كتابات خاصة

أكتوبر الثورة كفكرة

الحقيقة التي يجب نبني عليها تعاملنا مع الثورة أنها فكرة والفكرة لا تموت.

فثورة 14 أكتوبر المجيدة، ليست مجرد شرارة انطلقت من فوهة بندقية ثائر، بل هي فكرة تخمرت في روح المجتمع في الجنوب اليمني، وتبلورت في عقول السياسيين، بما يلبي تطلعات الناس في الحرية والاستقلال من الاستعمار، وحكم الإقطاع من سلاطين وأمراء، كانت مسيطرة عليهم فكرة أنهم يملكون الأرض وما عليها مجرد خدم وعبيد وفي أحسن الأحول رعية.

وبعد مخاض فكري عسير مع المستعمر، حول هوية وديمغرافية عدن، ورفض المجتمع العدني لمحاولة المستعمر زرع كيان استعماري منزوع الهوية العربية واليمنية (الجنوب العربي)، خال من الروح القومية والتحررية، تحركت روح الثورة من داخل المجلس العمالي، تحرض على الحرية والاستقلال، ورفض التبعية والارتهان لمشاريع تمزيق الأمة، وزراعة بذور الفتن، وبؤر التآمر، وكانت عدن منارا فكريا وثقافيا للثورة، كانت منطلق الثورة وحيويتها، في الجمعيات والمنتديات والنوادي، تبلورت فكرة الثورة.

انطلقت الشرارة لتفجير الفكرة من الأذهان، إلى الواقع، ليدافع الناس عن حقهم في التفكير والطموح والتطلع لواقع أفضل، يحفظ لهم كرامتهم وحريتهم واستقلال أرضهم، فالثورة هي نقلة تاريخية في حياة الشعوب.

يبقى السؤال اليوم، هل نحتفل بالثورة كفكرة، أم كحدث؟

الثورة كفكرة حية لا تموت، ولن تموت حتى وإن حاول المتآمرين على تدميرها من أذهان الناس، وكحدث ينظر الناس ماذا حقق لنا هذا الحدث من أحداث تلته.

إذا نظرنا للثورة كحدث، فالأحداث التي تلته كانت مخيبة للآمال، بل خذلت فكرة الثورة نفسها، منذ اليوم الأول تحول الفعل الثوري، لصراع دموي بين رفاق النضال، وتمت تحالفات مشبوهة، للقضاء على جزء أصيل من الكفاح المسلح، تصفيته روحيا وإقصائه من حقه في الشراكة في السلطة والقرار، واستلم السلطة طرف بدعم جيش اتحاد المستعمر، بحسابات جعلت الناس تجتهد أن هناك مؤامرة على الثورة، وخاصة بعد استمر الصراع الدموي، لتصفية قوى الثورة، وإعادة تموضع قوى متطرفة أيدلوجيا، تطرف فكك قوى الثورة وإضعافها، وحيد فكرتها، ليسمح للأفكار البالية التي قامت الثورة ضدها لتعود تعشش في الذهنية.

الأحداث الدموية، هي نتاج لخلاف حول فكرة الثورة، بين العقل المتجدد الذي يريد أن يصنع تغييرا، وينفتح على العالم، وبين العقل المتطرف أيدلوجيا، ويرفض القبول بالتجديد والانفتاح، مخاضا خرج عن سيطرة العقل، وتتلقفه القوى التقليدية في القوات المسلحة لجيش الاتحاد الذي تحالف مع الثورة، ليحسم الخلافات الفكرية، بالعنف الثوري والعنف المسلح، وأنتج لنا تراكمات إلى اليوم تجر الثورة من عنف لعنف مضاد، ولم تسمح للأفكار الثورية أن يتمخض واقع أفضل.

وهكذا يستمر العقل التقليدي المتخلف، ينتج لنا أدواته المتطرفة أيديولوجيا وعقائديا ومناطقيا وطائفيا، التي تدمي الواقع لليوم، وتعيق تمخضت فكرة الثورة لتغيير حقيقي على الأرض، وتحول منشود لدولة محترمة، تحفظ حق السيادة والإرادة، تحفظ كرامة الناس وحريتهم ومواطنتهم.

فلا غرابة من إعادة الإمامة في الشمال، وعودة السلاطين والأمراء في الجنوب، وتحالف تلك القوى مع قوى رجعية عربية، ودعم من أنظمة لا تطيق فكرة الثورة، ولا تقبل فكرة الدولة الوطنية، ومع الأسف انجر التقدميون في وحل تلك المؤامرة، يدمرون فكرة الثورة وأهدافها النبيلة والسامية، بل وصلت الرداءة بهم لنكران الهوية، والتخلي عن السيادة والإرادة، للقبول التبعية والارتهان، والله المستعان.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى