كتابات خاصة

العيد في عدن المكلومة

مجرد ما ان يهل علينا العيد، يتذكر الانسان حياة الطفولة، حيث البهجة والسعادة والفرح، تترك ذكريات محفورة لا يمكن نسيانها مهما كبر الانسان او طال الزمان، حيث يردد الأطفال اهزوجة تراثية  في مطلعها ( العيد اجانا ما هبله .. هبله دجاجه تلعب له ) ويرد الحاضر عليهم ( اعيادنا تأتي وتجزع .. وعيدهم يبقى كله، فوق الطفارى يترندع .. كالغول لا يخشى فعلة ) د/ سلطان الصريمي.

نتذكر نحن أبناء عدن، شريان اليمن والمنطقة الاقتصادي، المركز التجاري الدولي، وثاني ميناء عالمي، مسقط الراس، فيها اعيادنا وفرحتنا وبهجتنا، وحكايات لا تفارق الذاكرة، نعود لها حينما نحتاجها تواسينا من مآسي الحاضر  وتعقيدات الحال، من الم وقهر الواقع، وخذلان الرهان، و وجع وكمد العمر والزمان .

نعود ونتذكر ذلك الجمع من أطفال الطبقة العاملة، لمدينة العمال، التي لا تضاهيها مدينة  في هذا العالم والوسيع، كنا نفتخر اننا أبناء هذه الأرض الطيبة، و تجمعنا الفرحة، وتوزع لنا الألعاب والهدايا الثمينة، بجمع من الثقافات والأعراق، من الغرب الى الشرق،انجليزي و هنود وصومال وعرب وطليان ويهود، يجمعنا حب عدن وايقونتها المدنية .

اين هي عدن اليوم، المدينة التي لا يجوع فيها إنسان، ها هي اليوم تكتظ بالجياع، بالفقراء والمحتاجين، مدينة كان خيرها على المنطقة، هي اليوم تتسول الحقوق والمستحقات، الراتب والعلاوات، سبل الحياة والخدمات، المدينة السباقة في الكهرباء والطاقة، اليوم لا كهرباء ولا طاقة ولا شربة ماء, لا عٌمله ولا دولة .

مدينة تتحسر وترسل زفرات التحسر والندم المصبوغة بالم الحاضر، وفقدان معايير الأمل في الأيام القادمة، معايير عدن التي جمعتنا فيها لحظات دافئة في عائلة رائعة ومجتمع حضاري جميل، كل هذا الجمال والبهاء الذي عشناه ونفتقده اليوم، ونرفض الحاضر، نرفض أدواته، ونرفض معاييره، الأدنى مستوى في معايير كل الحقب، معايير التفكك الاجتماعي والتصدع البنيوي، معايير تتفجر في وجوهنا  مدمرة لعدن وحياة الناس فيها .

في الحقيقة ان زمن الطفولة الخالي من المسئولية وتعقيدات الحياة يجعله جميلا، ويمكن ان نقول لكل جيل زمنا ولحظات صفاء خالية من معكرات الحياة، وتختلف باختلاف حال المدينة، إلا الحاضر البائس، ذلك الحاضر المفترض انه امتداد طبيعي للماضي، فيه تطور معايير الجمال وقيم نهضة الحياة، حسرتنا ليست كلاسيكية وانحياز للماضي، بل هي حسرة فقدان معايير الحياة واسس النهضة، وأدوات التنمية السياسية والاجتماعية والثقافية، وما نشاهده من تدمير حقيقي لتلك المعايير وتلك القيم .

يا حسرتي على جيل مشحون، حقد وكراهية، جيل فقد لوعي الاختلاف والخلاف، يعيش فوبيا الاخر، مشحون بصورة ذهنية مسبقة عن ذلك الاخر الإرهابي، وفق معايير المزاج السياسي والثقافي الرديء، معايير لا تستند للنظام والقانون الضابط لإيقاع العلاقات والحياة العامة للناس والحكم، بل زوبعة من فوضى العنف والعنف المضاد التي صنعت بيئة خالية من العدالة الاجتماعية، وبالتالي خالية من الحب والتسامح، خالية من الصفاء و والالتقاء مع الآخر في اهداف تجمع، وتعايش في وطن يستوعب الكل، مما جعل عدن تلك القرية المشحونة عصبيات ونعرات .

فالعيد عيد المحبة والصفاء والالتقاء، ما لم يصنعه رمضان شهر العبادة فينا، هل يصنعه العيد، ليجمعنا على احترام بعضنا بعض، ويفرز فينا زفرات من السعادة والمحبة والبهاء، لنعيش ونتعايش في بيئة عدن المدنية، ونترك عصبياتنا القروية والمناطقية في ضواحي عدن، يفرز لحظات سعادة للأطفال قبل الكبار, يجنبهم أحقاد وثارات الكبار، و وساخة وقذارة السياسة والمدياسة .

عدن تستقبل العيد، وابنائها عاجزون عن شراء كسوة لأطفالهم قبل كبارهم، ازدحمت عدن بالفقراء، مع نموا طبقة نفوذ احتكرت عدن ومقدراتها، احتكرت خيراتها وايراداتها، شيدت القصور والمولات، وأنشأت الثكنات العسكرية، وأغلقت المتنفسات والشواطئ الجميلة في عدن، وفقد الناس روح المرح العدني .

المرح الذي يتسم بالأمن والأمان، بالحرية والعدالة، والمساواة والتنوع، الذي يرعى التطلع والأحلام، أين هو اليوم من الترويج  للأوهام، أوهام استعباط العقول، ونسج الحكايات، وسيناريو الغباء، في مدينة لها باع في السياسة والثقافة والعمل الجماهيري والحقوقي والنقابي، اليوم تتعجب للكيانات السخيفة التي تنشأ لتسخف عدن، وتحتقر حق الناس في حياة كريمة فيها من الصفاء والالتقاء والتوافق على معايير الكفاءات والخبرات والعلم والمهنية، وعيد سعيد وكل عام ونتم من حال لحال، وان شاء الله سيتغير الحال للأفضل، وتعود عدن البهجة والنقاء .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى