كتابات خاصة

رؤية نقدية لـ”خيوط اللعبة”

أمجد خشافة

كان فلم “خيوط اللعبة2” المعروض على فضائية “الجزيرة” يدور حول فكرة واحدة، وهي تهشيم صورة علي صالح وإظهاره كدكاكة بارزة أمام الحوثيين، رغم أن العنوان البارز للفلم “كيف حاول الحوثي ابتلاع اليمن”.

كان فلم “خيوط اللعبة2” المعروض على فضائية “الجزيرة” يدور حول فكرة واحدة، وهي تهشيم صورة علي صالح وإظهاره كدكاكة بارزة أمام الحوثيين، رغم أن العنوان البارز للفلم “كيف حاول الحوثي ابتلاع اليمن”.
وحين حشد الفلم كل ما لديه من سردية للأحداث حول تمدد الحوثيين منذ أول شرارة حرب في صعدة، حتى وصولهم لصنعاء، كان هذه الاحداث عبارة عن حواشي، فقط، للتأكيد من أن صالح هو رأس المشكلة.
لا بأس، ومن منظور إعلامي، من الطبيعي التعرض لـ”صالح” وتشريحه إعلامياً وسلخه أمام ملايين البشر ضمن عمل مهني، لكن كان لابد أن يكون صالح هو عنوان الفلم لا كما عرضه الفلم بأنه خاص بالحوثيين ومع ذلك استعرض صالح وجعله صلب فكرته، وحبكة سيناريو الفلم.
ورغم أن الفلم بدأ من الحروب الست التي خاضها الجيش مع الحوثيين، فهو لم يقدم معلومات جديدة عدا أنه عرض وجوه جديدة تؤكد معلومات تاريخية سبق وأن كشفت خلال السنوات الماضية، وكيف أن صالح كان يتعامل مع الحرب وفقا لضرب الخصوم مع بعضهم.
وحين استعرض الفلم تدحرُج الحوثيين من جبال مران عقب ثورة الشباب، حتى وصلوا إلى قلب صعدة والسيطرة عليها، جعل موضوع الحرب في دماج هامشية، رغم أن حرب دماج واقتلاع مركز دار الحديث مثّل أول ضربة في عظم الجمهورية أفقدتها توازنها فيما بعد أمام توغل هذه الجماعة في بقية المحافظات.
تجاهل الفلم حرب دماج وأبعادها، وأعطى رقعة واسعة لألغام الحوثيين في حجة، رغم أن جريمة دماج مثلت بعداً طائفياً وجريمة حصار وتهجير أكثر من 15ألف من البشر، وهذا لا يُفسر إلاّ كونه هروباً من تقييم وشهادات عملية عن دور السلطات الرسمية، وخلفيات تواطؤ الفاعلين الاقليميين والدوليين.
وحين وصل المشهد إلى صنعاء، اكتفى بسرد الأحداث بشهادات الموجودين في الفلم، ولو كان الفلم يرتكز على سرد ظاهرة الحوثيين وتمددهم كان عليه، إذن، أن يتحدث عن الفاعلين الأساسيين بجانب صالح، مثل الرئيس هادي، لاسيما حينما سقطت العاصمة بيد الحوثيين وصُودر القرار السياسي في سيناريو أكثر من سخرية.
لكن أكتفى الفلم بالحديث عن وزير الدفاع، حينها، محمد ناصر أحمد وإلقاء جريمة سقوط اليمن عليه، وكأنه هو القائد الأعلى للقوات المسلحة رغم أنه لم يكن سوى عصا بيد صاحب القرار والتوجه الاقليمي والدولي.
ولأن سقوط العاصمة صنعاء كانت أكثر أهمية من الحروب الست، من حيث شمولية الحدث، فإن تلك اللحظات كانت تمثل خيوط لعبة تحركها أيادي اللاعبين الاقليميين والدوليين، أيضاً، وليست مقتصرة بيد صالح والذي أظهره الفلم بأنه الفاعل الأول والأخير.
صالح لا يستطيع أن يفعل شيئاً كهذا الحدث الكبير لوحده، ودون معرفة “الكبار”، ولا يجرؤ الحوثيون على دخول العاصمة ما لم يكن هناك ابتسامة لؤم دوليه تقول لهم: ادخلوها بسلام آمنين.
والدليل حين دخل الحوثيون صنعاء دون استنفار السفارات الغربية، وعشيتها تم تطبيع الوضع والعمل على تغطية تلك الجريمة والنكسة تحت مسمى “السلم والشراكة”.. وقال الجميع، حينها، ندعم هذا الاتفاق!
وحين وصل الفلم إلى مدينة إب استغرب، بعد أن عرض وثائق حصرية، تخطيط الحوثيين للسيطرة على المدينة رغم بعدها عن صعدة، وكتابتها قبل بدء الحوار، لكن حين نستذكر ما نشرته الجماعة في 2012 تحت عنوان “الوثيقة الفكرية” التي أعلنت أن “الحكم لا يكون إلا في البطنين” تفقد هذه المعلومة أهميتها وتقلل من التعجب الذي أظهره الفلم، وأن موضوع السيطرة على مدينة إب ليست سوى جزء من مشروع ابتلاع البلد تحت عقيدة هذه الوثيقة.
“خيوط اللعبة2” هو نفس “خيوط اللعبة1” الذي تحدث عن “مُخبر القاعدة”، فكلاهما حشد كل الطاقة ليقول أن صالح هو سبب الدمار لهاذ البلد، وهو وإن كان صالح مَثل دكاكة دمار لهذا البلد إلا أن كيل الكبائر والجرائم إلى هذا الرجل، فقط، تـعطي غطاء عن جرائم من كانوا فاعلين أيضاً في دمار هذا البلد.
ويبقى خيوط اللعبة2 هو أحسن حالاً مما قدمه خيوط اللعبة1، فهذا الأخير اعتمدت الجزيرة بكلها على شخص لم يلتقِ يوماً ما بالقاعدة بعد عودته من أفغانستان، فهو الشخص الذي ذهب للحرب ضمن التوجه العام حينها، انتهى به الأمر بانفجار لغم، ليعود شخصاً عادياً يبحث عن أموال ليُعيل أسرته ويواصل همومه في علاج ما خلفه اللغم في جسده، فكيف يعتمد الفلم، ومن خلفه القناة على شهادة هذا الرجل.. فقط لأنه يتحدث عن علاقته بصالح وصالح هو صلب الفكرة..!
وباللغة العملية الإعلامية، فإن الفلمين السابقين، لا ترقى الى مسمى تحقيق تلفزيوني أو استقصائي باعتبار أن التحقيق يناقش قضية من وجهات نظر مختلفة، لا من نظرة واحدة، إضافة إلى اجتزاء الأحداث وعدم اكتمال سرد تشعباتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى