كتابات خاصة

هل ما زلنا نحلم؟

إجلال البيل

بدا الحلم الآن أكثر شاعرية وحميمية منه في الطفولة، ربّما أن استجلاب أحلام الطفولة في هذه الأيام لها رائحة الأمل المعتّق، الأمل الذي كبرنا من أجله وسرنا برفقته طويلا.

كانت تلك الصورة مفتاحاً لحديث آخر، بدْت لي أنها شاحنة أو محراثًا يستخدم لحراثة الحقول الزراعية، في تلك اللحظة تجّلت أحلام الطفولة من جديد، وأخبرت الصديق الذي بعث لي تلك الصورة أنني أودّ الركوب عليها وأعبر حقول القمح في موسم الحصاد حين تتماوج في آخر النهار بفعل رياح خفيفة، هكذا كنت أحلم في الطفولة.

بدا الحلم الآن أكثر شاعرية وحميمية منه في الطفولة، ربّما أن استجلاب أحلام الطفولة في هذه الأيام لها رائحة الأمل المعتّق، الأمل الذي كبرنا من أجله وسرنا برفقته طويلا.
قلت للصديق دون أدنى تفكير:
“أريد واحدة منها كي أعبر من حقول الطفولة التي ما تزال عالقة فيّ إلى العالم الأكثر واقعية”،
إلا أنه سرعان ما حطم تلك الشطحة الخيالية بإجابته التي في ذات اللحظة جعلتني أضحك:
“تلك عربات لتحطيم السيارات”.
أيًا يكن، أريدها للإستخدام الشخصي.
كان ذلك الحوار الصغير مدخلًا لأكثر من موضوع، رحتٔ أسأله ما هي آخر شطحة تكاد تكون خيالية له في هذه الأيام؟
أجاب لا شيء!
ثم قال:
حتى أنني توقفت عن الأحلام منذ فترة طويلة، لا أحلام خاصة تتملّكني.
استغربت من تلك الإجابة، لقد بدا لي لفترة طويلة أنه رجل حالم، ثم أردف كلامه:
لم يعد يهمني شيء سوى عودة الدولة اليمنية وشرعيتها، وانتهاء جماعة الحوثي، وتلك أحلام عامة تخص شعبًا بأكمله. ولم أعد أرجو سوى تحقيقها.
لوهلة بدا الأمر مثاليًا، لكنني رحت أفكر كيف أن الحرب والغربة الطويلة تقلّص الأحلام الشخصية، كيف تهتك الروح من طول النداء الذي لا يعود إلا بما يشبه الارتطام، لم يعد يريد المرء سوى دولة ينام فيها آمنًا بعد سنين غربة طويلة، بعد ذلك ربما يعود لأحلامه التي رعاها في صباه.
يعيش اليمنيون في الخارج تحديدًا على أمل استعادة الدولة، لم يعد يحلم أحد بالكثير، فقط عودة الوطن من حروبه الكثيرة، أن يتعافى جسده المليء بالثقوب، إن عاد ربما سترجع الأحلام ويبدأ اليمني مرحلة جديدة، مرحلة ترميم الأحلام التي انهارت بفعل الكوارث الكثيرة.
أما اليمني في الداخل، الذي يعرف كيف يموت المرء ببطء، وكيف أن النجاة دون سواها هي أثمن ما سيحصل عليها في الوقت الراهن، تجمّدتْ الأحلام منذ أربعة أعوام، وأصبحت ضربًا من الرفاهية عند الكثير، وإذا ما تحدّث أحدهم عن حلمه ألجمه الكثيرون بعبارات قاسية مفادها تَوقّفْ عن الأحلام!
يقول صديقي:
حين تعود اليمن، سأعود لأحلامي.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى