كتابات خاصة

الحوثيون ضمن الجيوبوليتيك الشيعي لإيران

نشأت جماعة الحوثي في وقت مبكر في تسعينات القرن الماضي كحركة شيعية/اثنية في شمال اليمن، -كحركة فكرية أما حركة متمردة ففي 2004- بينما كانت إيران قد بدأت بالفعل باستخدام “المجتمعات الشيعية” ضمن هدف جيو-سياسي مستغلة جغرافيا الانتشار الشيعية للتأثير في القوة الدولية. كأداة ضمن هدف أوسع يتعلق ببناء إيران كقوة في العالم الإسلامي والدفع بالشيعة للارتباط بالمركزية الإيرانية، أو ما يقول المفكرون الإيرانيون إن إيران ستكون “قلب العالم الإسلامي”.

الطائفة ليست الأداة الوحيدة التي تقوم إيران من خلالها بتحقيق هدفها واستراتيجيتها بل إنها تسعى إلى استخدام النداءات الطائفية والعرقية والسياسية والقواسم الحضارية وتقاسم الأهداف المؤقتة -أيضاً- من أجل نفوذها. ولا يقتصر ذلك على الشرق الأوسط بل آسيا الوسطى وأفغانستان ودول أخرى.

في الشرق الأوسط تتوزع المجتمعات الشيعية في مناطق مهمة وحساسة للغاية تخدم الهدف الإيراني. تعتقد إيران إن وجودها في مناطق استراتيجية ومهمة قرب حقول النفط في السعودية والكويت والإمارات، وسياسية في البحرين وفي العراق وسوريا ولبنان، وقرب مضيق باب المندب في اليمن، وهو ما يحقق لها نفوذاً في سلطات تلك الدول وتأثير في قراراتها.

وخلال عقود مضت أصبحت إيران قبلة الشيعة بشكل عام باختلاف فِرقهم وقوتهم وهوياتهم الوطنية، وأصبحوا يشعرون بوجود سند كبير وداعم رئيس لهم. لقد استفادت إيران من احتياطات النفط والغاز وطبيعة النظام القائم على “ولاية الفقيه” -يعني ذلك أن الولاية لكل الشيعة وليس فقط لإيران وحدها- في دعم المجتمعات الشيعية في الوطن العربي (شبه الجزيرة العربية وسيناء والدول العربية المطلة على البحر الأبيض المتوسط) وتحولها إلى حركات.

وإذا ما تم تقسيم استراتيجية إيران بشأن الجيوبوليتيك الشيعي وتحركه وامتداده فيمكن أن نشير إلى ثلاث مراحل حتى الآن:

الأولى: بعد الحرب مع العراق، وتمكين حزب الله اللبناني واحتفاظه بالسلاح في لبنان، وتحويله -بفضل وسائل الإعلام والعداء العربي/العربي لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية- إلى أيقونة في العالم الإسلامي لمواجهة الكيان الصهيوني. تلاشا ذلك البُعد المقاوم بعد دخول حزب الله في سوريا وقتل مئات الآلاف من المدنيين السوريين. لكن ما زال الحزب يمتلك السياسة اللبنانية ويعزز وجوده ويدعم خلفاء إيران الأخرين.

الثانية: مع احتلال العراق 2003، حيث نهض الشيعة في تلك البلاد مقدمين تجربة غنية للشيعة في بقية البلدان العربية. ويحسب في هذا الاتجاه ترك العرب للدولة العراقية في وقت كانت إيران تعمل بقوة من أجل نفوذها، فمع بدء الاحتلال الأمريكي خرجت دول الخليج تماماً من العراق في احتجاج على الوجود الإيراني، لكن وبدلاً من ذهاب بغداد إلى عواصم الخليج لاستجداء المعونة ذهبت إلى طهران التي تفشت وتوسعت وأصبحت الأمر الناهي في تلك البلاد. منذ ذلك الحين زادت الحركات الشيعية في المنطقة قوة وحماساً لإحداث تغيير يتعلق بها بما في ذلك الموجودة في شبه الجزيرة العربية.

إن موجة العنف المفرطة التي صاحبت تحرك الشيعة في شبه الجزيرة العربية، تعود بالأساس إلى المخاوف من وجود تحكم إيراني في الشيعة العرب، لكن تلك السياسات القمعية التي استخدمت دفعت الشيعة باتجاه إيران وليس العكس، معززة وجود هويات ما دون وطنية.

الثالثة: مع سيطرة الحوثيين على صنعاء 2014. حيث يعتبر ذلك تحولاً مهماً في السياسة الإيرانية ضمن الجيبوليتك الشيعي، تحدث مسؤولون إيرانيون أن العاصمة الرابعة أصبحت في أيديهم، واعتبروا ذلك بداية انتصار ووجود في شبه الجزيرة العربية -الغنية بالنفط والقريبة من خطوط التجارة العالمية-. هذه التصريحات لا تخفي القلق الإيراني من الانتقال إلى هذه المرحلة، ودعوة الحوثيين قبل سبتمبر/أيلول 2014 إلى عدم المجازفة. على إثر ذلك انضمت الحركات الشيعية القوية والفاعلة إلى محور المقاومة الذي تقوده إيران ويضم (سوريا، والعراق، وحزب الله اللبناني، وجماعة الحوثي المسلحة).

عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء والمناورات العسكرية على الحدود مع السعودية، ارتفعت آمال الشيعة في الخليج العربي، وفي بقية الشرق الأوسط بإمكانية نقل تجربة مشابهة لهم إلى المناطق التي يتواجدون فيها. يشعر الشيعة والإيرانيون – أن الوصول إلى باب المندب وزيادة تحركات الشيعة في الخليج العربي-  أن بداية عهد “أم القرى” أصبح قائماً. وهي نظرية وضعها محمد جواد لاريجاني عالم الفيزياء الإيراني. وظهرت في رؤية إيران كقلب للعالم الإسلامي حتى 2025م.

بين إعطاء حزب الله الوجود في لبنان بسلاحه الثقيل ومضيّ المرحلة الأولى وبداية المرحلة الثالثة، أراقت إيران الكثير من الدماء من أجل مشروعها، في وقت ظلت الأنظمة العربية -والخليجية على وجه التحديد كونها المعنية- بعيدة عن مشروع جامع خاص بها يضع الهوية الجمعية والمصالح المشتركة في صلب مواجهة المشروع والأهداف الإيرانية، تاركة المواجهة على الغرب الذي يقدم ترامب رؤيته السيئة لتلك المواجهة.

**المقال خاص بموقع “يمن مونيتور” ويمنع نشره وتداوله دون ذكر المصدر الرئيس له.

*** المقال يعبر عن رأي كاتبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى