فكر وثقافة

الغربان وقصائد أخرى

جورج تراكل

في الظهيرةِ تهرعُ الغربانُ نحو الزاويةِ المظلمةِ،

يمن مونيتور / ضفة ثالثة
في الظهيرةِ تهرعُ الغربانُ نحو الزاويةِ المظلمةِ،
ناعقةً بقسوةٍ.
ظلالُها تلامسُ جسدَ أنثى الأيل
وبين فينةٍ وأخرى نلمحُها
تتوقَّف عابسةً
لتأخذَ نفسًا.
أواهٍ،
 كم تُعكِّرُ بعبورِها صفوَ هذا السكون البنيّ،
حيث يبتهجُ حقلٌ
مثل امرأةٍ يغويها حدسٌ ثقيلٌ.
أحيانًا يُمْكِنُ سماعُها تتخاصَم بصخبٍ حولَ جيفةٍ
تشممتْ رائحتها في مكانٍ ما، ومن ثمَّ، بغتةً، تُغيِّرُ
وجهتها صوبَ الشّمالِ وتتلاشى كمشيّعي جنازةٍ
في الريحِ المرتعشةِ من الشهوةِ.
**
في غرفةٍ مهجورة
الشبّاكُ، أحواض أزهارٍ ملوّنة،
لحنُ أورغٍ يلجُ الغرفةَ.
الظلالُ تتراقصُ على ورقِ الجدران.
يا لغرابةِ وروعةِ حلقة الرقصِ هذه.
متوهّجةً تتمايلُ الشجيراتُ
وسربُ ناموسٍ يحلِّقُ.
بعيدًا، في الحقلِ، المناجلُ تجزُّ العشبَ
ومياهٌ كهلةٌ تُنشد.
أنفاسُ من هذه التي تمسّني برقّةٍ؟
السنونواتُ تؤدِّي حركاتٍ مجنونةٍ.
هادئةً تمضي هناكَ أرضُ الغابةِ الذهبيّة
في ما لا ينتهي، داخل ما لا يُحَدّ.
 
 
 
اللهبُ يرتجفُ في الأسرَّةِ.
متشابكةً تشتعلُ حلقةُ الرقصِ الرائعةِ
على ورقِ الجدران الأصفرِ.
أحدٌ ما ينظرُ إلى الداخلِ
من خلالِ الباب.
رائحةُ البخورِ والإجاص تفوحُ حلوةً
وبهتَ الكأسُ والصندوقُ.
رويدًا، رويدًا
تميلُ الجبهةُ الحارّةُ
نحو النجوم البيضاء.
**
ليلُ قلبي
في الليل يُسمَع وطء الخفافيش.
حصانان أسودان يتوثّبان في الحقل.
حفيف أوراقِ القيقب الأحمر.
 خمَّارةٌ صغيرةٌ تتبدَّى للمارّ في الدربِ.
آه، ما أشهى النّبيذ الطازجِ والجوز.
ما أروعَ أن تترنَّحَ في الغابةِ ثملًا وقت الشفقِ.
من الأغصان السوداءِ ينبثقُ لحنٌ لاذعٌ.
على الوجهِ يقطر الندى.
**
في ألبوم عائليٍّ قديم
آهٍ أيّتها الكآبةُ على الدوام تعودين،
يا وداعةَ الأرواح الموحشة.
في النهايةِ،
يخمدُ النهار الذهبيّ.
بخشوعٍ يسلِّمُ الصابرُ جسده للألمِ
مُحدِثًا صوتًا منسجِمًا
مليئًا بالجنونِ الحلوِ.
 
 
 
انظرْ!
ها قد غابَت الشَّمسُ.
مرَّةً أخرى يعودُ الليلُ ويشكو فانيًا
معذِّبًا آخرين معه.
كلّ سنةٍ، مرتعشًا تحتَ نجوم الخريف،
يزدادُ الرأسُ انحناءً نحو الأسفلِ.
**
الغجر
في نظراتِهم الليليَّةِ يبرقُ حنينٌ
إلى أوطان لن يعثروا عليها قطّ.
هكذا، يحرِّكهم قدرٌ مشؤومٌ
لا يتقصّى سوى كآبة
يُحبّها.
السحبُ تتقدَّمُ دروبَهم؛
أحيانًا تواكبهم أسرابُ طيورٍ مهاجرةٍ
حتى يحلَّ المساءُ
فتغيبُ آثارُها،
أحيانًا أخرى، تحمل الرّيحُ إليهم
لحن أجراسِ الصلاةِ.
نجومٌ موحشةٌ فوقَ مخيَّماتِهم؛
أغنياتهم تمتلئُ شَوقًا وتنتحبُ من نزوحٍ وألمٍ يرثونه،
ألم غيابِ أملٍ
يُشعِلُ برفقٍ النجومَ في سمائهم.
نقلا عن ضفة ثالثة 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى