كتابات خاصة

قارورة سمن لماركس

سلمان الحميدي

قرأت الأعمال الصحفية للينين أثناء دراستي في صنعاء، كان الغرض من ذلك هو حيازة أكبر كم من المصطلحات.. قرأت الأعمال الصحفية للينين أثناء دراستي في صنعاء، كان الغرض من ذلك هو حيازة أكبر كم من المصطلحات..
وكنا نذهب للكلية ونتناقش، نتعثر بالمنهج الدراسي، غير أننا لا نكف عن الاستعراض المعرفي، كم كنت أتلكأ وأنا أريد أن أنطق راديكالية دفعة واحدة!
صنعاء يومئذ واسعة، تسع أحلامنا، ونحن قرويون لم نتمكن من جذب أنظار الفتيات فانغمسنا في مناقشة الأفكار الكبيرة، لدرجة أنه من يرانا ويسمعنا يظننا منغمسين بالرفاه حتى شحمات آذاننا..
بعد الظهيرة؛ كنا نبحث عن لقمة غداء.. وفي اليوم التالي نعود للمنوال نفسه..
كان صامد، صاحبي الاشتراكي، يتحدث بلهجة حالمة عن المدنية ودولة المساواة، يدبج كلامه بالمصطلحات، نحن أيضاً انتهجنا هذا الأسلوب للتندر: لابد للبروليتياريين ان ينهضوا..
وكان فخر، صاحبي الناصري، يتحدث عن القومية والشعر وفلسفة الثورة، حسبت من لهجاتهم أنهم “عيال مدينة”، وفي يوم ما، عزمنا صامد على الغداء في مطعم عصيد، وقال للمباشر: هات قارورة السمن.
من المصطلحات الكبيرة إلى قارورة السمن.. قارورة السمن أرسلتها أم صامد من مديرية سامع، لوهلة تخيلت أنه لو قدر لماركس أن يعود لأحكم قبضته على تلابيب صامد: قارورة سمن!.. بيد أن الأصوات المتلهفة التي تزدرد لقم العصيد، جعلتني أتخيل أن ماركس سيردف معاتبا: وماتعزمنيش!
بعدها، أنا وفخر، عرفنا الطريق إلى المطعم، نأخذ العصيد ونقول للمباشر: هات قارورة سمن الرفيق..
بعد التخرج، أرسلت أم محمد، وهو صاحبي الإصلاحي، بقارورة سمن، كانت قوارير السمن بمثابة سبغنا الفخيم. كان السمن بمثابة وقودنا للكفاح، للمزيد من الاطلاع من ديستوفيسكي إلى تولستوي، من بوابة الجامعة إلى الدائري.
تفرقنا.. عمل كل واحد منا في وسيلة..
وبقينا نقرأ ونتداول الكتب الالكترونية.. وحين اقتحمتها مليشيا الحوثي برعاية صالح، ضاقت صنعاء، لم تعد تسع أي رأي ولا أي مصطلح ولا أي شخص يخالف توجهاتها.
غادرتها أولاً.
ثم غادرها فخر، ثم محمد..
توقفت الصحافة كلياً تقريبا.. كل واحد منا يعيش في واد..
بقي صامد، يعرض أفلام سينمائية في كوفي كورنر حتى اليوم، علّ الناس يتمدنون.. ويضحك..
أما المليشيات فقد قطعت أزيد من 600 كيلو متراً، سمعت خبراً قبل يومين أنهم في سامع، دقيت يدي على جبهتي: أمرك لله يا حوثي، تبعت بقرة أم صامد إلى سامع.. الله يلعنك..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى