كتابات خاصة

أنا مديون

محمود الحافظي

ونحن ماذا يا رشاد؟! نحن مدانون يا صديق، ليت كنا مديونون فقط!! نحن مدانون حين ما كنا بجانبك، وحين رضينا بأن تموت هكذا! وحين سقطت حيَّا!! مدانون يا صديقي، وليت كنا مدينون فقط. ونحن ماذا يا رشاد؟! نحن مدانون يا صديق، ليت كنا مديونون فقط!! نحن مدانون حين ما كنا بجانبك، وحين رضينا بأن تموت هكذا! وحين سقطت حيَّا!! مدانون يا صديقي، وليت كنا مدينون فقط.. أنت ذهبت تحسو الكرامة، وللكرامة ثمن.. وواحد من أثمانها أن تستدين، ليس للكرامة أموال يا صديقي.. للكرامة دماء.. وللكرامة أبطالها.. لهم الديون أيضا.. أما نحن الآخرون فمدانون.. مدانون، في تلفتنا خوف، وأعيننا تاريخ من الرمد.
الديون عوالق أرضية تلحق الراضين، تلحق المهمومين بالتكديس ومعافسة الأمتعة الرخيصة.. أما أنت فحضور ودفع ودين في أعناق الجميع!! لا يا صديقي، نحن المديونون والمدانون، وأنت المدافع والنقاء والبطل المهموم بالآخرين.
ما الذي كان عليك بذله أكثر كي تهدأ روحك وتطيب؟! وهبتنا الدم الغالي، وأنفاسك الأخيرة، ومجاميع من الأكسجين كنت تقطعها بين الفينة والأخرى، ومع كل هذا كنت تسجل أمام كل الكون والكائنات أنا مديون!! أنت وزعت حياتك علينا وعلى أجيالنا!! أهديتنا مهج الضياء!! غامرت في شرف مروم!! أنت حر، حر، وحر.. ونحن المدانون والمدينون والمستدينون والدين..
أنت دِين – بكسر الدال – ونحن المدانون بالضلال عن خطوك، وبالترسم لكل صفراء فاقع لونها.. نحن المدينون لك بذرات هواء، وآلام عِظام، وخشيات خالطت روحك، وأسئلة عن وطن تهت فيه حد النهاية ولم يعطك حتى الإجابة الأكيدة التي تشفيك أو تواجهك وتوجهك.. لا يا صديقي، أنت أكبر مني ومنهم ومن التراب والحجارة، ومن التحالف ومن العصابة والقتلة.. نحن مخنوقون ببقائنا الضيق، وبقلقنا المستدام، وبقلة حيلتنا تجاه الآخرين.. أما أنت فتضحية خالصة، وغيث حيثما حل نفع، وسقى وأحيا ووهب وارتقى، وكل ذلك وهو يألم لأنه مديون..
يا مال الأرض، يا أشياء الأرض، يا أبناء الأرض، يا عيال الله، يا كل شيء: نحن مدينون له، هو ديننا الذي لا يقضى، هو رسالتنا التي ذهبت لتحكي لله جنون الانسان، هو أنا التي استكثرها المجرمون والشاذون على هذه الأرض، هو أنا التي تحب الحياة وتعشق العيش وتحيا وتتكاثر..
يا أخانا الذي في جبهات المقاومة، يا أبانا الذي في الأعالي، تسامى عطاؤك، نحن حياتك التي انقطعت لنواصل، ونبضك الذي استقام لنبقى، ونحن ديونك التي قضيت وزدت، وعهدك الذي أوفيت ووفيت، ونحن يا حياة بقيتك التي فككت عنها أغلالا كادت تحيط، مدينون لك بمستقبل أوسع من ضيق طائفة، وأرحب من رداءة مذهب، وأجمل من تشوه استبداد، وأكثر من حوش عائلة.. نحن مدينون صديقي، وأنت الدائن والكشف وكل الرصيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى