كتابات خاصة

عن تحالفات صالح المقبلة

ياسين التميمي

صعد المخلوع صالح إلى سدة الحكم في الجمهورية العربية اليمنية سابقاً، بدعم واضح من الرياض، وهو يعلم اليوم أنه يفقد السلطة بضغط من الرياض أيضاً. صعد المخلوع صالح إلى سدة الحكم في الجمهورية العربية اليمنية سابقاً، بدعم واضح من الرياض، وهو يعلم اليوم أنه يفقد السلطة بضغط من الرياض أيضاً.
وما يحدث هو أنه لا يزال يستثمر بعض التحصينات الخاصة التي أقامها حول مدينة حكمه، وجزء منها بتمويل كان يتلقاه من الرياض لغرض التنمية، فكان يوظفه في شراء أسلحة وإقامة التحصينات والأقبية والمسارات الأرضية التي تتيح له فرصة الاختباء في ظل الحرب الدائرة حالياً على رأسه.
لذا لا يفقد صالح الأمل في إعادة ترميم تحالف يمكن أن يبقيه جزء من التأثير السياسي، ولكن ترتيباً كهذا سيظل الخيار الأخير بالنسبة لصالح الذي لا يزال يحارب بآخر ما لديه من وحدات عسكرية مدربة، وهي حرب تقوم على مبدأ الفناء وليس غير الفناء وهدفها إطالة الحرب وتيئيس  صاحب القوة العسكرية الأكبر وهو التحالف.
ظل صالح طيلة الفترة الماضية، يسوق فكرة أن التحالف لن يستطيع خوض معركة على الأرض في مواجهة قواته واللجان الشعبية لحلفائه الحوثيين، ولكن التحالف الذي دخل المعركة بطلب من رئيس الجمهورية اليمنية، اعتمد استراتيجية الضربات الجوية، التي تمتلك تأثيراً فعالاً في توجيه المعركة على الأرض.
 ولم يكتف بذلك بل قام طيلة السنة والنصف الماضية، على بناء جيش وطني، سيكون هو الجيش الذي تعتمد عليه اليمن ما بعد التخلص من صالح والحوثيين وهذا أخطر شيئ يخشى منه صالح ويثير حساسيته المفرطة.
بالأمس اعترف أمام مجموعة من منتسبي الحرس الجمهوري والمخابرات الذين ينتمون لمديرية بني حشيش، بأن السياسة السعودية ناجحة، بعد أن تحدث كثيراً عن المقاتلين الذي يضحون بأنفسهم من أجل 1500 ريال سعودي بينما “مقادمتهم” يستلمون ملايين الريالات على حد تعبيره.
لفت نظري تسمية “المقادمة” التي لا تزال تسكن في عقلية هذا الذي ادعى أنه بنى “دولة حديثة”، لم يشأ أن يعترف بأن هناك جيش وأن هذا الجيش يستلم مرتبه فحسب، وهذا المرتب تقوم المملكة وبعض دول التحالف من مجلس التعاون الخليجي بتغطيته، كما كانت تفعل مع نظام المخلوع صالح  لعدة عقود من الزمن.
يواجه المخلوع صالح مأزقاً حقيقيا في تأمين مرتبات قواته المتمردة، والمتعاونين معه، فمهما بلغ كرمه، لن يستطيع الاستمرار في استنفاد مدخراته الخاصة التي نهبها طيلة السنوات الماضية، فهو اعتاد على أن ينفق المليارات لكن من خزينة الدولة، حتى أوصل البلاد إلى مستويات قياسية من الفقر.
كم كان المخلوع مثيراً للشفقة وهو يلوذ بآخر تحصيناته ضمن الطوق القبلي المتداعي حول صنعاء، وهو يستحث أبناء بني حشيش -وهم الفرع الذي لا يزال يعمل في اجهزته الأمنية والعسكرية القديمة- على التماسك، ويلوح بإمكانية أن يفقدوا المزارع والبيوت والقصور الرائعة التي بنوها طيلة خمسين عاماً.
إنها إشارة واضحة إلى أنهم بنوا ما بنوا من مساكن رائعة في ظل الجمهورية وليس في ظل الإمامة، ما يعني أنه يعاني من تشتت كبير جداً في الولاءات في هذا المعقل القبلي المسمى” بني حشيش” والذي بات يميل أكثر للإماميين الجدد.
لا يزال صالح يعتقد أن صنعاء يمكن أن تجترح معجزة مشابهة لملحمة حصار السبعين يوماً في ستينيات القرن الماضي، ولكنه لا يدرك أن صنعاء تعاني من تخلخل في بنيتها الاجتماعية والقيمية وفي بنية الوعي ذاته، ولم تعد تقوى على الصمود الذي لا يتمتع بأي أفق ولا أي سند إخلاقي.
فسكان صنعاء أنهكهم فساد صالح طيلة أكثر من ثلاثة عقود وأنهكم أكثر فساد الإماميين الجدد خلال عامين فقط، فهل يعتقد صالح أن سكان صنعاء يمكن أن يجوعوا أو يموتوا لكي يبقى الموتُ محلقاً في سمائهم لعقود عبر عنف الحوثيين وجبروتهم وصلفهم الذي لا يحتمل؟
صالح يدرك ذلك لهذا بدأ يبحث عن مخارج، وهذه المخارج نشاهدها في الترتيبات التي تتم على أكثر من صعيد، وتتعلق تحديداً بإعادة ترميم الجبهة التي أشرت إليها في بداية هذا المقال، هناك غزل للإصلاح، وغزل مماثل لقوى التغيير الأخرى من مشائخ وغيرهم.
ولا أدري ما إذا كان هذا الثعلب سيحظى بفرصة أخرى لبناء تحالفات جديدة تمنحه الحياة، وهل يمكن لليمن أن يتحمل تحالفات عملت طيلة العقود الماضية من تاريخه المعاصر على إعاقته على النمو والنهوض والتقدم، وعن بناء نظام سياسي يتمتع بالحيوية ويوفر مظلة أمان لكل اليمنيين.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى