كتابات خاصة

اليمن كوصل بين السويس وفارس

محمد صلاح

بعد حفر قناة السويس وافتتاحها عام 1869م، ازدادت أهمية مضيق باب المندب، إذ لولاه لما حفرت القناة، فتقاسم السيطرة بين اليمن ومصر على بوابتي البحر الأحمر في باب المندب والسويس، يشكل عامل ترابط حتمي في الأمن القومي بين البلدين. الترابط الحتمي بين المندب والسويس
بعد حفر قناة السويس وافتتاحها عام 1869م، ازدادت أهمية مضيق باب المندب، إذ لولاه لما حفرت القناة، فتقاسم السيطرة بين اليمن ومصر على بوابتي البحر الأحمر في باب المندب والسويس، يشكل عامل ترابط حتمي في الأمن القومي بين البلدين، ولا أدل وأوضح على ذلك في التاريخ المعاصر من التأثر السلبي للموانئ اليمنية وحركة النشاط التجاري فيها بعد إغلاق قناة السويس في حرب 1967م، والدور الايجابي الذي لعبه إغلاق اليمن لباب المندب في صناعة نصر أكتوبر 1973على الكيان الصهيوني.
 منذ عهد الأسرات الحاكمة قبل خمسة الاف عام والمحاولات الحثيثة لإرسال البعثات البحرية إلى اليمن لا تتوقف، وما تلى ذلك من محاولات الاسكندر ثم الرومان وحملة اليوس غالوس التي قادها نحو اليمن عام 24 قبل الميلاد، بتوجيهات من الامبراطور أغسطس، وكان هدفه السيطرة على اليمن كما يقول عالم التاريخ اليمني الكبير مطهر الارياني من ( أن الاستيلاء على (اليمن) يعني الاستيلاء على الجزيرة العربية كلها، فيسهل بعد ذلك الاستيلاء على (بلاد ما بين النهرين)، وهي الخطوة التي ليس بعدها إلا منازلة الفرس في عقر دارهم ومن معظم الجهات فيتم إسقاطهم وحيازة أراضيهم، الإمبراطورية الواسعة، ثم التربع على قمة السيادة على العالم دون منازع ). وهذا يوضح الأهمية الاستراتيجية لليمن كبوابة للجزيرة العربية، من جهة ولبلاد ما بين النهرين غير أن فشل الحملة في السيطرة على اليمن ومنها على الجزيرة العربية أوقف طموحاته في الزحف على الفرس.
وقد بلغ أوج العلاقات بين البلدين في العهد الإسلامي، خلال عهد الدولة الصليحية في اليمن والفاطميين في القاهرة، وأيام الأيوبيين والرسوليين، ثم المماليك والطاهريين، وفي عهد محمد علي باشا، وهكذا يعلمنا التاريخ أنه ما من دولة استقرت في مصر إلا ومدَّت بنظرها نحو اليمن والدفع نحو صياغة علاقات استراتيجية متينة، ومن هنا ليس بوسع أي نظام سياسي في مصر أيا كانت طبيعته تجاهل ما يجري عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
 
محورية اليمن بالنسبة لإيران
إن مسألة اهتمام إيران باليمن ليس أساسها التقارب المذهبي بين جماعة الحوثي ونظام الملالي، لكن بسبب ما تمتلكه اليمن من موقع على خطوط التجارة الدولية بين عالم المحيط الهندي ودول حوض البحر المتوسط، وقربها من الساحل الإفريقي واعتبارها قاعدة انطلاق إلى شرق القارة السمراء.
فامتلاك اليمن لعدد من المحاور الجغرافية البرية والبحرية، منها ما هو بري ملتصق بقلب الجزيرة العربية الذي تمثله العربية السعودية، وامتداده مع العراق والشام، ويمر عبر المملكة، أو بحريا يمتد من البحر العربي حتى الخليج، ومحور من البحر الأحمر وحتى العقبة والسويس، وثلاثة محاور بحرية أخرى يمتد الأول إلى شرق افريقيا عبر البحر الأحمر، ومحورين آخرين من خليج عدن والبحر العربي، نحو أعماق القارة الأسيوية في ماليزيا واندونيسيا، والثاني ينتهي في الهند، كل هذا يجعلها في قلب الاستراتيجية الأمنية لإيران، ويغري صانع السياسة في طهران استغلال عدم تواجد اليمن ضمن التكتل الذي يضم دول مجلس التعاون الخليجي، في الوقت الذي تشكل اليمن عمقه في الاستراتيجية الأمنية والسياسية، ومركز الثقل السكاني داخل منطقة شبه الجزيرة العربية.
إن موقع اليمن الجغرافي يعد نقطة اتصال تربط بين ثلاث قارات، ومحطة تواصل بين بلدان وعوالم مختلفة، وهذا جعل منها منذ أقدم العصور قاعدة المثلث الذي يلتقي عندها ضلعا حضارة بلاد الرافدين وحضارة بلاد النيل، فكانت بمثابة القناة الموصلة للثقافات بين بلاد السند وبلاد الرافدين من جهة، والنيل من جهة أخرى، إذ يرى الدكتور فيليب حتي، أن اليمنيين ( لم يكونوا هم الذين أوصلوا بابل بمصر فقط، بل هم الذين أوصلوا حضارة وادي السند ببابل وبمصر عن طريق التجارة ). وبفضل هذا الموقع استطاعت أن تؤثر في مجتمعات كثيرة، واستمر التأثير من عصور ما قبل الميلاد وبعده، ففي القرون الوسطى نجد الهند تلقت المذهب الإسماعيلي من اليمن، وفي العصر الحديث أخذت اندونيسيا وماليزيا اسلامها ومذهبها الشافعي من التجار اليمنيين ابناء حضرموت، وهذا ما يجعلها هدفا ومطمعا لكل قوة إقليمية صاعدة، أو دولية طامحة، لمد نفوذها بعيدا من خلال السيطرة على اليمن.
وقد بدأ الاهتمام الفارسي باليمن مع الامبراطور دارا الأكبر 550 قبل الميلاد، الذي أرسل بحارته من الخليج وحتى البحر الأحمر، ولم ينته الاهتمام حتى اللحظة، ولا يستطيع أي نظام قائم في إيران أيا كانت صيغته أن يغض الطرف عن اليمن وموقعها الاستراتيجي الأهم، بسبب الترابط بين أمن هرمز والمندب والسويس من جهة، ومن جهة أخرى أهميته في تحقيق التطلعات الايرانية في مناطق وأماكن مختلفة، ويبدو أن نظام الثورة الايرانية واستراتيجية التصدير لمبادئها التي اتخذتها طهران وسيلة للنفوذ داخل المنطقة العربية  ومنها اليمن باستخدام الورقة المذهبية، واللعب عليها من أجل تحقيق أهداف اقتصادية وسياسية، قد وجدت الفرصة مواتية لها بعد انهيار النظام العراقي، فسعت لوراثة علاقات بغداد بصنعاء، واستغلال التناقضات بين اليمن والسعودية والتي كانت محركاتها الحقيقية وأسسها الفعلية ناتجة عن الطريقة التي استخدمها صالح في ادارة العلاقات بين البلدين في فترة من الفترات، كما تؤكده أزمة الخليج وغزو العراق للكويت، والمواقف التي اتخذتها سياسات صالح بالانحياز لمشاريع صدام حسين في المنطقة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى