايد

على غرار أغلب دول العالم؛ ترتفع نسبة الولادة القيصرية في اليمن، رغم مخاطرها على صحة الأم والجنين، إذ تتراوح بين 18 إلى 21% من إجمالي حالات الولادة التي تتم في المستشفيات مع زيادة مطردة كل عام رغم المخاطر المحدقة.

وسجل المستشفى “الجمهوري” العام في “مدينة تعز” أكثر حالات ولادة مقارنة بالمستشفيات والمراكز الحكومية الأخرى.

وأفاد قسم المعلومات بالمستشفى “يمن مونيتور” بإجراء 874 ولادة قيصرية خلال عام 2021 بنسبة 18% من إجمالي حالات الولادة في القسم المدعوم من منظمة أطباء بلا حدود الدولية والبالغة 4815 حالة.

وتظهر احصائية فبراير/شباط الماضي ارتفاعاً مطرداً في حالات الولادة القيصرية إذ بلغت 109 من أصل 525 ولادة بنسبة 21%.

تظهر احصائية فبراير/شباط الماضي ارتفاعاً مطرداً في حالات الولادة القيصرية إذ بلغت 109 من أصل 525 ولادة بنسبة 21%.

وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن ارتفاع نسبة الجراحة القيصرية بين حالات الولادة إلى 15% عالمياً – و30% في الولايات المتحدة-  يعد استخداما مفرطا للجراحة.

ورغم المخاطر والمضاعفات المحتملة؛ إلا أنها تعد أكثر أماناً من الولادة المهبلية في بعض الحالات رغم أن التعافي يستغرق وقتاً أطول.

فئات.. وأسباب مختلفة

ويصنف الأطباء الولادة القيصرية إلى ثلاث فئات هي “القيصرية الانتقائية” التي تختارها الأم بدون ضرورة صحية، أما التي تقتضيها ضرورة صحية فتسمى “المخططة”، والثالثة هي “الطارئة” التي يقررها الأطباء نتيجة تعسر الولادة الطبيعية مع احتمالية حدوث مضاعفات خطرة.

يلجأ الأطباء لإجراء الجراحة القيصرية عندما تكون أكثر أمنا من الولادة الطبيعية

وحسب مختصين تحدثوا لـ”يمن مونيتور”: يلجأ الأطباء لإجراء الجراحة القيصرية عندما تكون أكثر أمنا من الولادة الطبيعية. ويعد “توقف المخاض” – أي عدم فتح عنق الرحم رغم الانقباضات القوية التي تحدث على مدى ساعات طويلة – من أكثر الأسباب الشائعة للولادة القيصرية تبعا لدراسة أجريت في “مايو كلينك” المستشفى الأول في الولايات المتحدة الأمريكية.

ثمة أسباب صحية أخرى محددة لدى أخصائي الولادة، تقتضيها الضرورة المتعلقة بصحة الجنين أو الأم، وأبرزها وضعية الجنين غير الطبيعية وكبر حجم رأسه أو ضيق حوض المرأة، والأمراض المزمنة تصبح معها العملية القيصرية هي الخيار الأنسب والأكثر أمناً.

ويعد ضيق حوض المرأة أهم أسباب الولادة القيصرية في اليمن، ويقول باحثون نمساويون إن النساء ذوات الحوض الضيق لم يكن يعشن أثناء الولادة منذ مائة عام لكنهن يعشن الان وينقلن جيناتهن المتعلقة بصغر حجم الحوض إلى بناتهن، وهذا يسبب أكبر احتمالية لانتشار الولادة القيصرية التي يتوقعون استمرارها، ولكن ليس إلى درجة اختفاء الولادة الطبيعية.

 

مخاطر وفيرة.. ايجابيات محدودة

“نسبة الأخطاء التي يحتمل حدوثها أثناء الولادة القيصرية تكون ضئيلة جدا عندما تجرى لأول مرة، لكنها تزداد مع تكرارها” قالت اخصائية النساء والولادة الدكتورة ريم المليكي.

وتضيف لـ “يمن مونيتور” أن أبرز هذه الأخطاء تتمثل بالتصاق الرحم بأحد الأعضاء الداخلية المجاورة مثل الأمعاء والمثانة والحالب والذي قد يخلف فيها جرحاً عميقاً.

الولادة القيصرية قد تسبب أضراراً طويلة الأمد للأم مثل آلام الحوض والظهر بشكل مستمر،

ريم المليكي، إخصائية نساء وولادة

وترى “المليكي” أن بإمكان الأم الحامل أن تتجنب مسببات هذه الولادة بمتابعة الطبيب المختص أولا بأول طيلة فترة الحمل، للحفاظ على نسبة ضغط الدم والسكر ومعالجة الالتهابات الفيروسية للمهبل وتعديل وضعية الجنين ومراقبة حجمه حتى تتمكن من الولاد الطبيعية.

وأكدت أن الولادة القيصرية قد تسبب أضراراً طويلة الأمد للأم مثل آلام الحوض والظهر بشكل مستمر، إضافة إلى محدودية الإنجاب إذ لا يستطيع رحم المرأة حمل أكثر من 4 أطفال كحد أقصى وهذا قد يسبب مشاكل أسرية واجتماعية.

ولفتت إلى قصة امرأة حملت بطفل بعد 3 عمليات قيصرية رغم تحذير الأطباء لها, مما أدى إلى مضاعفات خطرة وتدهور رحمها حتى تم استئصاله.

وأشارت إلى إيجابيات محدودة للولادة القيصرية مقارنة بالطبيعية كتفادي الإعاقات الذهنية للجنين التي تحدث نتيجة نقص الأكسجين أثناء الولادة المهبلية, بالإضافة إلى تجنب هبوط الأعضاء التناسلية للمرأة.

مستشفى الثورة وسط مدينة تعز– ارشفية

“قيصرية مبرمجة”

فرت مها الشرعبي من مستشفى “التعاون” الحكومي في تعز حينما رفضت الطبيبة إجراء عملية قيصرية لا تحتاجها مطلقاً، وذهبت إلى مستشفى “الدقاف” الأهلي القريب منها ليتم إجراء العملية لها.

وتوضح الشرعبي لـ”يمن مونيتور” أن إحدى الطبيبات كشفت أثناء حملها عن كبر حجم الجنين الذي يترك احتمالية ولادتها قيصريا مما ضاعف شعور القلق بشأن تعسر ولادتها مما عزز إصرارها على طلب القيصرية.

وتواصل “أعاني الآن من ألم أسفل الظهر بشكل مستمر يعيقني أحيانا عن القيام بمهام المنزل إضافة إلى بعض الأعراض المؤقتة”.

 

العامل النفسي

وترى الدكتورة المليكي، وهي أخصائية النساء والولادة في المستشفى الجمهوري، إلى جانب عيادتها الخاصة بمدينة تعز، أن هناك عاملاً نفسياً بحتاً يقف وراء أغلب النساء اللائي يطلبن عملية قيصرية “مبرمجة” بدون ضرورة صحية.

وأوضحت في حديثها ل”يمن مونيتور” “نحن بدورنا نقوم بعمل توعية نفسية وصحية وثقافية للأم لتعريفها بخطورة ما تقدم عليه ولكن في حال فشلنا في ذلك نحقق لها رغبتها، لأن الحالة النفسية للأم مهمة أثناء ولادتها سواء مهبلياً أو قيصرياً”.

ترفض المستشفيات الحكومية غالباً، خصوصاً أقسام الولادة المدعومة من منظمات دولية، إجراء عمليات قيصرية دون دواعٍ طبية

 

قيود قانونية

وترفض المستشفيات الحكومية غالباً، خصوصاً أقسام الولادة المدعومة من منظمات دولية، “إجراء عمليات الولادة القيصرية إلا للضرورة الصحية الحتمية، فيما ترتفع نسبتها في المستشفيات الخاصة لأدنى سبب، أو حسب الرغبة، تبعاً للعائد المالي المضاعف مقارنة بتكاليف الولادة الطبيعية” بحسب أخصائية النساء والولادة في المستشفى الجمهوري الدكتورة منال الصوفي.

وأشارت “الصوفي” في حديثها لـ”يمن مونيتور” إلى أن تكلفة العملية القيصرية تصل إلى 500 الف ريال يمني (500 دولار) في المستشفيات الخاصة ما يعتبر حافزاً للتشجيع عليها لزيادة الإيرادات، دون أي اعتبار للمخاطر الناجمة عنها.

وشددت على ضرورة وضع قانون يمنع المستشفيات الخاصة من إجراء القيصرية المبرمجة ويعاقب المرافق الصحية التي تشجع عليها بغرض الكسب المالي منها، للحد من المخاطر الناجمة عن تلك العمليات، حتى لا تكون مجرد استثمار بغرض زيادة العائد المالي للمستشفيات دون مراعاة لمخاطرها الكثيرة على صحة الجنين والأم.

ولم يتمكن “يمن مونيتور” من الوصول إلى تعليق من المؤسسات الحكومية الصحية بشأن إمكانية دفع المستشفيات الأهلية إلى التزام بقانون يمنع الولادة القيصرية دون داعٍ.

ومنذ 2014 تدور في اليمن رحى حرب مدمرة بين جماعة الحوثي والحكومة المعترف بها دولياً، أدت إلى توقف قرابة نصف مستشفيات البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى