اليمن أشبه بسجن كامل منذ 4 سنوات.. هل تعرفون ما يجري هناك؟
جان إيغلاند.. الأمين العام لمجلس اللاجئين النرويجي
صالات وصولٍ مهجورة، وسيور نقل حقائب متوقِّفة وفارغة، وبوابات مغادرة صامتة. تلك الصور التي بدت ذات يومٍ مُروِّعة أصبحت حقيقةً عالميةً جديدة. تجبر جائحة فيروس كورونا المُستجَد الناس اليوم، في جميع أنحاء العالم، على شكلٍ من أشكال الأسر، الذي غالباً ما يثير الحسرة وكأنه سجنٌ حقيقي.
تقلَّصَ العالم مع إغلاق الحدود الوطنية. واختفت الفرص والصلات والحريات. تبدَّدَت الاحتفالات بالمواليد، والعزاء للمتوفين، وزيجات الأصدقاء وأفراد العائلة خارج المنازل. بالنسبة لكثيرين، سوف تُعرَّف 2020 بكلِّ ما كان عليهم التخلي عنه.
استبدل كلمة “الجائحة” وضع مكانها “الحرب”، وستظلّ الصورة كما هي بالنسبة لملايين الناس في اليمن، أولئك المحرومون من حقِّ السفر على مدار الأربعة أعوام الماضية. علق المدنيون اليمنيون في سجنٍ بلا سقف منذ إغلاق مطار صنعاء الدولي في أغسطس/آب 2016.
يهدف البقاء في الوطن دون سفرٍ خلال الجائحة إلى الحفاظ على سلامة وصحة الناس. أما في اليمن، فهو بمثابة حكمٍ بالإعدام.
على مدار أربعة أعوام، لم يتمكَّن اليمنيون المصابون بأمراضٍ خطيرة الذين يعيشون في العاصمة، وفي المناطق الشمالية من البلاد، من السفر من أجل علاجٍ ينقذ حياتهم. وأفادت السلطات الصحية المحلية بأن آلاف الأطفال والنساء والرجال ربما ماتوا لأنهم لم يتمكَّنوا من الوصول إلى المستشفيات في الخارج.
دمَّرَت سنواتٌ من القصف والغارات وإطلاق النار نصف مستشفيات وعيادات البلاد. وتوقَّفَت الشحنات الطبية عبر المطار تقريباً بشكلٍ كامل. ويتأرجح نظام الرعاية الصحية في اليمن على حافة الانهيار.
يقودني العمل الإنساني إلى زيارة عددٍ لا يُحصَى من البلدان المنكوبة بالأزمات حول العالم. أصبحت المطارات عن غير قصدٍ مني بمثابة بيتي الثاني. لكن لم تتسنَّ لي فرصة الوصول إلى العاصمة اليمنية من خلال مطار صنعاء الدولي، الذي صار محطة أشباحٍ بعدما كان في الماضي بوابةً صاخبةً إلى العالم. أصبح المطار ساحةً للقطط الضالة، بعدما كان يستضيف في السابق ما يصل إلى 6 آلاف مسافر يومياً. أُغلِقَت محلات بيع التذكارات منذ فترةٍ طويلة، وبهتت إعلانات كوكاكولا وبيبسي التي تصطفُّ على الجدران.
لا تزال عقارب الساعة تدور في مُختَلَف أنحاء العالم، وتعرض الوجهات التي لم يعد من الممكن الوصول إليها. فقط جزءٌ صغيرٌ من المطار ينبض بالحياة لبضع ساعاتٍ كلَّ أسبوع للتعامل مع حفنةٍ من عاملي الإغاثة. العاملون في المجال الإنساني هم الوحيدون المسموح لهم بالدخول أو الخروج.
في فبراير/شباط من العام الجاري، بعد عامين من المفاوضات الحادة، وفي القلب من ضجيجٍ كبير، نُقِلَ 28 مريضاً من المطار لتلقي العلاج العاجل. ثم أُغلقت البوابات مرةً أخرى.
أما حظائر الطائرات الصدئة في مطار العاصمة، فهي تمثِّل حصاراً أوسع على الطرق البرية والبحرية والجوية في اليمن. كانت عمليات الإغلاق هذه مسؤولةً عن تصعيد أزمةٍ إنسانية تعتبرها الأمم المتحدة هي الأسوأ في العالم.
منذ عام 2017، فُرِضَت قيودٌ شديدة على دخول المواد الغذائية الحيوية والوقود والأدوية إلى جميع موانئ اليمن على الساحل الغربي -حيث تدخل تقريباً كلُّ المواد الغذائية التجارية إلى البلاد- وحُظِرَ دخول هذه المواد تماماً في بعض الحالات. يحدث هذا في بلدٍ يعتمد تقريباً بالكامل على الواردات، وحيث يُعرَّض 10 ملايين إنسان لخطرٍ وشيكٍ بالمجاعة.
قبل الكشف عن أول حالات الإصابة بكوفيد-19 إلى اليمن في أبريل/نيسان الماضي، أدَّى الحصار والقيود المفروضة على الواردات إلى أن يكافح الأطباء مع معداتٍ عتيقة، وقد ضاعَفَت تكلفة العديد من الأدوية الأساسية. واستمرَّ تضييق الخناق خلال الجائحة، حين أصبح الحصول على طاقةٍ من أجل تشغيل أجهزة التنفُّس الصناعي أو الحصول على قطعةٍ من الصابون يمثِّل حاجزاً بين الحياة والموت.
واليوم تعمل مستشفيات صنعاء بساعاتٍ مُخفَّضة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وواردات الوقود في أدنى مستوى سُجِّل على الإطلاق. وتنقطع المياه عن ربع مليون شخص، لأن ما مِن وقودٍ يكفي لتشغيل المضخَّات. أصبح الأمر عبارة عن كوكتيل سام بعدما أُضيفَت جائحة كوفيد-19 إلى هذا المزيج.
ويحطِّم هذا المزيج بين الحصار والقيود المفروضة على الواردات إلى اليمن ما تبقَّى من اقتصاد البلاد. وبينما تنتظر السفن التي تحمل المواد الغذائية والوقود في البحر، تتدهور الأعمال الصغيرة وترتفع الأسعار بشدة، دافعةً الملايين من الناس على الاعتماد على الإغاثات من أجل البقاء.
يعتقد مجلس حقوق الإنسان أن إغلاق مطار صنعاء الدولي، بالإضافة إلى تقييد الواردات في حصارٍ بحريٍّ فعلي، لهو انتهاكٌ لقوانين الحرب. وتُطالَب الأطراف المتحاربة بفعل كلِّ ما في وسعهم من أجل حماية المدنيين، لا معاقبتهم جماعياً.
ودَعَت منظماتٌ إغاثية التحالف الذي تقوده السعودية، وسلطات حركة أنصار الله، الجماعة المُسلَّحة المعروفة باسم الحوثيين، مراراً من أجل الموافقة على دخول المواد الغذائية والوقود بحريةٍ إلى اليمن، واستئناف الرحلات الجوية من العاصمة صنعاء. لكن دعواتنا لم تجد إلا آذاناً صمَّاء حتى الآن. وباعتبارهم حلفاء للتحالف، فإن هناك واجباً يقع على المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا أيضاً لممارسة الضغط على كلا الجانبين من أجل إنهاء هذا النزاع السياسي، الذي يتسبَّب في معاناةٍ لا حدَّ لها. ولابد أن يقوموا بالمزيد.
يأمل الناس عبر العالم أن تفتح مطاراتهم أبوابها من جديد، ويتوقون إلى استئناف شكلٍ من أشكال الحياة “الطبيعية”. أما بالنسبة لليمن، لم تكن الحياة “طبيعية” لفترةٍ طويلةٍ للغاية. ولعلَّ فتح مطار صنعاء الدولي، إضافةً إلى المسارات البرية والبحرية، لهو خطوةٌ ملموسة سوف تغيِّر حياة الشعب اليمني.
كلُّ ما يتطلَّبه الأمر هو الإرادة السياسية.
هذا المقال نقلاً عن صحيفة The Independent البريطانية، ويعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن توجه وسياسبة الموقع