أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتقارير

الحوثيون مركز إقليمي جديد لتصدير الثورة الإيرانية… صنعاء بدلاً من طهران وبيروت!

 EN

يمن مونيتور/ تحليل خاص/ من عدنان هاشم:

ملخص: تمنح حرب البحر الأحمر فرصة لإيران ليصبح الحوثيون مركز إقليمي جديد لتنفيذ طموحاتها التوسعية، وتصدير الثورة إلى بلدان الخليج، وإبقاء الإقليم والمصالح الدولية تحت التهديد.

وخلال الأسابيع الماضية تكّشف انخراط أكبر لصنعاء لتكون بديلاً للجماعات المدعومة من إيران بدلاً من طهران وبيروت؛ فيما يستثمر الحوثيون في اعتبارهم مصدر إلهام للحركات الشيعية المعارضة في دول الخليج.

 

شنت جماعة الحوثي المسلحة منذ نوفمبر/تشرين الثاني أكثر من 60 هجوماً على السفن التجارية في البحر الأحمر، بزعم دعم فلسطين؛ ودائماً ما شجعت إيران هذه الهجمات التي تحظى بشعبية إيجابية في الوطن العربي وفي أفريقيا نتيجة السياسات الغربية المستمرة منذ عقود ضد هذه البلدان.

وتُقدم طهران الحوثيين -الأكثر حماساً لتثبيت وجودهم في محور المقاومة الذي تقوده إيران- لحفائها بصفتهم قادة إقليميين في عالم جديد متعدد الأقطاب تبشر به إلى جانب روسيا. ودائماً ما حققت إيران نتائج مربحة من الحوثيين بتكلفة قليلة في الأرواح والمال مقارنة بالثمن الذي تدفعه في لبنان وسوريا والعراق.

ومنذ قيامها في 1979 قامت الثورة الإيرانية بتصدير نفسها إلى العالم الإسلامي؛ ومُنحت هذه المهمة حسب الدستور الإيراني إلى الحرس الثوري وذراعه الخارجي “فيلق قدس”. وكانت لبنان مركزاً إقليمياً للثورة الإيرانية يمر به وكلائها وعملائها في اليمن ودول الخليج العربي وسوريا ودول العالم العربي وحتى الدول الأفريقية.

لكن بعد عقد من حروب حزب الله في سوريا وقتل مئات الآلاف من المدنيين برصاص الميليشيا اللبنانية –التي تعترف أنها تابعة وممولة بالكامل من إيران- تراجعت شعبيتها في المنطقة. لذلك تُقدم إيران الحوثيين على رأس الحربة الجديدة في المنطقة، ونموذج لقدرتها على مواجهة القوى الاستعمارية الغربية التي استحوذت على قيادة العالم طوال عقود.

وعلى الرغم ما يمنح النهج الإيراني الجديد الحوثيين من أهداف محلية وإقليمية، إلا أنه سينسحب على تنفيذ الجماعة اليمنية اتفاقات توقع عليها إيران بما في ذلك اتفاقات تخص العدوان الإسرائيلي الوحشي المستمر على قطاع غزة والذي أدى إلى استشهاد 33000 مدني أكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال.

 

المقاومة الفلسطينية.. إلى صنعاء بدلاً من لبنان

تدور مشاورات وقف إطلاق النار في غزة بين الدوحة حيث مكتب حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ووجود ممثلين باقي الفصائل الفلسطينية، والقاهرة العاصمة المصرية على الحدود الفلسطينية. وحسب التسريبات فإن الولايات المتحدة طلبت من المسؤولين القطريين الضغط على “حماس” للموافقة على الشروط الاسرائيلية أو طرد قادة المكتب خارج الدولة الخليجية.

عند ذلك لن يكون أمام قادة المكتب سوى الانتقال إلى إيران. ويقول مسؤولون وصحفيون قطريون إن من الممكن أن ينتقل قادة حركة حماس إلى العاصمة صنعاء حيث يسيطر الحوثيون، بدلاً من الانتقال إلى طهران. وهم بذلك يزعمون أن الانتقال إلى صنعاء يبقي العمق العربي للمقاومة الفلسطينية؛ إذ أن رحيل قادة المقاومة مع الدعم الذي تتلقاه من إيران يمنح بلاد “فارس” شعبية أكبر في العالم العربي، ويزيد الضغط على الأنظمة العربية.

لكن على عكس ذلك فإن خروج “حماس” من الدوحة إلى صنعاء الخاضعة للنفوذ الإيراني، يدمج الحركة أكثر في نظام الولي الفقيه وخططه، ويحقق هدف الاحتلال الإسرائيلي بربط المقاومة الفلسطينية بإيران ليسهل تطبيعها مع الدول العربية؛ كما يجعل من طهران متحكمة بأهم قضايا الأمن القومي العربي. وعادة ما نفت حركة حماس تمثيلها للمصالح الإيرانية وتؤكد وجودها العربي، وأنها ما لجأت إلى طهران إلا بعد أن أدار العرب ظهرهم للقضية الفلسطينية.

ويمتد الأمر أبعد من ذلك، حيث أخبر دبلوماسي عربي مطلع “يمن مونيتور” أن هناك اقتراحات غربية وعربية لحل معضلة المطالب الإسرائيلية بخروج قادة المقاومة من غزة بعد الحرب بنقلهم إلى صنعاء.

إضافة إلى ذلك يقترحون –حسب المصدر- “انتقال قادة من المقاومة الموجودين في لبنان إلى صنعاء لتهدئة التوتر بين إسرائيل وحزب الله”، الذي تسعى إيران لمنع تأثره بأي حرب في المدى المنظور خشية خروج خيوط اللعبة الحالية من يدها.

ويبدو أن محورية “صنعاء” في الاستراتيجية الإيرانية بدأت في الانتقال؛ حيث قال مسؤول في صنعاء لـ”يمن مونيتور” إن اجتماعاً عُقد في صنعاء لقادة وممثلين في محور المقاومة يضم قادة حوثيين وفلسطينيين ولبنانيين وإيرانيين وعراقيين، بينهم من حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في مطلع مارس/آذار الماضي، لتنسيق عمليات البحر الأحمر بما يتناسب والتصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، والتحشيد الغربي في المنطقة.

وأضاف أن عدة اجتماعات حدثت بعد ذلك، إلى إنشاء غرفة عمليات لمتابعة أحداث الحرب وتنسيق المواقف ووسائل الإعلام والهجمات، بما فيها الإطلاع على ما يحدث على الأرض في قطاع غزة وجنوب لبنان.

وعادة ما كانت اجتماعات ممثلين لمحور المقاومة تتم في لبنان، حيث يوجد مكاتب وممثلين للحركات الموالية لإيران ومسؤولين من الحرس الثوري. وكانت تعقد اجتماعات في إيران لكن ما يهم المنطقة يبقى تنسيقه في لبنان. وكان الحوثيون في معظم هذه الاجتماعات في وضع مهزوز، لعدة اعتبارات عقائدية وسياسية، خاصة بعد الاتفاق الإيراني/السعودي في مارس/آذار 2023م.

معارض سعودي بجوار القيادي في جماعة الحوثي ابو علي الحاكم في صنعاء

مركز معارضة ممالك الخليج

ويهيمن الاتفاق الإيراني/السعودي على علاقة البلدين بعد 2023 ما يجعل الدولتين في وضع مريح –نسبياً رغم عدم انتهاء المعضلة الأمنية- إذ منع تصاعد التوترات وامتداد حرب غزة إلى حرب إقليمية. لكن ذلك لا يعني تراجع النظام في طهران عن خطط التوسع وتصدير الثورة إلى خارج الحدود.

ويمتد الاتفاق مع السعودية إلى أذرع إيران في المنطقة حيث أوقفت الهجمات من اليمن، كما هدأت التصريحات العدائية لميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان. بما في ذلك حزب الله حيث تشير التقارير إلى حدوث تواصل بينهما يسعى لحل المعضلة اللبنانية كان اخرها في يناير/كانون الثاني الماضي.

وتحتضن لبنان عديد من المعارضين السعوديين الشيعة. بينهم علي هاشم الحاجي الذي هدد في أغسطس/آب2022 بـ “إبادة كل من في السفارة السعودية” في لبنان، بعد أسابيع من مؤتمر كبير جمع معارضين سعوديين قالوا إن مهمتهم “إسقاط نظام آل سعود”.  والشهر الماضي أُعلن في صنعاء عن وصول “علي هاشم” وسط احتفاء من قادة الحوثيين، محرقاً جوازه السعودي، معلناً بدء مرحلة جديدة من معارضة النظام السعودي تشمل تدريب السلاح والتنظيم.

ولا يُعرف كيف وصل “علي هاشم” من جنوب لبنان إلى اليمن أو توقيت وصوله. لكن تشير المعلومات إلى وصول عديد من التابعين لإيران بينهم معارضين السعوديين وقادة حزب الله والحرس الثوري عبر البحر في الأشهر الثلاثة الأخيرة إلى مناطق الحوثيين مع بدء الهجمات الأمريكية-البريطانية على البر اليمني لاستهداف أسلحة ومخازن الحوثيين.

كما لا توجد معلومات دقيقة حول عدد المعارضين السعوديين في اليمن. وقد يكون وصول “علي هاشم” إلى صنعاء جزء من التفاهمات السعودية مع حزب الله لإخراج المعارضين من جنوب لبنان أو تسليمهم. لكن بالنسبة للحوثيين الذي يضغطون على المملكة لتوقيع اتفاق ينفذ شروطهم لإنهاء حرب اليمن فإن وجود المعارضين جزء من نهج مستمر منذ سنوات.

حيث أعلن الحوثيون في 2018 ترحيبهم بالمعارضين السعوديين في مناطق سيطرتهم. وفي نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام أعلن معارض سعودي يدعى “دخيل القحطاني” من صنعاء تأسيس حركة “تحرير جزيرة العرب”.

وتحدثت المصادر لـ”يمن مونيتور” شريطة عدم الكشف عن هويتها لحساسية الموضوع.

 

مصدر إلهام

وطوال العقد الماضي يكرر الحوثيون بملكية اليمن لإمارات “جازان ونجران وعسير” السعودية الحدودية مع البلاد. ويحرصون في احتفالاتهم في صنعاء على إظهار وفود قبلية من هذه المناطق يعتقد أن معظمهم معارضين سعوديين.

من الناحية السياسية فإن الحوثيين يقدمون أنفسهم قادة شبه الجزيرة العربية ومصدر إلهام للجماعات الشيعية في الخليج؛ وتحدثوا في 2019 عن شن عمليات على منشآت نفط سعودية غرب الرياض بتعاون من سعوديين في المنطقة الشرقية.

وسبق أن نشر “يمن مونيتور” في 2019 تحليلاً يشير إلى أن أي “اتفاق” يمنح الحوثيين انتصاراً لبقاء الجماعة كقوة في اليمن وعاصمة “رابعة لإيران” فإنه يعزز الأقليات الشيعية داخل المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج. ما يمكن أن تكون اليمن نقطة انطلاق للنشاط الشيعي / الإيراني داخل المملكة ودول الخليج الأخرى ومصدر إلهام لتلك الجماعات ومع تكنولوجيا السلاح الإيراني بيد الحوثيين قد يصل إلى باقي الجماعات الموالية لإيران.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي نشرت وسائل إعلام الحوثيين عن عملية استهدفت قواعد عسكرية أمريكية في السعودية تبنتها “حركة تحرير الحرمين” دعماً لقطاع غزة. ولا توجد معلومات محايدة حول إذا كانت هناك عمليات فعلاً. لكن يقول صحفيون سعوديون إنها حركة في صنعاء يقودها شخص يدعى “حمود أبو مسمار”؛ ويقول قادة حوثيون إنه هو حفيد أمير أشراف منطقة “أبي عريش” بجيزان جنوب السعودية، وأنهم يراهنون عليه لاستعادة إمارة جده وحكم الهاشميين جنوب السعودية.

 

أجندة الحوثيين السياسية

في كل الحالات لم يكن الحوثيون منفتحين حول أجندتهم السياسية، وشكل الدولة بعد الحرب وعلاقتهم الخارجية. لكنهم يرون أن مقارنتهم بحزب الله غير صحيحة. حيث قال عبدالملك العجري القيادي في الجماعة إنه جماعته ستكون “أقوى وأكبر” من نظيرتها اللبنانية (التابعة لإيران) لأن الحوثيين سيكونون “اللاعب الرئيسي وصاحب المصلحة الرئيسي” في اليمن.

وعادة ما يقارن الحوثيون قوتهم ونفوذهم وخططهم ليكونوا قوة إقليمية في المنطقة بالقوة الإيرانية. وخلال سنوات الحرب استنسخ الحوثيون النظام الثوري بما في ذلك المؤسسات العسكرية الموازية. وهو ما يجعلهم يمتلكون نظرية لتصدير ما يطلقون عليها في 21سبتمبر/أيلول 2014 إلى بلدان المنطقة.

ويرى العجري أن عبدالملك الحوثي “زعيم الجماعة” سيظل السلطة السياسية العليا في اليمن في ظل أي حكومة مقبلة، “لأن سلطته تأتي مباشرة من الشعب وبالتالي فهي غير قابلة للنقاش” كما هو منصب المرشد الأعلى في إيران.

وسواء كان الحوثيون يريدون التحوّل ليصبحوا مركزاً إقليمياً جديداً للثورة الإيرانية، أو يملكون طموحاً ليكونوا نظام إيراني جديد في المنطقة فإن ذلك سيكون أكبر مهددات الأمن القومي ليس لدول مجلس التعاون الخليجي وحدها بل وحتى دول شرق أفريقيا والاقتصاد العالمي الذي سيبقى تحت التهديد.

وهو ما يقلص الحلول المطروحة أمام دول المنطقة والمجتمع الدولي وفي مقدمتهم اليمنيين. ما لم فإن المنطقة مقبلة على طور جديد من سياسات الثورة الإيرانية التدخلية في المنطقة والعالم يستمر عقوداً، أكثر فتكاً وتهديداً للأمن القومي لشبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي والتجارة الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى