فكر وثقافة

رواية «شرخ الماء» لليمني عبدالرحمن الخضر: هل يشفع فضاء الخطاب لضعف البناء؟

أحمد الأغبري

في روايته الأولى «شرخ الماء» الصادرة عن دار خطوط وظلال الأردنية عام 2021، أولى الكاتب اليمني عبدالرحمن الخضر الفضاء الخطابي اهتماما كبيراً؛ فعالج كمًا كبيراً من إشكالات الحكم في اليمن منذ الستينيات وحتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، لكن ذلك جاء على حساب التقنية السردية التي يمكن القول إنها اتسمت بالضعف؛ وهو لا يقلل من قيمة الرواية كتجربة أولى للكاتب ورافد جديد للسرد اليمني.

توزعت الرواية، التي جاءت في 188 صفحة من القطع المتوسط، في 23 فصلا، بل إنه لم يسمها فصولاً، فقد كان يمنحها أرقاما، تضمنت مسارات الحكي الذي جاء بعضه بحال المتكلم؛ إذ كان فيه الراوي جزءا من السرد وحاضرا بلسان المتكلم، وهو ما اشتمل عليه السرد تحت الرقمين (1) و(23)؛ وهما مفتتح ومنتهى الرواية؛ وتناول فيهما السارد حكايته مع (عبدالستار) بالإضافة إلى بعض منه تحت الرقم (7) فيما جاءت بقية الفصول مروية بلسان الراوي، الذي أخذ مكانه خارج مسار السرد.

البناء السردي وتطور الشخصيات

على صعيد البناء السردي تكوّن البناء من ثلاث دوائر رئيسة، كل دائرة داخل الأخرى، فالدائرة الكبيرة اشتملت مفتتح ومنتهى قصة (عبدالستار) وفي داخل هذه الدائرة جاءت دائرة قصة (عبدالملك) وفي داخل هذه الدائرة جاءت دائرة صغيرة، وإن كان ليس مناسبًا منحها صفة دائرة؛ لأن سردها لم يكن دائرياً؛ وهي التي تناولت قصة (مُراد عبدالحي).

لم يغلق السارد مسار كل قصة؛ ولم يربط بينها وبين القصص والدوائر الأخرى بما يجعل من وهج السرد متدفقًا؛ ولهذا يشعر القارئ وهو ينتقل من قصة إلى أخرى وكأنه ينتقل إلى سردية مختلفة؛ وهو ما تتراجع معه روح السرد؛ ويشعر معه القارئ بضعف تقني في الربط بين أحداث القصص؛ لأن ثمة أحداث تربط بين مسارات سرديات أبطال كل قصة لم يُحسن السارد استغلالها في سياق الحبكة؛ وهو الضعف الذي يشمل البناء الزمني في كل قصة؛ إذ يشعر القارئ بما يشبه الإرباك وهو ينتقل بين الأحداث؛ فأحيانًا تتجه الأحداث للأمام، وفجأة يعود الحكي للذاكرة، وأحيانا يربط السارد الحدث (موضوع الحكي) بأحداث مشابهة خارج النسق السردي المحلي؛ كقصة شهدي عطية كمثال(ص83-84) علاوة على العودة المفاجأة للذاكرة والرجوع لتناول مراحل زمنية سابقة واستكمال مسار أحداث سبق طرقها في قصة أخرى في الرواية (كقصة حسام وهديل كما رواها حسام) …وهنا نؤكد ضعف الحبكة؛ فسبك سردية الأحداث وربط نسيج الحكايات بالبناءين الزمني والدرامي لم يكن منسجمًا وسلسًا، بل إن السارد لم يُجِد استخدام النظام الدائري جيدًا في قصص عبدالملك وحسام وعبدالستار…كما أن توزيع قصصهم بين أرجاء الرواية قد أضعف رسائل تلك القصص، وأخل بدورها في نسق البناء السردي للرواية ككل… وهنا لم أفهم جدوى وضع مشهد من قصة حسام وهديل (ص12-14) في مفتتح الرواية بعد سردية مشهد عبدالستار في مركز الدراسات والبحوث.

فيما يتعلق بتطور الشخصيات اعتمد الكاتب ديناميكية في تحولات شخصية عبدالملك ومُراد وحسام؛ إلا أنه كان يضطر، أحيانًا، للاختصار الزمني المفاجئ دون إدراك لما يقتضيه ذلك على صعيد تطور شخصياته. ما معناه أنه كان بإمكان الكاتب إعادة نسج البناء السردي بأسلوب أكثر سلاسة بما يضمن السير في مسارات شخصياته ضمن سياقات تنسجم مع الحبكة والتطور الدرامي.

كان بإمكان السارد التعاطي مع كل تلك الانساق السردية من خلال حبكة مختلفة تُعيد ربط كل تلك الاتساق في سياق درامي واحد أو سياقات مترابطة ومنسجمة لاسيما مع تعدد الشخوص الرئيسية في الرواية وتعدد القصص.

لغة الرواية جاءت جميلة ومتميزة بتحليق شعري اعتمد شواهد غنائية في تجميل مشهدية سرديته، لكن اللغة، في مجملها، كانت بحاجة لمراجعة وإعادة معالجة وموضعة في بعضها؛ فثمة جُمل لم تكن مفهومة؛ لأنها لم تكن مكتملة، ومن هذه الجمل، مثلا، قوله في ص147: «خلال خمس سنوات من خروجه من المعتقل وبعد اعلان إعادة توحيد اليمن كان قد بنى بزوجاته الثلاث». وهنا كأن شيء من السياق قد سقط … مما يعني أن النص لم يخضع لمراجعه وتدقيق كاف.

حَرَص الكاتب على أن يتنقل بإبطاله بين مراحل التحول السياسي في اليمن وبخاصة اليمن الشمالي وبعض محطات تاريخ اليمن الجنوبي وصولاً إلى عهد الوحدة متوقفا عند حرب صيف 1994م … وهنا كان السارد بارعا في استيعاب مراحل تلك التحولات السياسية ضمن السرد كمحطات وموقف وخطاب.

الخطاب

لقد كان السارد مهتما كثيراً بالخطاب السردي، إذ أولاه اهتمامًا كبيرًا؛ وقد كان خطاباً مكثفاً في تناوله لإشكالات الحكم في اليمن لأكثر من أربعة عقود بدءاً من معاناة قرية في تهامة اليمن، متوقفا أمام سطوة الفقر والتخلف واكتشاف المجتمع لمكبرات الصوت والسينما من خلال معسكر القوات المصرية، وتعريجاُ على مشكلة زواج الصغيرات وإشكالية الأيديولوجية السياسية وتأثيرها في مسار العمل السياسي ونظام الحكم، وصولاً إلى ما مارسه ويمارسه جهاز المخابرات من ملاحقة واعتقالات وتعذيب واستمالة المعتقلين وصولاً إلى تمكينهم من مناصب حكومية تُدر عليهم دخلاً وفيراً يصبحوا، من خلالها، من كبار قادة النظام الحاكم… وهو ما عالجه من خلال قصة مراد عبدالحي و دور سامية في تمكين عائلتها من دخل ومكانة على حساب الاسهام في تكريس الفساد كمنظومة متكاملة تشمل المجتمع الذي صار بوعيه وثقافته يخدم هذه المنظومة في الوقت الذي يشكو من ويلاتها…

إن الخطاب السردي للرواية جاء مؤثرًا؛ إذ لامس إشكالات جوهرية في بنية الحكم في الدولة اليمنية، وبخاصة خلال فترة حكم علي عبدالله صالح قبل وبعد الوحدة.

وذلك كان نتاجا طبيعيا لقدرة النظام على تكريس ثقافة جديدة افرغت الضمير والوعي الجمعي من قيمة الوطن، وهنا صار المواطن مهتما بتحقيق مصالحه الذاتية مهما كان الثمن؛ وهو ما عالجه السارد بتكثيف من خلال قضية (عبدالملك) اليساري السابق…وفي هذا السياق انتقد السارد تيارات اليمين والوسط واليسار؛ إذ تحول الوطن تحت بطش الحاكم إلى حلبة صراع من أجل تحقيق المصالح الخاصة على حساب القيم العليا.

وفي هذا السياق خَرج السارد عن سياق السرد، وضمّن الرواية فصلاً انتقد فيه دور الإسلاميين في العبث بالمناهج الدراسية من خلال سرد مشهد له وابنته خلال مراجعتها بعض دروس مدرستها (ص87- ص91) وهنا لم يكن جديرًا بالسارد إيراد ذلك، حتى وإن اتفق موضوعا مع خطاب الرواية؛ لكن ذلك لا علاقة له بالسرد والحكي، الذي يفترض أن يبقى متوهجا في سياق الحكي (الشخوص، الأحداث، الحبكة، الزمن، المكان، الدراما- الصراع). وبالتالي يمكن اعتبار ذلك مع غيرها من القصص الجانبية إن صح التعبير …أشبه بالحشو الذي كان يجب استبعاده…بل، أحياناً، كان يستسلم الكاتب لخواطره ويمنحها مساحة (أكبر من اللازم) في سياق السرد (ص13،14) كمثال.

على صعيد عدم مراجعة الرواية سنلاحظ ذلك واضحًا في سياق سرد بعض الأحداث التاريخية، حيث وقع السارد في أخطاء معلوماتية أيضا؛ ففي إشارته للمشادة الكلامية التي جرت في ميناء الحديدة بين رئيس الوزراء في شمال اليمن عام 1968(حسن العمري) وبين رئيس هيئة الأركان قائد قوات الصاعقة (عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان)… ورد اسم الأخير (عبدالله عبدالوهاب نعمان) (ص 64) وهو اسم شاعر النشيد الوطني لليمن، وهنا وقع السارد في مشكلة تشابه اسماء. كما تحدث عن الرمز الانتخابي لحزب المؤتمر الشعبي العام (ص103) في انتخابات عام 1993م؛ بينما قانون الانتخابات اليمني لم يستحدث الرموز الانتخابية للمرشحين إلا في انتخابات عام 1997م. كذلك حديثه عن مغادرة القوات المصرية من اليمن بعد هزيمة حزيران وعقب توقيع الصلح بين الجمهوريين والملكيين في الجمهورية العربية اليمنية (ص47)…وهنا وقع في خطأ آخر؛ فتوقيع الصلح كان عام 1970 بينما مغادرة القوات المصرية لليمن كان في العام 1967م. وكذلك تحديده تاريخ مجيئ الرئيس إبراهيم الحمدي للحكم العام 1973، بينما كان توليه الحكم في 13 يونيو/حزيران العام 1974(ص93).

إن الخطاب السردي للرواية جاء مؤثرًا؛ إذ لامس إشكالات جوهرية في بنية الحكم في الدولة اليمنية، وبخاصة خلال فترة حكم علي عبدالله صالح قبل وبعد الوحدة.

قد يتفق القارئ مع كثير من الأفكار التي بسطها الكاتب؛ وبخاصة فيما يتعلق بجماعة الإسلام السياسي ممثلة في الإخوان المسلمين والتيار الماركسي؛ وهذا الأخير أفرغ له مساحة كبيرة في الرواية …لاسيما وقد أوصل معاناة (عبدالملك) أحد رفاق هذا التيار، إلى مغادرة المعتقل السياسي للعمل ضمن جوقة نظام الحكم، وتحوله إلى أداة من أدوات الفساد السياسي والاقتصادي في البلد، ومثله (مراد عبدالحي) الذي تحول بعد اعتقال رفاقه في التنظيم إلى جزء من نظام الحكم ومن المساهمين في تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام الذي حكم من خلاله الرئيس الراحل صالح اليمن لعقود، وهنا عرت الرواية الكيفية التي كان صالح يُدير بها الدولة وألحق بها أضرارا جسيمة طالت الوعي الوطني الجمعي … لاسيما وقد استخدم الكاتب في سياق خطابه تفاصيل كثيرة من مظاهر الاختلالات السياسية والمشاكل الاجتماعية والاشكالات الثقافية التي تصب في تكريس معاناة البلد.

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى