آراء ومواقف

النظام الإيراني يتستر على أهدافه الاستراتيجية من خلال إشعال المواجهات في المنطقة

كاميليا انتخابي فرد    

لقد ذهب النوم من عيون سكان الشرق الأوسط بعد الهجوم بطائرة مسيرة على “البرج 22” بالقرب من الحدود الأردنية مع سوريا ومقتل ثلاثة من الجنود الأميركيين وجرح 34 آخرين.

هذا الهجوم الذي نفذته الميليشيات أدى إلى مقتل أكبر نسبة من القوات الأميركية منذ الحرب في غزة. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن في أول تعليق على الهجوم، “نعلم أن الهجوم نفذته ميليشيات متطرفة تنشط في سوريا والعراق وتدعمها إيران”.

وتكرر خلال الفترة الماضية منذ اندلاع الحرب في غزة اتهام إيران في الضلوع في بعض الأحداث. وكانت التطورات في الأشهر الأربعة الماضية قد كشفت عن أن إيران وأميركا لا ترغبان في المواجهة المباشرة. كما أن إيران لم تتخذ رد فعل مباشراً في الرد على هجمات نفذتها إسرائيل في سوريا ولبنان، وأدت إلى مقتل عدد من قادة الحرس الثوري وقادة من “حزب الله” اللبناني، لكن هل ما نفذته الميليشيات المنتمية لإيران في العراق وسوريا في البحر الأحمر يعد رد فعل غير مباشر من إيران ضد الهجمات الإسرائيلية والأميركية؟

قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الأحد الماضي، في تعليقه على مقتل ثلاثة من الجنود الأميركيين، بوضوح، “اضربوا إيران. وجهوا لها ضربة قاسية. سياسة الردع التي تسير عليها إدارة بايدن قد منيت بفشل ذريع. النظام الإيراني لم يوقف تصرفاته”، لكن عماذا يتحدث السيناتور غراهام؟ وما التصرفات التي لم توقفها إيران؟ هل يقصد دعمها للميليشيات في المنطقة؟

المراقبون السياسيون والأمنيون يعلمون أن التصرفات التحريضية التي يقوم بها النظام الإيراني تجني كلفاً باهظة للحكام في طهران. لماذا يستمر النظام الإيراني بمثل هذه التصرفات المستفزة على رغم تحذير الخبراء؟

توريط هذه المجموعات التي أعتبرها كجزء من نظام الجمهورية الإسلامية، وليس جماعات نيابية أو ميليشيات مأجورة تعد جزءاً من أهداف تتبعها الحكومة الإيرانية من أجل التستر وتمرير أهداف مهمة وكبيرة في المنطقة، مثلما لا يمكن أن تحدث هجمات الحوثيين في البحر الأحمر من دون الحصول على معلومات، لا يمكن أن يحدث مثل الهجوم على القوات الأميركية بواسطة مثل هذه الميليشيات من خلال هجمات محسوبة تستهدف منطقة عسكرية.

 

النظام الإيراني يبحث عن أي مراوغة من أجل بقائه

خلال الأشهر الأربعة الماضية، وفيما كان العالم منهمكاً بحرب غزة وحضور القوات الأميركية في المنطقة، أقدم النظام الإيراني على إعدام اثنين من المعتقلين من بين المعارضين السياسيين الذين اعتقلهم خلال الاحتجاجات الماضية.

وكان النظام الإيراني قد أعدم الشاب ميلاد زهرة وند (21 سنة) من دون إبلاغ مسبق لذويه في سجن همدان. كما أعدم الشاب محمد قبادلو (23 سنة) في سجن قزل حصار في كرج، وكان الشابان من معتقلي الاحتجاجات السابقة التي شهدت هبة شاملة ضد نظام الجمهورية الإسلامية.

عمليات القمع في البلاد لم تعد لها الصدارة ضمن اهتمامات الأخبار الدولية، فالحوثيون يشنون هجمات ضد سفن الشحن، وكذلك تنفذ القوات الأميركية هجمات ضد مواقع الحوثيين، وإسرائيل تستهدف لبنان وسوريا، ولم يبق أي مجال لتناول ما يجري في إيران.

وفي ظل مثل هذا الانشغال في العالم الغربي يستمر البرنامج النووي الإيراني بوتيرة أسرع مما مضى، وفيما تستمر الحرب والأحداث المتسارعة في المنطقة تحذر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران تقترب من صنع قنبلة نووية. وفي تقرير نشرته الوكالة الدولية الشهر الماضي، قالت إن إيران أقدمت على تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة. وقد أكد أمين عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي بصورة صريحة أن إيران ومن خلال خلافها مع الغرب تتعامل مع الوكالة الدولية كرهينة لها.

وأقدمت إيران في الأشهر الأربعة الماضية مرتين على إطلاق أقمار اصطناعية إلى الفضاء.

وأعلنت إيران، الأحد، وقبل ساعات من الهجوم بطائرة مسيرة على قاعدة أميركية في الأردن، عن إطلاق ثلاثة أقمار اصطناعية إلى الفضاء. وقبل أسبوع أعلنت طهران عن إطلاق القمر الاصطناعي البحثي “ثريا” بواسطة صاروخ قائم 100 العائد إلى الحرس الثوري ووضعته في المدار على بعد 750 كيلومتراً من الأرض.

وبعد إعلان هذا الخبر أعلن ثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا، أن البرنامج الإيراني في الفضاء يعد استمراراً لمشاريع توسعة التقنية الصاروخية للنظام وتتناقض مع قرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن.

إطلاق الأقمار الاصطناعية جزء من هذه الأنشطة، وتكملها الاختبارات الصاروخية بعيدة المدة. وتعمل إيران على مثل هذه الاختبارات الصاروخية في وقت ملائم فيما تستمر الحرب في غزة وتشهد المنطقة حالة توتر.

وعلى رغم جميع تصريحات المسؤولين في النظام الإيراني ودعوتهم إلى ضرورة إنهاء حرب غزة فهذه التصريحات تتناقض مع أهداف وردود فعل تعمل عليها إيران في ظل الحرب. وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان لفريد زكريا على هامش منتدى دافوس، “محور المقاومة سيستمر بالهجمات على إسرائيل ومصالحها حتى بعد انتهاء حرب غزة”.

وتعمل إيران على تحقيق الأهداف الثلاثة التي ذكرتها في ظل الأحداث الجارية في المنطقة والقلق من انتقال الصراع إلى باقي البلدان. وكلما استمرت حرب غزة فإن النظام الإيراني يجد أمامه فرصة أكبر من أجل التستر على برامجه وتحقيق أهدافه الاستراتيجية.

وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية الأحد الماضي أن رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـ(سي آي أي) اجتمع مع كبار المسؤولين المصريين والقطريين والإسرائيليين من أجل هدنة لشهرين وتبادل الرهائن والسجناء الفلسطينيين وتوصل هؤلاء الأطراف إلى نتائج.

وفيما كانت الإجراءات تستمر من أجل التمهيد لهدنة عملت الميليشيات التي شنت هجوماً على “البرج 22” في الأردن على عرقلة مفاوضات باريس.

لكن، كيف ترد الولايات المتحدة الأميركية على الهجوم بالطائرات المسيرة في الأردن؟ هل تهاجم إيران؟

كانت تصريحات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قد كشفت عن أن إيران لم تكن هدفاً مباشراً للهجوم الذي استهدف القوات الأميركية في الأردن.

وقال أوستن، “أنا غاضب ومتألم من مقتل ثلاثة من جنودنا في شمال شرقي الأردن. الميليشيات التابعة لإيران مسؤولة عن هذا الهجوم. سنرد على هذا الهجوم في الزمان والمكان المناسب”.

هذه التصريحات تلقي بالمسؤولية على الميليشيات المدعومة من إيران، ولا تعتبر إيران مسؤولة عن الهجوم.

وعلى رغم ذلك تكشف التطورات الجارية عن أن الولايات المتحدة الأميركية تنوي شن هجوم ضد إحدى القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، وكذلك تنوي استهداف قادة الميليشيات المدعومة من إيران في العراق.

وكان السيناتور الجمهوري تيد كروز قد كتب على منصة “إكس” في رده على مقتل الجنود الأميركيين، “لا يوجد هناك فرق بين الحرس الثوري والمجموعات التي تقاتل بالنيابة عنها”.

وتستمر التصرفات الصلفة للنظام ضد الشعب الإيراني وشعوب المنطقة ويتابع النظام استراتيجية هادفة بسرعة، وسيفاجأ العالم قريباً بأخبار مدوية ومحيرة مثل ما يحدث في كوريا الشمالية. وإذا ما أردنا تحليل التطورات المتسارعة في المنطقة، فيجب القول إنه لا يوجد هناك فرق بين المجموعات التي تحارب بالنيابة عن إيران والنظام الإيراني نفسه.

*نقلاً عن “اندبندنت فارسية” ترجمة النسخة العربية

*رئيس تحرير اندبندنت فارسية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى