غير مصنف

ذمار “كرسي الزيدية”.. نكتة أم حقيقة؟!

حسين الصوفي

عقب اندلاع انتفاضة 11 فبراير 2011ضد نظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، خرجت مسيرات وصفت بأنها سيل بشري في مدينة ذمار، كان من بين شعاراتها “ذمار ليست في الجيب!!”، ذلك الخروج الجماهيري العريض كان مفاجئاً للكثير من المهتمين بالشأن السياسي والديموغرافي والاجتماعي للمحافظة الساخرة، وربما بذات القدر من المفاجأة التي ساهم فيها أبناء ذمار في الثورة الأولى ضد حكم الأئمة بيت حميد الدين منتصف القرن الماضي. يمن مونيتور/ خاص/ من حسين الصوفي
عقب اندلاع انتفاضة 11 فبراير 2011ضد نظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، خرجت مسيرات وصفت بأنها سيل بشري في مدينة ذمار، كان من بين شعاراتها “ذمار ليست في الجيب!!”، ذلك الخروج الجماهيري العريض كان مفاجئاً للكثير من المهتمين بالشأن السياسي والديموغرافي والاجتماعي للمحافظة الساخرة، وربما بذات القدر من المفاجأة التي ساهم فيها أبناء ذمار في الثورة الأولى ضد حكم الأئمة بيت حميد الدين منتصف القرن الماضي.
 
تتوسط ذمار خمس محافظات أولها العاصمة وهو ما يجعلها مشابهة للبيئة الصنعانية سياسياً كما درجت العادة، وتعتبر معبراً وممراً لأغلب المحافظات اليمنية، كان يطلق عليها “كرسي الزيدية”، لكن الحقائق تقول إن أغلب الأسر المعتدلة فكرياً تخرجت من “المدرسة الشمسية” في قلب مدينة ذمار، منهم أسرة القاضي العلامة أحمد سلامة، وأسرة العنسي، وفي عام 2003م قتل الدكتور سلطان ساري في مسجد السعيد بعد محاولة يائسة لمنع إقامة صلاة التراويح.
 
تأسست “المدرسة الشمسية” في عام 950هـ، كما تقول بعض المصادر العلمية، وكانت إحدى أهم أربطة العلم في اليمن على مدى قرون، حتى وقت قريب، حيث منها تخرج الأديب العربي الكبير عبد الله البردوني، والسياسي الاشتراكي الشهيد جار الله عمر، وأغلب النخب اليمنية، وهذا ما يطرح السؤال عن البنية الفكرية والاجتماعية لنحو مليون ونصف مواطن في جغرافيا هذه المحافظة المثيرة للجدل.
 
في منتصف أكتوبر من العام 2014م بسط الحوثيون نفوذهم على محافظة ذمار، وتزعم “دار الضيافة”، مبنى المحافظ، عبد المحسن الطاووس، المكنى ” أبو عادل”، من أبناء صعدة وكان يتردد على مديريتي آنس وعنس منذ منتصف 2011 على متن دراجة نارية آنذاك، ومنذ ذلك الحين ظن الحوثيون أنهم أحكموا القبضة على الذماريين، لكن الأرقام القادمة من “المركز الإعلامي لمقاومة آزال” يشير إلى ارتفاع وتيرة العمليات التي تنفذها عناصر المقاومة في المحافظة بحركة سلسلة، وبمساحة حرية كبيرة، أي أن الحوثيين ضيوف غير مرغوب بهم في محافظة ذمار!! فهل كانت حقاً في جيب “عفاش”، أم أنها مجرد مزحة تشبه روح المدينة الساخرة؟
 
بالعودة إلى الحراك الثوري لمحافظة ذمار فقد كانت تتصدر العناوين الرئيسة لشاشات الأخبار عند كل تصعيد تدعو له اللجان الثورية، وكانت المحافظة الوحيدة ربما التي لم يستطع نظام “صالح” تنفيذ اعتداءات قمعية لمسيراتها، حتى أنها اشتهرت بالسلمية المسلحة، التي جعلت منها هتافا للساحات المعتدى عليها في العاصمة وتعز وعدن حيث نادت بعض المسيرات بحماية المتظاهرين بـ “سلمية من حق ذمار”!
 
بالنظر إلى الخلفيات الفكرية لأبناء ذمار، فإن الجغرافيا الممتدة لمحافظة ذمار والتي تتوزع في 12 مديرية، لا تختلف كثيراً عن أغلب المحافظات اليمنية، غير أننا نستطيع الجزم أن تجيير ذمار لحساب الزيدية، ليس صحيحاً على الأقل الزيدية المذهبية، وقد تكون تتبع كرسي الزيدية السياسية، حيث شهدت انتشار واسع للمعاهد العلمية منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي، وساهمت الأحزاب السياسية ذات الجذور الدعوية، كالتجمع اليمني للإصلاح،  والرشاد السلفي (مؤخرا) وبعض الحركات والتيارات ذات التوجهات الوعظية، كالتبليغ والسلفيين في معبر، ساهمت بشكل مؤثر في تغيير الخارطة الذهنية للمرجعية الفكرية الزيدية على وجه الخصوص.
 
ويأتي ذلك امتداداً للبيئة اليمنية التي تحتفظ بالتنوع المذهبي بتعايش اجتماعي مشهود له، حيث تتحدث الروايات أن أحد أبناء الطائفة اليهودية من سكان عمران قام بزيارة لقريب له في تعز، وعقب عودته سأله أحد أصدقائه أين كان؟ فقال ” كنت في زيارة ليهودي شافعي!!”، بينما الشافعية مذهب إسلامي، غير أن الشعب اليمني لم يكن يتعامل بالمصطلحات المذهبية إلا للفرز الجغرافي لا أكثر، حيث لم يتم تسجيل قيام خلاف طائفي في الجغرافيا اليمنية منذ قرون.
 
وعقب انقلاب ثنائي الحوثي/ المخلوع، شهدت محافظة ذمار زخماً جماهيرياً تمثل في المسيرات الحاشدة، لمئات الآلاف، وإقامة الفعاليات والاحتجاجات وتشكيل فريق لحركة رفض، مما يؤكد أنها لا تختلف عن أغلب محافظات اليمن في موقفها الرافض للإنقلاب، وحرص كامل فعالياتها السياسية على ضرورة بناء الدولة اليمنية الحديثة، التي لا حضور فيها لأحد سوى النظام والقانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى