كتابات خاصة

عدن وانتقام المستعمر

المدينة عدن تقبع بالظلام، وحذرت مؤسسة الكهرباء الحكومية بالعاصمة اليمنية المؤقتة عدن، مساء اليوم الثلاثاء، من أن المدينة على شفا الدخول في ظلام دامس بسبب قرب نفاد وقود المحطات

هذه المدينة التي عرفت الكهرباء مبكرا، عام 1926م قبل ان تعرف دول الخليج نور الفانوس، وكان حكامها يحلمون بما تملكه عدن من حضارة ومدنية، واقتصاد قوي، ونهضة ثقافية، كان حلمهم ان تكون بلادهم مثل عدن.

هذه المدينة التي كانت تقبع في محيط قبلي متخلف، وعصبيات ما قبل الدولة والحضارة الإنسانية، كانت محمية بريطانية.

نهضة عدن وتطورها، في تنوعها العرقي والعقائدي، والمساحة الواسعة للتنوع الفكري والثقافي، الذي شكل نسيجها الجميل بألوانه الزاهية، المنضبة بنظام وقانون، شكل تعايشا وتسامحا بين كل التناقضات، وهذا هو سر تطور عدن.

تطور عدن، هو تطور في عقل الإنسان الذي سكنها وسكنته عدن، وتحول لعدني الثقافة والسلوك، ومدني الهوية.

هذا العقل المتحرر من مخلفات الماضي، كان ينظر للعالم، ويتشوق للحرية والاستقلال ,ويتفاعل مع الثورات التحررية العربية والعالمية وبما تملك مدينته من مقومات، كان يرى أنه قادر على الخوض في التنافس الحميم اقتصاديا وسياسيا مع كبرى الدول، ولكنه كان مهموما بتحرير محيطه من الجهل والتخلف والاقطاعية والعبودية والمرض، وكان وكانت عدن ترفض املاءات المستعمر ورهانه على ان يجعل عدن قاعدة عسكرية واقتصادية وسياسية، لتنفيذ اجنداتها وأطماعه المستقبلية، رفضت عدن مشروعه المشبوه الجنوب العربي، وجبرته على نقله لمناطق اكثر تخلفا وجهلا، ونقل بعض جنوده بقيادة حيدرة امسعيدي، لترتيب تلك المناطق التي صارت اليوم قواعده للعبث بالمنطقة وعدن.

عدن التي وهبت كل مقوماتها وكفاءاتها ومخاضها السياسي والثقافي والفكري، لتحرير اليمن شماله وجنوبه، وكان السيد محمد علي لقمان رائد التنوير العدني، رافدا مهما لفكرة ثورة 48م في شمال الوطن، ورفيقا للنعمان والزبيري، وكانت الجمعية العدنية تجمع التبرعات لكل الثورات التحررية العربية، في كل ثورة عربية تشتعل عدن حماسا، كانت تنصت عدن صغيرها وكبيرها رجالها ونساؤها بحماس لخطابات الزعيم جمال عبد الناصر، في المقاهي والتجمعات والنوادي والمنتديات.

عدن الثورة، حينما فجر ابنها خليفة عبدالله خليفة قنبلة المطار، وقتل نائب المندوب السامي، وجرح المندوب السامي، وعطل التوقيع على المشروع الاستعماري الجنوب العربي، حقيقة لا يمكن طمسها منتصرا غاصب.

باختصار هذه المدينة التي كانت امل لنهضة عربية، وكانت رهان من رهانات الوحدة العربية، كان يراها أعداء الامة تشكل خطر على مخططاتهم، وكان المستعمر أحد تلك المخططات، ومن حينها لم ترى عدن خيرا، تم خنقها، وتعطيل مقوماتها الاقتصادية، وتفكيك نسيجها الثقافي والفكري، وتحويلها لحلبة صراعات القبائل والعصبيات المتخلفة، وهي اليوم أسيرة لتراكمات هذا الصراع وعسكرها المثخنين بالثأر والانتقام، ومسرحا دمويا لدمى تحركها أطماع الصهاينة والاستعمار، وخناجر مغروسة في خاصرة العرب والعروبة والإسلام.

ولهذا أُريد لعدن ان تقبع في ظلام فكر وثقافي وسياسي واقتصادي، هو اليوم الذي ينفذ تعذيب هذه المدينة، وترهيب أبنائها، من أبناء وأحفاد المناضلين الأوائل لاقتلاع المستعمر، وإهانته في ساحات عدن، في مبنى المجلس العمالي، والمسيرات والاحتجاجات، ومن مجلسها التشريعي، وفي قاعة اجتماعات حكومة عدن، تحولت عدن لشعلة تتفجر في وجه المستعمر وأعوانه من السلاطين والاقطاعيين.

وهي اليوم بعد ما يقارب مائة عام منذ ان نشأت فيها اول محطة كهرباء تقبع في ظلام دامس، وهي تحت سلطة مرتهنة لأغنى دول الخليج، دول تعيش رهاب تاريخ وارث عدن الحضاري والثقافي، ولهذا تمارس التقية مع عدن، وتدعم الرداءة والبلادة، الفساد والإرهاب، وكل ما يمكن ان يعبث بعدن، ويبقيها في ظلام دامس، تحت سلطات دامسه، ولله في خلقة شئون.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى